الرئيسية | أقلام حرة | الدخول البرلماني والأسئلة المعلقة.

الدخول البرلماني والأسئلة المعلقة.

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الدخول البرلماني والأسئلة المعلقة.
 

 

   كل ثاني جمعة من شهر اكتوبر من كل سنة، للمغاربة موعد مع الدخول البرلماني، وهي فرصة لقراءة التجربة البرلمانية التي عول عليها الكثير، لتكون لبنة صلبة لبناء الديموقراطية ، والخروج من مغرب تمركز السلطة في جهة واحدة الى مغرب المشاركة الشعبية من خلال ممثليه الفعليين. الكل كان يعتقد أن البرلمان باستطاعته أن يكون رافعة وسند قوي للديموقراطية ، غير أن الواقع كلن مخيبا للآمال التي علقها الشعب بمكوناته التقدمية والطلائعية عليه ، فكان برلمانا أجوف من فؤاد أم موسى.      .                    .                             إن التجربة البرلمانية المغربية عمرت اكثر من 50 سنة ،وفي مثل هذا العمر  من المفروض أن تكون قد راكمت عدة ممارسات وتقاليد برلمانية أي سلوكيات نابعة من صميم الفكر البرلماني في اقصى مراميه أي مراقبة الحكومة التي تنبثق من أغلبية برلمانية من خلال انتخابات مباشرة نزيهة وحرة دون تدخل أي جهة كانت لتحويل النتائج ورسم خريطة سياسية لا تعكس إرادة الناخبين. من المفروض أن يكون البرلمان المغربي وهو في هذا السن قد نضج وحان قطاف ثماره ، إلا انه يبدو مازال في المرحلة الطفولية من حيث الاعتماد على الحكومة ومؤسسة الملك في التشريع  ليتبع خطواتهما مما يحرم الشعب من تذوق حلاوة فصل السلط وتوازنها كما هو الشأن في كل الديموقراطيات .ولا نبالغ في المطالبة من برلمان يفتقد الى الكثير أن يصبح سلطة متكاملة الأوصاف ، لأن واقع البرلمان المغربي السياسي والإداري لا يمكنه أن يكون أكثر مما هو عليه ، برلمان لا يستطيع تتبع مشروع القانون المالي نظرا لفقدانه لتقنيات ذلك وعدم اعتماده على المختصين في المجال المالي لدرجة أنه يمكن أن يقدم قانونا ماليا بديلا للمشروع الحكومي . برلمان لا يصنع الحدث السياسي بل هو المادة الخام التي يوظفها السياسي ليصل لمبتغاه دون عناء لأن له مؤسسة كاملة تردد وتصفق لوجهة نظره وتصدقها مهما كانت مفصولة عن الواقع المغربي ومهما كانت ستشكل عبئا على كاهل الشعب ، فالبرلمان الذي صوت عليه الشعب عوض أن يكون بجانبه أصبح ضده من خلال الميزانيات التي يصادق عليها وهي تفتقر لرصد أموال كافية للصحة العمومية والعلاج ودعم البحث العلمي وتوفير فرص الشغل والتخفيف من عبئ الضرائب المباشرة على المواطنين ، برلمان كنا نعتقد أن يوما سينهض من سباته ويحتشم ولا يتعرى أمام الجميع وينطق بالسفاهة والكلام البذيء . 

 إلا إنه من المؤسف والمحبط في آن واحد القول  إن الواقع السياسي المغربي لم يكن في موعد مع الديموقراطية  رغم كل التجارب البرلمانية التي بدأت غداة الاستقلال (1963 )  ،وبالرغم من كل التعثرات التي كانت تارة تحت مبررات سياسية كانتفاضة الدار البيضاء لسنة 1965والدخول في حالة استثناء عمرت طويلا تخللتها انقلابين فاشلين 1971-1972 الى أن جاءت انتخابات برلمان 1977، حيث اكتسحه حزب المستقلين(حزب التجمع الوطني حاليا ) بزعامة أحمد عصمان صهر الملك الراحل ،بأغلبية ساحقة ،بالرغم من أنه حديث النشأة ،ولقد قدم له كل الدعم المادي والمعنوي ليكون حزبا إداريا بالدرجة الأولى ، إلا إنه لن يظل كذلك في قادم السنوات حيث جاء الحزب الدستوري ورئيسه المعطي بوعبيد ليحصل على أغلبية برلمانية مكنته من تشكيل الحكومة بالرغم من في ذلك الوقت مازال المغرب لم يطبق المنهجية الديموقراطية بشكل فعلي كما هو عليه الحال في دستور 2011. وكانت ظاهرة الأحزاب الإدارية بالمغرب تشكل عرقلة في التطور الطبيعي للساحة الحزبية مما شكل تشتتا واضحا بين الأحزاب، فاختلط الحابل بالنابل، ولم يعد المواطن يعرف خيوط اللعبة السياسية أين تبدأ وأين تنتهي؟ فالمعارضة التي كانت بالأمس أصبحت أغلبية والأغلبية أصبحت معارضة وبين الأغلبية والمعارض أصبحت هناك معارضة وطنية وأخرى؟؟ومما زاد الأمر تعقيدا في الساعة السياسية المغربية هو التضخم الحزبي حيث ولد" وافد جديد" تحت يافطة الأصالة والمعاصرة بزعامة صديق الملك الحالي ومستشاره عالي الهمة وبقدرة قادر هو ايضا حصل على الأغلبية في الانتخابات المحلية والجهوية التي جرت يوم 4 شتنبر 2015، كل ذلك ساهم بدون شك في بلورة برلمان تارة بغرف واحدة وتارة أخرى بغرفتين وبين الداعي الى الثنائية والأحادية تضيع التمثيلية الحقيقية للشعب بين مكونات حزبية همها المقاعد وكرسي الوزارة أكثر ما يهمها مصير شعب أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وتيارات إرهابية فتكت بكيانات دول، وكان الربيع العربي بما له وما عليه نقطة تحول في السياسة الإقليمية للمغرب ، حيث استطاع النظام السياسي  أن يخرج منه مستقرا وأكثر قوة لكن دون توظيف ذلك من قبل النخب  بوضع حلول سياسية يمكنها أن تخرجه من عنق الزجاجة ، إذا ما تلته ممارسات سياسية تنفذ وتطبق ما ورد في النص الدستوري من أفكار ومبادئ سامية تحفظ الحقوق وتحصنها وترفع من كرامة المواطنين وتفسح المجال أكثر لجميع أشكال الحريات والتعبير، ووضع حد لمشاهد تظاهر العاطلين أمام البرلمان ليس بالهراوة والقمع لكن بوضع استراتيجية تعليمية واقتصادية تستوعب هذه الطاقات الشابة لتعطي نفسا قويا للاقتصاد الوطني.                 .                                                                                                                                                                                                                      

إلا أنه رغم كل التطورات في العالم الديموقراطي مازال الإقلاع الديموقراطي ببلادنا بطيئا من جهة سكة البرلمان مما يعثر انطلاق القطار الديموقراطي . لذا اصبح البرلمان المغربي في ذهن المواطنين عبارة عن مرآة يكسوها الضباب لا نرى فيها ذواتنا وهويتنا واخلاقنا وأفكارنا ، يكاد يكون برلمان غريبا لولا ان ساكنيه ينطقون بلهجتنا ،  كما أنه برلمان لا ينبض وفق رغبات وطموحات الشعب في مختلف شرائحه الاجتماعية، بل "سركا" كما وصف في  احدى الخطب  الرسمية للمرحوم الحسن الثاني  .                                    .                                                 لذا وجب الإقرار بالفشل  في تأسيس نظام برلماني مغربي والذي  يمكن ربطه بالأساس الى الفشل السياسي الذي سببت فيه النخب السياسية من مكونات حزبية وهيئات نقابية وبالأساس الحكومات المتعاقبة وكل من ساهم في اتخاذ قرارات مصيرية تهم التعليم والثقافة والاقتصاد والشأن الاجتماعي سواء تعلق الأمر بالأسرة أو المرأة أو حقوق الطفل والأرملة وبصفة عامة كل ما يتعلق بالوضع الاجتماعي وعلاقته بالتشغيل والتعليم والصحة والقرارات في مجالات عدة ومختلفة.        .              .                                                                                                    إن الوضع السياسي المغربي مر بمراحل عدة لبلوغ خط الإقلاع الديموقراطي والاقتصادي والاجتماعي إلا أنه لم يكن في موعد مع التاريخ لينفصل عن ماض ثقيل زادته الممارسة السياسية الخارجة عن الهدف السامي ألا وهو الوصول بالبلاد الى مصاف الدول الديموقراطية، عبئا وتعقيدا في حل مشاكل الأمس واليوم والغد ، هذا التشابك صعب من الوضع وبات على كل مسؤول من واجبه فقط ، القيام بالتوازن وسط محيط متلاطم الأمواج وغير مستقر ، وبالتالي لا مجال له في التفكير في خلق وضعيات متقدمة من أجل جر الركب نحو الأمام وترقب غد أفضل ، وعليه فالسياسة عندنا أصبحت تنحصر في حلول ترقيعية وتحولت الى قرارات إدارية للتسيير فلا تقتحم الحلول الجذرية والقرارات التي تغير زاوية النظرة الى حل ما استعصى من المشاكل وحل القضايا الكبرى ، كمعضلة الفقر والجهل والعمل على توزيع الخيرات التي تتمركز في فئات ضيقة تزداد ضيقا مع مر الزمن وتخلق هوة اجتماعية واقتصادية صارخة تنبئ بالانفجار القريب ، لأن الكل أصبح في ضيق العيش فلا طبقات اجتماعية متوسطة  يمكن اعتبارها في منأى عن الحرمان وافتقادها لخدمات عامة كالتعليم الذي يئن من فرط التدخل لطمس معالمه أو على الأقل العمل على  الحفاظ على القليل من المكتسبات التي كانت في السبعينات كتعميم المنحة للطلبة والخدمة المدنية والخدمة العسكرية ووضع مناهج تعليمية تستجيب لحاجيات التنمية الوطنية والتشغيل  والاعتماد على الذات عوض الدخول في سياسات إملائية من المؤسسات المالية الدولية ونزع الهامش القليل من حرية القرار السياسي بالمرة ، كالخوصصة وتقليص دور القطاع العام ومنح رخص تسيير قطاعات استراتيجية كالماء والكهرباء والاتصالات ، علاوة على دعم اقتصاد الريع بتوسيع شبكة المستفيدين منه في مجال النقل والمقالع والصيد في أعالي البحار والتضخيم في الملكية الفلاحية جراء اتباع سياسة المغربة وبيع ضيعات" السوجيطا" و" الصوديا" وغيرها بأثمان زهيدة لذوي النفوذ ، هؤلاء  فقط فئة قليلة من الأثرياء وذوي النفوذ المالي والاجتماعي مازالوا يستحوذون على زبدة الإنتاج والثروة بطرق شتى باستثناء طريقة الكد والعمل وضخ الأموال ،فالأغنياء في بلادنا يستنزفون الاقتصاد الوطني عوض التخفيف عنه ، فهم الذين يتهربون من أداء الضرائب وأداء الأجور وتسوية وضعيات العمال المادية والمعنوية ، وفوق هذا وذاك يستفيدون بإعانة الدولة من خلال مسميات هي هبات لهم ، كتسهيل ظروف الاستثمار وتقديم الأرض لمعاملهم بأثمة زهيدة وبناء الطرق والمواصلات المختلفة وكل ما يحتاجون ومع ذلك لا شيء يصدر عنهم بالمقابل ، لأنهم تعودوا على الأخذ دوما فلا يمكن لهم أن يساهموا في تنمية البلاد إلا للربح والمزيد من الربح.        

                     .                                                                                                                                    هل البرلمان له منطق آخر غير منطق الشعب ؟ وإلا لماذا يسير في اتجاه تشديد ظروف العيش عليه من خلال المصادقة على قوانين تهدف بالأساس الى التخلي عن دور الدولة وإفراغها من كل الحمولة النبيلة التي جاء بها الفكر الدستوري ألا وهو أن هذه المؤسسة هي حامية من لا حماية له وانها المدافع عن كل من لا دفاع له سواء في الوطن أو خارجه ، كل عبئ يهون لآن الدولة دورها هو التخفيف من ثقل الأيام على المواطنين وليس زيادته؟ . هل البرلمان المغربي عرقلة سياسية عوض ان يكون هو المنفتح على كل العوامل التي تطعم الفكر والثقافة السياسية وصنع النخب ، أم أنه حلبة للصراع عن المصالح الذاتية وتحطيم لكل آمال الإصلاح والتغيير للعقليات وفتح المجال للنخب الجديدة المتشبعة بالروح الوطنية والمبادئ السامية والأخلاق الرفيعة التي تزخر بها بلادنا.                  .                                                                                                                                                                                                           هل سيكون الدخول البرلماني هذه المرة مخالفا عن سابقيه؟ من خلال الإتزان ونسيان الماضي البرلماني الذي نستحي ذكر زلاته؟ وندخل في حلة جديدة باحترام الرأي والإنصات والتحليل وانتقاء الكلمة الصادقة والتفكير في المصلحة العامة ووضعها فوق كل اعتبار دون خشية أحد ولا جهة معينة والخروج من بوابة البرلمان عند نهاية الولاية برأس مرفوع وشواهد في ذاكرة الشعب ، تلك الذاكرة التي لا تنسى أبدا ، والتاريخ بيننا أيها البرلمان .                      

مجموع المشاهدات: 1579 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة