الرئيسية | دين ودنيا | "الصراط المستقيم"

"الصراط المستقيم"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"الصراط المستقيم"
 

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.. [آل عمران : 51].

إذن اجتمع الرسول والمرسل إليهم في أنهم جميعا مربوبون إلى إله واحد، هو الذي يتولَّى تربيتهم والتربية تقتضي إيجادا من عدم، وتقتضي إمدادا من عدم، وتقتضي رعاية قيومية، وعيسى ابن مريم يقر بعبوديته لله وكأنه يقول: وأنا لم أصنع ذلك لأكون سيدا عليكم، ولكن أنا وأنتم مشتركون في العبودية لله. {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم}.

ومعنى {هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} أي أنه صراط غير ملتويا لأن الطريق إذ إلتوى؛ انحرف عن الهدف، وحتى تعرف أن الكل يسير على طريق مستقيم واحد، فلتعلم أنك إذا نظرت على سبيل المثال إلى الدائرة، فستجد أن لها محيطا، ولها مركزا، ومركز الدائرة هو الذي نضع فيه (سن الفرجار) حتى نرسم الدائرة، وبعد ذلك تصل من المركز إلى المحيط بأنصاف أقطار، وكلما بعدنا عن المركز زاد الفرق، وكلما تقرب من المركز تتلاشى الفروق.

فإذا ما كان الخلق جميعا يلتقون عند المركز الواحد فهذا يعني الاتفاق، لكن الاختلاف يحدث بين البشر كلما بعدوا عن المركز ولذلك لا تجد للناس أهواء ولا نجد الناس شيعا إلا إذا ابتعدوا عن المركز الجامع لهم والمركز الجامع لهم هو العبودية للإله الواحد، وما دامت عبوديته لإله واحد ففي هذا جمع للناس بلا هوى أو تفرق.

إنه حتى في الأمر الحسي وهو الدائرة المرسومة، نجد أن الأقطار المأخوذة من المحيط وتمر بمركز الدائرة، سنجد أنه في مسافة ما قبل المركز تتداخل الأقطار إلى أن تصير عند نقطة المركز شيئا واحدا لا انفصال بينها أبدا. وهكذا الناس إذا التقوا جميعا عند مركز عبوديتهم للإله الواحد، فإذا ما اختلفوا، بعدوا عن العبودية للإله الواحد بمقدار ذلك الاختلاف.

ولذلك دعا المسيح عيسى ابن مريم الناس لعبادة الله {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} ذلك هو منطق عيسى. كان منطقه الأول حينما كان في المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً}.. [مريم: 30].

إن قضية عبوديته لله قد حُسمت من البداية، وهي قضية القمة، إنه عبد الله والقضية الثانية هي قضية الرسالة ونقل مراد الله وتكليفه إلى خلق الله حتى يبنوا حركة حياتهم على مقتضى ما أنزل الله عليهم، ومن الطبيعي أن أي رسول عندما يأتي بمنهج من عند الله، فالهدف أن يحمل الناس جميعا على سلوك هذا المنهج، ويحدد حركة حياتهم ب (افعل كذا) و(لا تفعل كذا) وعندما يسمع الواحد من الناس الأمر ب (افعل) فقد يجد في التكليف مشقة، لماذا؟ لأنها تلزمه بعمل قد يثقل عليه، و(لا تفعل كذا) فيها مشقة؛ لأنها تبعده عن عمل كان يحبه.

والمرء في الأحداث بين اثنين: عمل يشق عليه فيحب أن يجتنبه، وعمل يستهويه فيحب أن يقترب منه، والمنهج جاء من السماء ليقول للإنسان (افعل) ولا (تفعل) إذن فهناك مشقة في أن يحمل الإنسان نفسه على أن يقوم بعمل ما من أعمال التكليف، ومشقة أخرى في أن يبتعد عن عمل نهى عنه التكليف.

ومعظم الناس لا تلتفت إلى الغاية الأصيلة؛ ولا يفهمونها حق الفهم، فيأتي أنصار الشر؛ ولا يعجبهم حمل نفوسهم على مرادات خالقهم. إن أفكار الشر تلح على صاحبها فيتمرد على التكليف الإيماني، وأفكار الشر تحاول الاقتراب بصاحبها من فعل الأمور التي حرمها التكليف. ولذلك ينقسم الناس لأنهم لم يحددوا هدفهم في الوجود.

إن كل حركة في الوجود يمكننا أن نعرف أنها حركة إيمانية في صالح انسجام الإنسان مع الكون، أو هي حركة غير إيمانية تفسد انسجام الإنسان مع فطرته ومع الكون، فإذا كانت الحركة تصل بالإنسان إلى هدفه الإيماني. فستكون حركة طيبة وحسنة بالنسبة للمؤمن، وإذا كانت تبعده عن هدفه تكون حركة سيئة وباطلة، وهكذا نرى أن الهدف هو الذي يحدد الحركة.

إن التلميذ الذي يذهب إلى المدرسة له هدف بأن يتخرج في مهنة ما، وما دام ذلك هو هدفه فنحن نقيس حركة سلوكه، هل هي حركة تقربه إلى الهدف أن تبعد به عنه؟ فإن كان مجتهدا. فاجتهاده حركة تقرب له الهدف، وإن كان كسولا، خاملا فإنه يبتعد بنفسه عن الهدف. إذن يجب أن نحدد الهدف حتى نعرف هل يكون هذا العمل صالحا. أو غير صالح.

وآفة الناس أنهم عندما يحددون أهدافهم يقعون في اعتبار ما ليس بالهدف هدفا وغاية. وما دام هناك من يعتبر غير الهدف هدفا فلابد من حدوث اضطراب وضلال، فالذي يعتبر أن الحياة هي الهدف، فهو يريد أن يحقق لنفسه أكبر قدر من اللذة فيها. أما الذي يعرف أن الهدف ليس هو الحياة، إنما الحياة مرحلة، نسأله.. ما الهدف إذن، فيقول: إنه لقاء الله والآخرة.

هذا المؤمن سيكون عمله من أجل هذا الهدف. لكن الضال الذي يرى الدنيا وحدها هدفه ولا يؤمن بالجنة أو النار، هو غارق في ضلاله ويقبل على ما تشتهيه نفسه، ويبتعد عما يتعبه وإن كانت فيه سعادته.

ولكن المؤمن يعرف أن الهدف ليس هو الدنيا، وأن الهدف في مجال آخر، لذلك يسعى في تطبيق التكاليف الإيمانية ليصل إلى الهدف، وهو الجنة. إذن ما يفسد سلوك الناس هو جهلهم بالهدف، وحين يوجد الهدف، فالإنسان يحاول أن يعرف العمل الذي يقربه من الهدف فيفعله، فهذا هو الخير. أما الذي يبعده عن الهدف ويفعل عكس الموصل إليه فهذا هو الشر.

وإذا كان الأمر كذلك والمسألة هي في تحديد الهدف يجب أن تعلم أن الناس يستقبلون الكثير من الأحداث بما يناقض معرفة الهدف، وما دام الهدف هو أن تذهب إلى الآخرة لتلقى الله فلماذا يغرق في الحزن إنسان لأن له حبيبا قد انتقل إلى رحمة الله؟

هذا الإنسان يمكننا أن نسأله، لماذا تحزن وقد قصر الله عليه خطواته إلى الهدف؟ لابد أنك حزين على نفسك لأنك مستوحش له، ولأنك كنت تأنس به، أما حزنك من أجله هو، فلا حزن، لأنه اقترب من الهدف ووصل إليه.

وفي حياتنا اليومية عندما يكون هدف جماعة أن تصل إلى الإسكندرية من القاهرة، نجد إنسانا ما يذهب إلى الإسكندرية ما شيا، لأنه لا يجد نقودا أو وسيلة توصله، وتجد آخر يذهب إليها راكبا حمارا، وثالثا يذهب إليها راكبا حصانا، ورابعا يصل إليها راكبا (أتوبيسا)، وخامسا يصل إليها بركوب الطائرة، وسادسا يصل إليها بصاروخ، وكل ما حدث هو أن كل واحد في هذه الجماعة قد اقترب من الهدف بالوسيلة التي توافرت له، وهكذا نجد إنسانا يذهب إلى الله ماشيا في سبعين عاما، وآخر يستدعيه الله فورا، فلماذا تحزن عليه؟

إن لنا أن نحزن على الإنسان الذي لم يكن موفقا في خدمة الهدف، أما الموفق في خدمة الهدف فلنا أن نفرح له، ونقول: إن الله قد قصر عليه المسافة، وأغلبنا إن كان عنده ولد حبيب إلى قلبه وصغير ويفقده فهو يغرق في الحزن قائلا (إنه لم ير الدنيا) لهذا الإنسان نقول: يا رجلإن الله جعل ابنك يقفز الخطايا ويتجاوزها وأخذه إلى الغاية، فما الذي يحزنك؟ إن علينا أن نحسن استقبال ما يقضي به الله في خلقه، ونعرف أنه حكيم وأنه رحيم وأن كل شيء منه يجب ألا نفهمه خارجا عن الحكمة.

وبعد تلك الآيات الكريمة التي تحدث فيها الحق عن مريم وعيسى عليه السلام.. قال الحق سبحانه: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر قَالَ مَنْ أنصاري إِلَى الله...}.

 

 

 

 

مجموع المشاهدات: 3325 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | khalid
risala
رسالة مفتوحة إلى : السدة العالية بالله،مولانا أمير المؤمنين ،حامي حمى الوطن و الدين سليل الدوحة النبوية الشريفة ،ملك البلاد و العباد ،رائد الأمة المغربية و نهضتها ،جلالة الملك محمد السادس أيدكم الله و نصركم و سدد خطاكم ،و أدامكم رمزا و فخرا لهده البلاد الأمنة تحت ظلكم . سلام على المقام العالي بالله و بعد،إنه لمن دواعي إبتهاجي و أسباب مسرتي أن تتاح لي الفرصة للتحدث إلى مولاي أمير المؤمنين بعدما سدت في وجهي كل أبواب و قصدت بابكم الكريم الذي لا يرد خائبا من طرقه . مولاي الملك المبجل ،أنا المسمى :خالد الغويزي ر.ب.و16690. إنخرطت في صفوف القوات البحرية الملكية و قضيت فيها أزيد من 20 سنة مررت خلالها على كل الثكنات بدأ من الدار البيضاء ،أكادير ،الداخلة ،الحسيمة ،الرباط،العركوب بالأقاليم الصحراوية المغربية ،كما أخبر مولاي الملك أدام الله عزكم أني متزوج و أب لولد ،و عانيت كثيرا من جراء الإبتعاد عن أسرتي تنفيدا لتعليمات رؤسائي وذلك بنقلي كل مرة عبر التكنات المذكورة .و أخيرا وجدت نفسي في الشارع بعدما تم الإستغناء عني و عن خدماتي بدون معاش و لا تعويض عن سنوات الخدمة ،الشيء الذي جعلني أصاب باكتئاب ،و انعكست هذه الحالة على أسرتي خصوصا إبني الذي أصبح يعاني من الخصاص و الحرمان ،و إنحراف لسلوكه و أصبح يتذمر من كل شيء ،و أنا الٱن خائف عليه لربما يسلك طريقا معاديا و عدوانيا. مولاي أمير المؤمنين ،أعز الله أمركم ،توجهت إلى كل الجهات المسؤولة ،و وجهت بشراسة ،ولم يعرني أحد الإهتمام ، و أصابني اليأس من جراء الأزمة التي أعيش فيها ،و الله يعلم كيف أصبحت حالتي ،بعدما قضيت نصف عمري في خدمة وطني و ملكي و عرش البلاد بإخلاص و تفان . لهذه الأسباب إلتجأت إلى مولاي الملك ،و أنا على يقين أن مولاي لا يرضى على مثل هذه الأفعال المشينة التي تمس لسمعة دولة الحق و القانون التي أرسى دعائمها والدكم تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جنانه جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله تراه ،و تسعون جاهدين أعانكم الله لتثبيتها و تقويتها حتى تصبح بلادنا في مقدمة البلدان المتقدمة الراعية لحقوق الإنسان ،و إحترام مبادئ الديموقراطية و الحكامة الجيدة . أرجوكم يا مولاي و أتوسل إليكم بجاه محبتكم إلى الله ،و بجاه محبتكم لولي عهدكم الأمير المحبوب مولاي الحسن حفظه الله و رعاه و بجاه محبتكم للأميرة الصغيرة للا خديجة ،و الأمير الجليل مولاي رشيد ،و كل الأميرات و الأمراء بالأسرة الملكية ،أن تنصفوني و تمتعوني بما أستحقه من حقوقي حتى أتمكن من الإستمرار مع أسرتي و أحافظ على وحدتها و سلامتها ،و أتمكن من إنقاذ إبني الوحيد الذي أصبح على شفى هاوية الضياع و الإنحراف و الجنوح . حفظكم الله يا مولاي في ولي عهدكم صاحب السمو الملكي الأمير الشاب مولاي الحسن و في أهلكم و دويكم و أسرتكم الملكية جمعاء . و أدامكم يا مولاي ذخرا و ملاذا للبلاد و العباد ،و وفقكم الله في كل أعمالكم ،و حباكم لما فيه صلاحكم و صلاح رعاياكم الأوفياء المتشبتين بأهداب العرش العلوي المجيد . الله إبارك فعمر سيدي اللهم انصر ولي أمرنا الملك محمد السادس .اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب. اللهم ارزقه البطانة الصالحة و أبعد عنه شياطين الإنس و الجن .اللهم أقر عينه بولي عهده مولاي الحسن . اللهم عليك بأعدائه و أعداء المغرب ، وعليك بمن يتربصون به و بوحدتنا الترابية .اللهم يا رب العرش العظيم امدد الملك محمد السادس من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً , واعنه على قيادة بلادنا للخير والفلاح و العزة والنصر اللهم يا رب العرش العظيم امدد الملك محمد السادس من عندك بالصحة و العزم و القوة اللهم أعزه و انصره و أطل في عمره و ألبسه ثوب الصحة و العافية و اشدد عضده اللهم احفظه لنا اللهم امين يا رب
مقبول مرفوض
1
2015/10/13 - 08:21
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة