الرئيسية | أقلام حرة | الإسلام وحدة واحدة شاملة2

الإسلام وحدة واحدة شاملة2

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الإسلام وحدة واحدة شاملة2
 

تابع..

إن الدين عند الله الإسلام.. وهو وحدة واحدة، شاملة، لا تقبل التجزيء ولا الانتقائية في التصور والعقائد.. منظومة متماسكة لا يجتزأ منها فص أو نص ليستدل به معزولا.. بل راعى علماؤه المجتهدون -في استنباط الأحكام- سياقا شاملا، ممتدا، لا يبتدئ بالمعنى المعجمي، ولا ينتهي بسبب النزول، ولا يهمل الناسخ والمنسوخ، ولا سند الثبوت... فأخرجوا أحكاما، حُق للعوام(في المجال) اعتمادها والاستناد عليها والاستدلال بها، لأنه لا يمكن لهؤلاء "العوام" الاستدلال بالنص "الخام" إلا في إطار عضد الأحكام الفقهية الجاهزة.. أما فتح باب الاستنباط لـ"العوام" من النص المعزول مباشرة، فإنه يفتح أبواب شر لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى.. وفي آيات القتال شاهد ودليل..

غير أن التجزيء والاجتزاء والاعتماد على المصادر رأسا، دون سابق معرفة بأحكام الشرع المجملة، قد أحالت الدين "أديانا"، أخذ كل منها ما يعجبه و"ينغمه".. فهذا تشبث بالمعاملات، فأخذ "الأخلاق" وجعلها وحدها معيار الانتماء للإسلام، بغض النظر عن حقيقة تلك "الأخلاق" التي يدعي الإعجاب بها، وبغض النظر كذلك عن كفاية الأخلاق كمحدد لهذا الانتماء.. وآخر حصر "الدين" في الشعائر.. فتراه لا يترك شعيرة إلا أداها، ولا يرى وراء هذا دينا، ولا يلقي لغير ذلك بالا.. وغيره ركز على العقائد والفكر النظريين المجردين.. فأصبح "الدين" عنده محصور في العمل على إقامة دولة الإسلام، وتحكيم شرع الله، وتحقيق العدل والكرامة بين المسلمين، أو بين الناس أجمعين، لكنه لا يرى آنا للعبادة، ولا مجالا للأخلاق...

عمليا، أصبح المجتمع مقسما أقساما..

فمن الناس المجتهد في عباداته وشعائره، لكن معاملاته لا تدل على "دين".. منبوذة، مقيتة، مقززة حتى أصبح إسلامه طقوسا فارغة المحتوى، ما دامت لا نتيجة اجتماعية إيجابية، أو حتى محايدة، تُلمس في ممارساته!!!..

ومنهم من يُحسن التعامل. بل إنه مبادر باذل وقته وجهده وماله.. لكنه منقطع عن الشعائر، تاركا مفارقا لها، حتى أنه أصبح كمتطوع ياباني بوذي في "أطباء بلا حدود": أعمال خيرية دون سند ديني من الدين الذي يدين به!!!..

ومنهم من يجتهد في العبادة، ويجيد المعاملة.. غير أن حياته موقوفة عليه هو نفسه وفقط.. فلا وجود لمفهوم الأمة عنده وما ارتبط به من واجبات مجتمعية كالدعوة العامة أو الخاصة، أو التوعية والعمل على التغيير المجتمعي والمؤسساتي، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو جهاد الكلمة... لا وجود لهذه المفاهيم في حقله الإدراكي، ولا في مجاله التداولي.. فهو كصوفي منقطع في كهف، مع أنه بين الناس!!!..

ومنهم من تبنى هذه المفاهيم الأخيرة حتى أوقف نفسه على ذلك وحبسها لذلك، فصار يستنشق ذلك ويستنثره،، غير أنه ليس له في ما عداه نصيب إلا الفتات.. فأصبح إسلامه فكرا، ثوريا، مجردا، جافا، دون روح!!!..

كل هذه الأصناف متوافرة، على اختلاف كمي بينها، إلا المتوازنون الموافقون بين الشعائر الروحية، والمعاملات المجتمعية، واستحضار وحدة الأمة، وتبني همومها، والعمل من أجل نهضتها وتوحيدها، والبحث عن موقع في البنيان المرصوص المفترض لبعثها من الركام!!!..

إن الإسلام، كجل "الأديان"، يشمل ثلاث مجالات:

- العقيدة، وهي ترتكز على الإيمان بالغيب والتسليم بوجوده وفق ما أخبر به المبلِّغ، ولو خالف(الغيب) مقتضيات الاقتناع المنطقي والاستدلال العقلي، وقواعد وخواص المحسوس من الموجودات..؛

- والشريعة التي تنظم المعاملات مع مختلف الكائنات وفي كل المجالات والمستويات، وتسنّ الآداب، وتميز بين الأخلاق؛

- والعبادات التي تختص ببيان الشعائر التعبدية التوقيفية التي تحدد كيف يعبد المؤمنون المعبود..

والصنفين الأخيرين هما من جهة نتيجة للصنف الأول، بحيث لا يكونا إلا حينما يكون، ومن جهة أخرى هما أعمال إجرائية قد يعجز البعض عن أدائها موضوعيا أو ذاتيا.. لذا وُضعت لها رخص لمن عجز عن أدائها قدرةً، ووصف المقصر في أدائها كسلا بالعاصي، له توبة في حق الناس، ولله تعالى عليه عفو يوم المعاد، فيما تعلق بحقه سبحانه..

أما القسم الأول فهو أول وأساس الإسلام. وهو مكوِّن معنوي عاطفي مُناط بالقلب. وعليه فهو من جانب أساس إيماني قاعدي لا يمكن تجاوزه ولا يصح غيره(العبادات وحسن المعاملات) بدونه، ومن جانب آخر هو حالة معنوية قلبية عاطفية، غير معجزة، متاحة ميسرة لكل عاقل أراد، لا ُيعذر أحد بتجاهلها أو تجاوزها..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 12300 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة