الرئيسية | أقلام حرة | الرئيس ماكرون يصفع مجددا النظام الجزائري

الرئيس ماكرون يصفع مجددا النظام الجزائري

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الرئيس ماكرون يصفع مجددا النظام الجزائري
 

يقول المثل الشعبي المغربي"الطامع في الزيادة رد بالك للنقصان" وهو المثل الذي ينطبق اليوم على حال النظام الجزائري الغارق في الأوحال. هذا النظام الذي كان يعول على أن تقدم فرنسا اعتذارا تاريخيا  ليبني عليه ويحقق من خلاله مكاسب سياسية وأخرى مادية، فإذا بهذا النظام يجزى بصفعة ثانية في أقل من عشرة أيام من طرف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، الأولى تكرم بها ماكرون من خلال توشيح "الحركيين"، موضوع مقالنا في هسبريس بتاريخ 26 شتنبر المنصرم. والثانية زادت الطين بلة بعد أن أكد الرئيس ماكرون على أنه لم يكن هناك  أصلا وجود للأمة الجزائرية قبل أن ترث فرنسا ذلك الإقليم التابع للباب العالي من الأمبراطورية العثمانية.

1 ـ هذه الحقيقة التاريخية التي نطق بها الرئيس ماكرون تشير إلى الرغبة في إيصال رسالة إنذارية إلى القيادة الجزائرية مفادها إن كان هناك من فضل لفرنسا على الجزائر فهو الفضل الذي يتمثل في كون باريس هي التي  كتبت شهادة ميلاد لإقليم أرادت أن تطلق عليه اسم الجزائر. وكأن لسان حال أعلى سلطة فرنسية يريد أن يقول أنه بدلا من الاعتذار التاريخي الذي يتوهمه النظام الجزائري، كان عليه أن يرفع الشكر إلى الأم فرنسا  ويجزيها كل الخير بعد أن قامت بالحضانة والرعاية لكي يخرج ذلك الكيان إلى حيز الوجود. ففضل فرنسا لم يقف عند حدود إنشاء دولة الجزائر بل أن إنشاءها قد حصل باقتطاع أراضي من دول الجوار لضمها إلى الجزائر باعتبارها آنذاك مقاطعة فرنسية لما وراء البحار.

واليوم هذا الاعتراف التاريخي بأن أمة جزائرية لم يكن لها وجود هو اعتراف له أكثر من دلالة في الماضي كما له تداعيات في الحاضر والمستقبل.  فالاصطلاح الذي استخدمه الرئيس ماكرون في تصريحه يركز على "الأمة" بمعنى أنه لا توجد في الأصل أمة جزائرية بما يفيد أن الأمة من حيث المبدإ  تحمل مفهوما شاملا وواسعا. والأمة سابقة في الوجود بل هي الأساس في بناء "الدولة". ومن ليس له أساس لا يمكن أن يكون له كيان قابل للعيش والديمومة. فالسيد ماكرون لم يستعمل ذلك المصطلح عبثا وإنما أراد به أن يعكس الواقع والحقيقة التاريخية لكيان غير منسجم ولا متناغم في تركيبته الديمغرافية والعرقية والقبائلية المقطعة الأشلاء بين حدود دول الجوار.

وهذه الحقيقة التاريخية ماثلة في أذهان حكام الجزائر لكنهم يتنكرون لها. فمن يتمسك بعدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار فهو يعترف بما لا يدع مجالا للشك أن ولادته كانت قيصرية وأن ما ألحق بإقليمه من أراض يقر بأنها ليست له وإنما لدول أخرى تتوفر فيها كل الشروط اللازمة للأمة. فهو يريد أن يحمي وجوده بإرث استعماري ولا يهمه أن يكون ذلك على حساب الآخرين خاصة تلك الدول التي تتوفر فيها مقومات الأمة، كالأمة المغربية التي لها شرعية تاريخية ودينية وقانونية وسياسية بانصهار جميع مكونات تلك الأمة في بوتقة واحدة ضاربة في القدم لا ياتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها. هذه الأمة التي كان لها سفراء قبل قرون خلت في عدد من الدول الأوروبية منها بريطانيا والنمسا، وهي نفس الأمة التي اعترفت قبل غيرها من الأمم الأخرى بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1777.

فتناغم المفهوم التاريخي والديني والجغرافي وكذلك السياسي هي عناصر أساسية في ترصيص بنيان الأمة. لكن أين هو النظام الجزائري من هذه المحددات اللازمة والضرورية. واقعيا لا شيء من ذلك يذكر. فإلى حدود النصف الأول من القرن العشرين لم يكن هناك ذكر لدولة الجزائر ولا تشتم منها حاليا كذلك رائحة الأمة. كما أن البقع الجغرافية التي يتشكل منها الشطرنج الجزائري غير متماسكة وبالتالي لا تسعف أن يرقى هذا الكيان إلى المستوى اللازم لتشكيل تلك الدولة بسبب ما قد يثيره ذلك من صراعات إثنية. والأخطر من هذا كله هو وجود نظام على رأس الهرم لم يعمل إطلاقا على مدى ما يزيد عن ستة عقود ما يمكن أن يساعد على تجاوز كل المعوقات لأنه في الأصل لا يتوفر على رؤية شاملة يتداخل فيها البعد السياسي مع البعد الديني إلى جانب البعد الثقافي القائم على الحوار من أجل ترسيخ مفهوم "الدولة ـ الأمة" في الوعي الجماعي لكل أطياف المجتمع الجزائري. فالجزائر طوال هذه العقود كانت محكومة بعقلية الثكنات التي تريد من خلالها خلق أمة قائمة على العداء وعلى الكراهية. وهذه هي مرتكزات العقيدة العسكرية لدى النظام الجزائري الذي يريد أن يوحد البلاد على أساس خلق كوارث والادعاء بوجود عدو خارجي. كما هي عقلية منشغلة بالصراعات وتصفية الحسابات فيما بين المعسكرات المتهافتة على السلطة وعلى الثروة، أما بناء الدولة العتيدة على أسس حضارية لم يكن مدرجا في أجندتهم ولن يكون. 

ولذلك، فإن الرئيس الفرنسي ماكرون حينما نطق بهذا الحكم فهو مدرك جيدا أكثر من غيره لهذه الحقائق المرة، كما هو مدرك بأن الطبقة الحاكمة في الجزائر ليس لها أفق سياسي ولا شعبي وبالتالي لا تستحق منه ذلك الاحترام. وحينما جاءهم بالخبر اليقين، الذي سبقه إليه الجنرال دوكول في ستينيات القرن الماضي ، كان السيد ماكرون يعلم جيدا أن تلك الفئة الحاكمة المغشوشة لا تلوي على شيء ولا هي قادرة على أن تفند تلك الحقيقة التاريخية أو مواجهة الرئيس الفرنسي بعد أن اختفى الرئيس عبدالمجيد تبون في تصريح مخجل يث قال في وقت سابق أنه لن يرد على الرئيس ماكرون.

واليوم يتأكد كذلك نفس الوهن الذي أصيب به النظام الجزائري من خلال ذلك الموقف المخزي الذي اكتفى بأن الجزائر ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية. والواقع أن ما قام به الرئيس ماكرون ليس تدخلا بل هو أكبر وأخطر من ذلك، فالأمر يتعلق بوجود أو عدم وجود الجزائر ككل. فهل هذا التصريح المزلزل للرئيس الفرنسي الذي يطرح إشكالية كبرى لم يرق إلى مستوى الخطورة التي تحتم ضرورة التئام المجلس الأعلى للأمن الجزائري؟ فكيف وجدت القيادة الجزائرية أنه من الأنسب التصدي للموقف الفرنسي  ببيان ما كان له أن يكون بهذا القرف، وكأن ذلك المجلس الأعلى لا ينعقد سوى في مواجهة المغرب. وفي موقف أقل من ذلك التصريح الفرنسي  بكثير، وهو الموقف الذي طالب بأحقية شعب القبايل في تقرير المصير، أقام النظام الجزائري الدنيا ولم يقعدها. فأين هو اليوم رمطان لعمامرة، وهل تجوز فيه صلاة الغائب؟ 

كما يحكى أن الجزائر قد أغلقت أجواءها في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى دول الساحل. وأية جرأة تملكت هذا النظام بل أي تهور  انزلق إليه حتى يكشف عن نواياه ومخططاته وهو يعرف أن مهمة تلك الطائرات الفرنسية ليست من أجل السياحة أو الترفيه بقدر ما هي مهمة عسكرية بامتياز وهي محاربة التنظيمات الإرهابية التي تنخر المنطقة وتنال من أمنها واستقرارها. هذه الخطوة التي قام بها النظام الجزائري تشير إلى أن لديه اعتراضات على الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، إن لم يكن ذلك النظام راعيا وداعما وممولا للتنظيمات المتطرفة وفي مقدمتهم قيادات من الحركة الانفصالية للبوليساريو سيما بعد أن تمت تصفية أحد قادتها وهو أبو الوليد الصحراوي على يد القوات الفرنسية.

ومن انتشى بهدية قدمها له الاستعمار وهي عبارة عن أراض اقتطعتها فرنسا من دول الجوار لم يكن يعلم في حينه أنها كانت هدية مسمومة. فالحتمية التاريخية لابد أن تفرض نفسها على الحاضر وعلى المستقبل. وما جرى بالنسبة للاتحاد السوفياتي  سابقا وهو آنذاك قوة عالمية، قد يعاد نفس السيناريو عند دول ولدت ولادة غير طبيعية وهي قوة لا تساوي جناح بعوضة قياسا بقوة الاتحاد السوفياتي. وهذه الحتمية قد تقول كلمتها في الجزائر وإحقاق الحق لابد منه كي يعاد إلى أصحابه غصبا عن النظام الجزائري الذي يريد إبقاء الكرة في ملعب الصحراء المغربية لكي لا تنتقل إلى مربع الصحراء الشرقية. ونؤكد للشعب الجزائري التوأم أن الحلول لكل الإشكالات التي تركها لنا الاستعمار تكمن في وحدة مغاربية لأن ما يجمعنا هو أكبر بكثير مما يفرقنا، فالشعوب لا تشمت في بعضها. كما نريد أن تفتح تلك الحدود المصطنعة وإزالة الحواجز للتواصل فيما بيننا. ومن يقف ضد هذا التواصل فهو يقف عبثا ضد إرادة الشعوب، ويخطط لتنفيذ عقيدته العسكرية بإراقة الدماء بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري.

 

 

 
مجموع المشاهدات: 8582 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة