الرئيسية | أقلام حرة | البعد الإنساني في العلاقات المغربية الإماراتية

البعد الإنساني في العلاقات المغربية الإماراتية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
البعد الإنساني في العلاقات المغربية الإماراتية
 

عادة  ما تكون العلاقات ما بين الدول تحكمها بالأساس ما يعرف بالمصالح المتبادلة أو المشتركة. ولا غرابة في ذلك بل أن هذ المقاربة تفرض نفسها في العلاقات الخارجية لكل دولة  وتبني دبلوماسيتها على هذا الأساس . ومن لم يستحضر ذلك يؤخذ عليه بأنه المقصر في حماية مصالح وطنه. ولأن هذا الطرح بات العملة المتداولة بين الدول فهو قابل للتحول بحسب الظروف تحت طائلة أن لا وجود لعداوة أو صداقة دائمة. فالمصالح كتلك الكثبان الرملية المتنقلة. ولعل ما نعاينه مؤخرا من تقلبات في المواقف لخير دليل على ما نحاول تشريحه في منظومة العلاقات الدولية.

وإذا كان هذا هو حال العلاقات بين الدول تتحكم فيها الماديات، فإن بعض الدول على قلتها تراعي في علاقاتها الخارجية مجموعة من المبادئ والقيم اللامادية ومرد ذلك إلى المرجعيات التي ينهل منها قادة تلك الدول سياساتهم والمبادئ التي تربوا عليها في مدارس مؤسسيها من السلف الصالح. وفي هذا الصدد، وجب علينا أن نستحضر النموذج والاستثناء في العلاقات ما بين الدول وهو التعاون الأمثل ما بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فلماذا المغرب ولماذا الامارات؟

فالسر في العلاقة ما بين هذين البلدين الشقيقين في ماضيها وحاضرها وكذلك في مستقبلها ، يعود إلى كونها علاقة حميمية فهي أكبر من أن تكون مبنية بالأساس على اتفاقيات ثنائية أو الاعتماد على آليات للعمل من قبيل لجان مشتركة وغيرها . صحيح أن كل الإطارات القانونية المبرمة بين ابلدين تعتبر نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه التعاون السليم ما بين الدول، لكن الذي يؤطر كل ذلك ويرعاه يعود إلى تلك العلاقة الحميمية في أبعادها الإنسانية التي أرسى قواعدها المؤسسون جلالة الملك المغفور الحسن الثاني وشقيقه المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. الرجلان لما كان لهما من حكمة وتبصر أسسا لمدرسة جديدة افتقرت إليها منظومة العلاقات لدولية وهي تلك المبادئ الإنسانية التي غابت وتغيب عن المعجم المتحكم في العلاقات بين الدول. 

الرجان كانت تربطهما علاقات أخوية وكان كل منهما منبهر بشخصية الآخر . فهي علاقة ما بين رجل متبصر ورجل حكيم كانا يكملان بعضهما ولا يتوقفان عن المشورة بينهما حول مختلف القضايا. لقد استطاع الحسن الثاني والشيخ زايد أن يربيا أبناءهما على مبادئ الأخوة وعلى ضرورة الاستمرار في حمل تلك الرسالة بما يعزز العلاقات ما بين البلدين بعيدا عن الحسابات الضيقة. وكان الحكيم الشيخ زايد يجمع أبناءه الأمراء وينقل إليهم إعجابه بالمغرب كدولة عريقة وكنموذج لدولة مؤسسات ماسكة بناصية المستقبل، ولم يكن الشيخ يتوانى في التأكيد لأبنائه بأن التعامل مع المغرب هو تعامل استثنائي بامتياز ولا يدخل في الصورة النمطية في علاقة الإمارات مع الخارج. وبالفعل قد فرخت تلك المدرسة وهو ما نشاهده اليوم من خير خلف لخير سلف لتستمر العلاقات بين البلدين في حميميتها وأبهى تجلياتها. وليبقى الحضور الإماراتي داخل المغرب كأنه فوق التراب الإماراتي. فالعلاقة علاقة عضوية إلى أبعد الحدود وتحطمت معها كل الحدود ليبقى الوطن وطنا واحدا. ونحن في هذا الشأن لا نطلق الأحكام على عواهنها فبالأمس شهد المغرب على أرضه حدثا بارزا وهو استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية "أنطوني بيلينكن" رغم اجتماع هذا الأخير مع نظيره الإماراتي في صحراء النقب.

وكذلك في هذا اشهر الفضيل، شهر الرحمة والغفران، تصل دولة الإمارات العربية الشقيقة الحاضر بالماضي كعادتها في توزيع المساعدات الإنسانية على الأسر المعوزة في مختلف ربوع المملكة. فكل المؤسسات والهيئات الإماراتية وفي مقدمتها الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة زايد وأصحاب السمو من الشيوخ والشيخات جميعهم تراهم يتسابقون على أن يسجلوا حضورهم في البعد الإنساني على أرض المغرب، وذلك بالتنسيق مع السلطات المركزية والمحلية وبالتعاون مع فعاليات المجتمع المدني.  وليس الشهر الفضيل وحده هو الذي يشكل مناسبة لإظهار هذا الوجه  من التعاون الأخوي، بل هذا التعاون جار على قدم وساق على مدار العام كله من خلال تمويل العديد من المشاريع ذات الطابع الاجتماعي وغيرها من المساعدات الإنسانية التي يبادر إليها الشيوخ في مختلف المناطق ، إضافة إلى مشاريع أخرى تخص البنية التحتية في العالم القروي . 

إجمالا، يستخلص من هذه العلاقة الحميمية أنها تسترشد بتلك القيم الروحية والإنسانية على اعتبار أن المغرب والإمارات يجمعهما مصير مشترك فما يسعد المغرب فهو كذلك يسعد الإمارات وما يضر واحدا منهما فهو يضر قرينه، وذلك على هدي خير الأنام الذي أوصى" مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".  

 

   

 

      

 
مجموع المشاهدات: 35545 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة