توفيق بوعشرين
في ظرف أسبوع واحد، استطاعت قوات الأمن، بكل فروعها، أن تصل إلى الخلية التي خططت ونفذت انفجارات الأركانة التي قتلت 16 ضحية وجرحت 22 مغربيا وأجنبيا. هذه النقطة تحسب لهذه الأجهزة التي وصلت إلى الأيادي الملطخة بالدماء بسرعة. هذا خبر سار، لكن في نفس الوقت هناك خبران غير سارين في هذه الواقعة الإرهابية.
- أولا: الثلاثة المشتبه في أنهم كانوا خلف العملية الإرهابية ليسوا عناصر في تنظيم هرمي، ولا توجد وراءهم عقول كبيرة ولا إمكانات مادية ولوجستيكية ضخمة. مجرد باعة فقراء محدودي التعليم ينحدرون من مدينة آسفي الغارقة في مشاكل اقتصادية واجتماعية معقدة... ماذا يعني هذا؟
هذا مؤشر خطير على أن تنظيم القاعدة له قدرة كبيرة على خلق أذرع له في أماكن عدة بدون وجود أي اتصال أو تنظيم أو إعداد أو تخطيط. القاعدة صارت فكرا جهاديا ومواقع أنترنت عسكرية وإيديولوجية، وأي واحد يمكن أن ينتسب إلى هذا الأخطبوط، وأن يشتري مواد متفجرة من السوق، ويبحث عن الخلطة الناجحة في مدونات «إخوانه»، ثم يستهدف الأجانب أو مؤسسات الدولة، وحتى عندما تلقي الأجهزة الأمنية القبض على المتورطين أو على خلاياهم الصغيرة، فإنها تعتقل مجموعات معزولة عن بعضها، لكنها لا تعتقل الفكر المتطرف الكامن خلفها، والذي ينتقل من واحد إلى آخر بلا حدود ولا قيود...
عملية أركانة، التي روعت البلاد وأثرت على السياحة، وتسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة.. نفذها ثلاثة شبان عمرهم أقل من 30 سنة وبتكلفة ربما لن تتجاوز 1000 درهم... لهذا، فإن المطلوب، اليوم وغدا، ليس فقط رؤوس هذه الخلايا الصغيرة والمتفرقة، ولكن رأس البيئة التي تنبت مثل هؤلاء الأفراد... البيئة الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا: عادل الذي قدم على أنه الرأس المدبر والمنفذ لتفجيرات أركانة سبق له، ثلاث مرات على الأقل، الخروج من المغرب ومحاولة الالتحاق بتنظيم القاعدة. مرة عن طريق البرتغال، وأخرى عن طريق سوريا، وثالثة عن طريق ليبيا... ومع أن هذه الدول كلها قبضت على عادل «مول السبرديلة»، وسلمته إلى السلطات المغربية على أساس أنه عنصر «خطير»، وأنه كان ينوي الالتحاق بالقاعدة في العراق لـ«القتال» ضد الأمريكيين، أو الجزائر للالتحاق بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. رغم كل هذا لم تعتقله السلطات الأمنية، ولم تضعه تحت المراقبة، بل ولم يكن حتى على قائمة لوائح المشتبه في كونهم يشكلون خطرا على الأمن... هذا تقصير واضح يدفع إلى القول بأن هناك حاجة ملحة إلى تطوير عمل الأجهزة الأمنية، وتحديث أساليب اشتغالها، وتشكيل آليات لتقييم عملها، ومحاسبة المقصرين منها. فأمن البلاد قضية حساسة واستراتيجية. والإرهاب هو تحدي اليوم والغد، على الأقل حتى إشعار آخر.
