الرئيسية | أقلام حرة | انتباهات إلى حب محمد صل الله عليه وسلم المتفرد، لخديجة!

انتباهات إلى حب محمد صل الله عليه وسلم المتفرد، لخديجة!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
انتباهات إلى حب محمد صل الله عليه وسلم المتفرد، لخديجة!
 

 

 

كان محمد عليه السلام والمحبات، شابا قرشيا في منتصف عشرينياته، سليل إحدى أشرف بطون العرب بني هاشم، وكان على سمو نسبه ورفعة أصله، وكانت تسير بخبر صدقه وأمانته الركبان، ثابت الفؤاد رزين اللسان، ثاقب النظر حكيم الفعال، هادئ الطباع أسيل الخصال، يختزل من سمات العرب الكثير، كرمٌ وحلم وشهامة وحزم.

 

بيد أنه لحكمة الله في مستودع رسالته الخاتمة، نأى عن نفسه بكل ما خطر لفتيان قريش من قرنائه، فما اختبر قط مسكرا من شراب، ولا وقع في ما كان سائدا من سفاح واختلاط أنساب، ووأد للبنات، وربا للأموال على الضعفاء، وما رفع يدا للحروب القبلية، وللعصبية الطاحنة.

 

لقد برئت ذمة محمد من ذلك كله براءة الذئب من دم يوسف وقميصه، فكان منبع العدل، ومرتع الفضل، حتى صار عليه وشائج التحيات الغامرات، الرجل الذي تهيم به كل امرأة ذات رفعة، والصهر الذي يمني به النفس، كل ذي خلق وسمعة.

 

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم منصرفا إلى التأمل في خفاء، متفحصا حال قومه من فوضى وخيلاء... إلى أن دقت خديجة بنت خويلد أبواب روحه، وفكت الختم عن صروحه، عندها صار لروح محمد الشريفة بعدٌ جديد يرى من خلاله عظمة الخلق، وجمال الحق، سبحانه.

 

لقد كانت تكبره بخمس عشرة سنة، ومع ذلك كله لم يبن لمحمد غير خديجة، تلك المرأة التي خبرته وهو تاجر في مالها، أمين لا يلين، في حفظ الأمانة والكد في رزقه بالحسنى والقناعة، فخلبها معدنه النادر الذي لا تناله شائبة، واطلعت فيه على ما شح في غيره من الرجال عند كل رَوْح أو نائبة.

 

تقدمت تخطبه لنفسها مفضلة إياه عن كبراء قريش ووجهائها، وهو أمر لم يكن معتادا وقتئذ، لكن لمثل محمد تخرق العوائد، فمن أين لها بمثله جلالا وجمالا؟ وفي خطبتها له رد على الذين يزايدون على زواجه منها، مدعين أن ذلك كان طمعا في ثروتها، فلو كان الأمر كذلك لأتى على ذلك المال حين كان يتاجر فيه، كما فعل غيره، أو لسارع لخطبتها والزواج منها قبل أن تطلبه هي، ولو كان طماعا، ما قال فيه أحد الأعراب لقومه : يا قوم آمنوا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر"، ولما عاش متبسطا متزهدا حتى لما أمكن الله له في الأرض يجتبي منها حيث يشاء، فكان يشبع يوما ويجوع أياما، ولمَا مات ودرعه مرهونة عند يهودي.

 

"يا خديجة كنت فقيرا فأغناني الله بك" هكذا يحررها خالدة في عقبه، فقيرا بعد التيتم صغيرا، وفقد الجد الرحيم، فقيرا إليها إذ تقول له لما نزل عليه الوحي أول مرة : والله لا يخزيك الله أبدا!

وتعدد خصاله، وتذكره بمن يكون، وتسند روحه في الحركات والسكون.

يصرح محمد لعائشة وهو الحريص على مشاعر النساء من أزواجه : : «إنها كانت وكانت، وكان لى منها ولد»، يضرب خيمته عند قبرها يوم فتح مكة، في خضم الانتصار العظيم، والقوم في فرح وسرور بتحقيق الله وعده، يروح لقبر خديجة ويتذكر أيام خليلته ويبكي فراقها وقد تطاولت بعدها السنين.. وكان إذا طرق طارق بابه قال : اللهم هالة" يقصد أخت خديجة، وإذا ذبح شاة، اقتطع منها وقال : فرقوا هذا في أصدقاء خديجة. 

 

إن رجلا عظيما كمحمد لا تليق به سوى امرأة بعظمة خديجة، وعزة خديجة، واستثنائية خديجة، وإن شخصين بهذه العظمة لا يؤسسان إلا لحب جلل، يتطلب منا الكثير من الافتحاص لنتشرب هذه القداسة وهذا السمو الذي يعوزنا وقد صارت مؤسسة الزواج عقدا ربحيا نفعيا، أو مجرد صورة اجتماعية مصدرة للآخرين على مضض، على ما أصابها من تميع وتسليع.

 

إن قصة محمد وخديجة ضاربة في الجمال ومثخنة في الرقي، رغم تقصير السرديات التاريخية الإسلامية، للأسف، في إيفائها ما تستحق.

 

مجموع المشاهدات: 5994 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة