الرئيسية | أقلام حرة | غزة تتحدى النار والحديد

غزة تتحدى النار والحديد

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
غزة تتحدى النار والحديد
 

خلال غشت عام 1945 ألقت واشنطن قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما ونكازاكي باليابان، ما أسفر عن مقتل أزيد من 220 ألف إنسان من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، ناهيك عن الدمار المهول الذي تسبب فيه أول انفجارين نووين في التاريخ، وما لحق ذلك من أمراض وتشوهات توارثها أجيال بسبب المواد الإشعاعية.

مات بعد ذلك آلاف الأبرياء في مناطق مختلفة من العالم كالعراق وأفغانستان تحت ذرائع واهية. 

وفي كل مرة كانت تكشف وسائل الإعلام أن ضحايا الغارة الجوية مدنيون ونساء وأطفال، يخرج متحدث عسكري ويسمي ذلك أضرارا جانبية غير مقصودة ! 

 

وخلال جميع تدخلاتها العسكرية (الغير مبررة) تعتمد أمريكا بشكل كبير على الغارات الجوية، وقد عملت على تطوير الطيران الحربي باستمرار عبر البحث العلمي والإنفاق العسكري الذي يعتبر الأضخم على مستوى العالم، فأصبحنا اليوم نسمع عن القنابل الذكية والموجهة والطائرات بدون طيار والصواريخ الفرط صوتية وغيرها.

 

إلى جانب التفوق العسكري، تصر بلاد العم سام على التواجد في كل بقاع الأرض ضمن خطط الأمن القومي والانتشار الاستراتيجي الاستباقي، وهو ما يفسر دفاعها عن إسرائيل حليفتها القوية في منطقة الشرق الأوسط، يقول "جو بايدن": لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا إحداثها، أو كما وصفها عبد الوهاب المسيري : إسرائيل هي حاملة طائرات أمريكية. 

 

هوس السيطرة المطلقة شرعن لأمريكا وحلفائها الغربيين التدخل في سياسات باقي المجتمعات من خلال آليات معلنة وأخرى مضمرة كإغراق الدول في الديون أو المساعدات السنوية، وما يصدرون من ثقافة ومقومات الإنسان العصري المتحضر عاداته اليومية وأكله ولباسه حتى أضحينا كائنات مستهلكة بامتياز، في حين تخلفنا بسنوات ضوئية في امتلاك التقنية العالية. 

 

لكل ما سبق فإن صور الموت والخراب بغزة، وكل الدم الذي يراق، والحصار وقطع الإمدادات والتجويع، ليس أمرا جديدا ومفاجئا على مجرمين يرتدون بذلات رسمية ويسمحون لأنفسهم بتقرير مصير الشعوب والتدخل في شؤونهم فقط لأنهم يمتلكون آلة القتل الأقوى. 

 

 مشاهد الأشلاء البشرية المروعة بمستشفى المعمداني وجثث الأطفال بمكان يحرم قصفه لم تقنع أمريكا بوقف الإمدادات العسكرية عن إسرائيل، ولا بايدن بإلغاء زيارته لها، والظاهر أنهما يستبيحان بشكل مطلق دماء سكان غزة ويعتبرونهم مجرد طفيليات تعيق توسيع الاستيطان أو حيوانات بشرية كما وصفهم علنا وزير الدفاع الإسرائيلي. 

 

وأمام هذا الاختلال الواضح في ميزان القوى، قد تميل الحكمة لتجنب أهوال الحرب ومخلفاتها، خصوصا ضد من يمتلك ما يلزم لإبادة دول بأكملها، والسعي لاسترداد الحقوق عبر القنوات الدبلوماسية.

لكن الضغط يولد الانفجار وإسرائيل فوق القانون ولا تمتثل لقرارات مجلس الأمن، ومن يقع عليه الظلم ليس كمن يتعاطف من بعيد. فعن أي حوار حضارات يتحدثون؟ أين القانون الدولي؟ أين ملتقيات الأديان والثقافات؟ أين حقوق الإنسان والحيوان والحفاظ على البيئة ؟ أم أنها شعارات !   

مع الأسف لا توجد سوى حقيقة واحدة وهي أن الغلبة للأقوى ولمن يمتلك أسرع وأفتك أدوات القتل، حينها فقط سيكون لك صوت مسموع ومكانة مهيبة بين الأمم، فمن يتجرأ على روسيا مثلا أو الصين ؟ 

 

مع ذلك، حينما يتعلق الأمر بالوطن فلا ضير من المحاولة مهما كان الثمن.

وأكاد أجزم أن أعداء الفلسطينين قبل أصدقائهم يكنون لهم الاحترام والتقدير لما يتصفون به من عزيمة وثبات وصبر ورفض للتهجير.

 مثلهم كمثل شمعة وسط ريح هوجاء كلما اشتدت سرعة الرياح وظن الجميع أنها ستنطفئ ما يزيدها ذلك إلا بريقا وتوهجا.  

 

قد لا نشهد اليوم إقامة الدولة الفلسطينية، لكننا نشهد بطولة شعب خارج المألوف، شعب غير قابل للترويض.. يتحدى النار والحديد.

مجموع المشاهدات: 5404 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة