الرئيسية | أقلام حرة | العرب ....و البداية من البداية !!

العرب ....و البداية من البداية !!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
العرب ....و البداية من البداية !!
 

*الصادق بنعلال - أخبارنا

هناك شبه إجماع من قبل الباحثين و المنشغلين بالتاريخ السياسي العربي ، أن العرب لم يشهدوا في تاريخهم القديم و "الجديد" نظاما سياسيا قائما على التعاقد و العدل و الحرية و المساواة..فمنذ معاوية بن أبي سفيان إلى "القائد" معمر القدافي ، لم نكن سوى أمام زمرة من المتسلطين و الحاكمين ب"أمرالله"يسومون شعوبهم سوء العذاب و يعيثون في الأرض فسادا. صحيح لقد أقام العرب بناء ثقافيا و حضاريا قل نظيره ، و كان عاملا من عوامل الإشعاع العلمي في الغرب منذ العصر الوسيط ، غير أن ذلك كان في الغالب الأعم تحت إشراف الحاكم المستبد غير العادل .أما في العصر "الحديث" (القرن التاسع عشر) فقد نهض العرب من سبات "انحطاطهم" بفضل الحملات العسكرية البونابارطية و أمثالها ، ليكتشفوا الهوة العميقة التي تفصل بين تقدم الغرب و تأخر المسلمين ؛ فانبرى رجال الفكر العربي آنذاك للبحث عن أسباب تراجع العرب الحضاري ، و الحلول الكفيلة بإعادة الحياة مجددا إلى الوجود العربي المهدد بالتلاشي و الذوبان . و خلص هذا البحث الشاق و المضني إلى أن العالم العربي يعيش أزمة هيكلية و شاملة ؛ تمس بالتحديد الاستبداد السياسي (عبد الرحمن الكواكبي) تخلف التعليم (محمد عبده) الفهم الساذج للدين (الأفغاني) استعباد المرأة (قاسم أمين) .. و لما دخل الاستعمار الأوروبي إلى البلدان العربية في مستهل القرن العشرين ؛ انتفضت الشعوب العربية ثائرة في وجه الاحتلال الأجنبي ، و استطاعت – رغم التضحيات الجسام و سقوط عدد مهول من الشهداء في ساحة الشرف – أن تخرج المحتل على أمل أن تبني حاضرا عربيا يكون بداية لانطلاقة نوعية نحو بعث متجدد ، بيد أن الرياح جرت بما لم تشته السفن .فعوض أن يتكفل رجال الثورة بإنجاز الاستحقاق المطلوب : وضع هياكل و تنظيمات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية عصرية ؛ تستلهم

المعطى الفكري لرواد "البعث و الإحياء" ، و أجرأته على أرض الواقع و مأسسة المجتمع العربي ، هرول الانتهازيون –كعادتهم – و عملوا على قرصنة نضالات الشعوب العربية و دمائها الزكية لخدمة أجندات مخالفة لتطلعات الأمة العربة نحو التقدم و الرقي وإقبار آمال و طموحات الشباب في العيش الكريم .

و جرت مياه متدفقة تحت جسر "الأمة العربية" لنجد أنفسنا في بحر لجي من الصراعات و النعرات ، و التعاطي السياسي البائد مع أصول و فصول الشأن السياسي . و أضحى الحكام العرب "أصحاب الجلالة و الفخامة و السمو" الفاقدون للشرعية القانونية (الديمقراطية) ينهجون نمط الحكم السياسي الفردي في أسوئ تجلياته و أحلك تمظهراته ؛ الاستحواذ المطلق و "الأبدي" على السلطة و قمع الحريات الفردية و الجماعية و التحكم في مقدرات الأمة و نهب المال العام .. و "تأجيل" النظر في الإصلاح و التنمية و الديمقراطية .. إلى أن "يتحقق حلم" تحرير فلسطين كل فلسطين ، و إنجاز "الوحدة العربية" وإقامة "الاشتراكية" إلى آخر لائحة الشعارات الديماغوجية ؛ التي طالما سمعناها من عظمة لسان حكامنا "الأشاوس" في لقاءات "القمة" العربية و غيرها من اللقاءات الرسمية و السرية "الهامة" .و الآن و في سياق التحولات الدولية الكبرى و الثورة المعلوماتية الرقمية الهائلة ، و في خضم انهيار العناوين الكبرى و سقوط أوراق التوت ؛ طفقت الأرض تشتعل من تحت أقدام طواغيت ظهروا في شكل كائنات ورقية بفضل ثورات الشباب العربي الذي حطم جدار الرعب إلى غير رجعة ، و خرج في مختلف ساحات التحرير العربية مطالبا بإسقاط الأنظمة و الفساد الذي ران على الإنسان العربي وحرمه من الإحساس بوجوده . ل"يكتشف" للمرة الألف أن الحاكم العربي دموي حتى النخاع ، وأنه مستعد تمام الاستعداد للتضحية بالبلد كله من أجل أن يخلد في السلطة و يورث مقاليد الحكم ل"فلذة الأكباد" بالحديد و النار و ما جاورهما .

و أخيرا و ليس آخرا أضحى الشباب العربي مدركا لحقيقة إنسانية خالدة : لا بداية إلا من البداية ؛ تغيير قواعد اللعبة و القطع النهائي مع المسلكيات السياسية المنحطة ، و العمل من أجل دمقرطة العالم العربي و وضع قطاره على سكة الحداثة و قيم العصر و المواطنة و التعددية ، و التداول السلمي على السلطة المستندة إلى إطار تنافس سياسي حضاري بعيدا عن البلطجة و استظهار القوة و الترهيب . لا مستقبل للأمة العربية إلا في ظل مناخ سياسي و حضاري جديد يتطلب بناؤه "كتلة تاريخية" مدركة لمتطلبات اللحظة الراهنة ، و لن تخرج تلك المتطلبات عن القوانين و الأعراف و المواثيق الدولية المتفق عليها كونيا .فهل سيستجيب زعماؤنا العرب ؛ الشيوخ و "الشباب" لمستلزمات القرن الواحد و العشرين ؟ و هل سيلتقطون صوت الشارع العربي ؛ الذي يصدح بالدعوة إلى الالتزام اللامشروط بالديمقراطية و التوزيع العادل للثروة و تفعيل قانون المراقبة و المحاسبة والفصل الفعلي بين السلط و التخلي التام عن الغطرسة و الاستكبار البغيضين ؟ أملنا أن ينحازوا إلى عين العقل و منطق العصر ، و إلا فإن الشعوب ستطاردهم بصدورهم العارية "زنكا زنكا" .

*أستاذ و باحث في قضايا الفكر و السياسة

مجموع المشاهدات: 930 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة