الرئيسية | أقلام حرة | بين إخوان مصر و"إخوان بنكيران"، ذكاء المخزن المغربي وغباء عسكر مصر

بين إخوان مصر و"إخوان بنكيران"، ذكاء المخزن المغربي وغباء عسكر مصر

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين إخوان مصر و"إخوان بنكيران"، ذكاء المخزن المغربي وغباء عسكر مصر
 

 

 

يفتخر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بنجاح ما يسميها "التجربة الإسلامية بالمغرب"، مقارنة بزميلتها المصرية التي تعرضت للإجهاض على يد العسكر، ويرى أتباعه أن الحالة المغربية استثناء أينع، في نظرهم، نموذجا للنجاح يحتذى به ويقتدى، ويصلح أن يكون مرجعا للحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، فهل تكللت "التجربة الإسلامية المغربية" فعلا بالنجاح، وهل أفلح قادة الحزب في تنزيل مبادئ الإسلام السياسي، التي كانوا ينادون بها، على أرض الواقع، وهل توفقوا في تجنيب حزبهم التجربة المصرية، أم أن الفشل هو العنوان العريض المؤطر للنسختين على مستوى الغايات والمرامي، مع وجود فوارق لا تعدو أن تكون شكلية فقط؟

فيما يخص تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فقد تعرضت هذه التجربة للإجهاض وهي في بداية الطريق من خلال انقلاب دموي سالت فيه الدماء، وزجت على ضوئه القيادات في السجون والمعتقلات، وحظرت الأنشطة الإعلامية والثقافية والسياسية والاجتماعية لحزب الحرية والعدالة الذي لم يسلم هو نفسه من المنع، وهذه كانت بلا أدنى شك ضربات مؤلمة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أثرت على حاضرهم سلبا، لكنها ستؤتي نتائج إيجابية مستقبلا، لأن العنف المادي ضد الخصوم السياسيين يقوي أكثر مما يضعف، ويقرب أكثر مما يشتت، ويشجع على العمل السري وعلى الشحن والتعبئة ورص الصفوف، حتى إذا حانت الفرصة خرج الممنوعون إلى الواقع بقوة مخيفة ليقدموا أنفسهم كضحايا لنظام استبدادي طاغ، وهو ما نرى معالمه الآن بعد الإخفاقات الكبيرة للنظام العسكري المصري، وبعد الأزمات التي صارت تحاصره من كل الجوانب، خصوصا ونحن تراجع الكثير من الإعلاميين والمثقفين عن تأييده، وتعبيرهم عن ندمهم على تصفيقهم لانقلابه.

التصفية المادية لا تعني، إذن، الموت السياسي، بقدر ما هي عرقلة مؤقتة وتعطيل للمشروع لبعض الوقت، تلعب دور الأسمدة التي تخصب التربة السياسية للتنظيم المصفى، لتطلع نبته أكثر إيناعا وتجدرا ورسوخا في الأرض، لأن تاريخ الأمم والشعوب يخبرنا أن القمع والإقصاء والمنع يغذي الممنوعين ويقوي شوكتهم ويزيد في شعبيتهم، فكل ممنوع مرغوب، ولنا في التجربة الإخوانية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خير مثال، فالتعذيب والإعدام والمتابعات والسجون والمعتقلات كلها عوامل تظافرت لتنتج تنظيما قويا فاجأ العالم في ثورة 25يناير، ومن هنا يتجلى غباء عسكر مصر الذي كرر ذات التجربة، ولم يأخذ الدروس والعبر، وهذا ما سيجعل أسلوبه هذا يرتد عليه في الأمد القريب، حين يخرج علينا تنظيم أكثر قوة وتنظيما ليحدثنا عن مشاريعه الضخمة التي حيل بينه وبين تحقيقها، وعن الواقع الجميل الذي كانوا سيجعلون المصريين  يعيشون في أحضانه، وعن الجنة التي كانوا بصدد إعدادها للشعب المصري، قبل أن يخرجهم منها "شيطان العسكر"، ويجعلهم يوارون سوءاتهم الاقتصادية وعوزهم وفقرهم بخشاش الأرض، وحينئذ سيصدق الناس هذا الكلام، لا سيما وأنهم إزاء نظام متهور أذاقهم علقم فشله وبدت معالم انهياره تلوح في الأفق.

إذا كان فشل التجربة الإخوانية في مصر لحظيا، ومجرد كبوة سيقوم منها هذا المارد الإخواني أكثر عافية وأشد نشاطا في الأمدين المتوسط والبعيد، فالتجربة المغربية على النقيض من ذلك تماما، فحزب العدالة والتنمية يعرف الآن نجاحا شكليا يتجلى في تمكنه من قيادة الحكومة والوصول إلى رئاسة المجالس المحلية والإقليمية والجهوية، لكنه على مستوى المضمون، يبقى نجاحا تغشاه ظلمة الإخفاق الشديد من جميع الجوانب، خصوصا على مستوى العقيدة السياسية التي تركها على أعتاب حكومة دخلها عاريا من لباسه الإيديولوجي والفكري، يواري كلما انكشفت عورته، عراءه بخطاب هنا وإجراء ترقيعي هناك، بما حول رسله الذين بعثهم للحكومة إلى "إسلاميين بدون إسلام"، ينفذون ما كانوا ينتقدون الآخرين عليه، ويتخلون عما كانوا يلومون الآخرين على تركه، وهنا تبرز حنكة المخزن المغربي وذكاؤه الخارق، حيث توفق إلى حد كبير في الفصل بينهم وبين أفكارهم، كما لو تعلق الأمر بإعادة صياغة أو إنتاج يروم الصانع من خلالها التخلص من خصم مشاغب عن طريق استراتيجية التوريط  التي تجعل الجالس على المدرجات لاعبا رسميا يعمل بكل جهده وطاقته لتنفيذ خطة المدرب بصرامة تفقد اللاعب هامش التصرف، وهذا تخلص ذكي يقوم على تدجين المنتقد وإخراجه تدريجيا من دوائره الفكرية، وجعله شريكا ينفذ التعليمات بانضباط كبير، وهو أسلوب يمكن الفاعل من قتل مُدَجَّنِهِ وإفراغه من الداخل، وعزله عن قواعده الشعبية مصدر قوته الضاربة التي سترفع في هذه الحالة دعمها عنه، وسترى فيه "مرتدا"، نكص عن وعوده، وتخلى عن عقيدته السياسية التي بايعوه على تنزيلها، وبذلك، وبعد أن تٌشَاهَدَ جحافل المؤيدين تجمع حقائبها لتذهب بعيدا عنه وتتركه قائما لوحده، يسهل الإجهاز عليه ورميه إلى الهامش، بعد استنفاذه المطلوب منه، وأدائه ما نيط به، وفق إرادة تعتمد أسلوب التصفية السياسية الناعمة بعيدا عن الصخب والضوضاء والأضواء.

وحتى نخرج من دائرة الكلام المجرد، سوف نستعرض بعض أهم مبادئ الحزب التي كان يعتبرها أركانا يجب أن يقوم عليها مغرب العروبة والإسلام، ويحذر من مغبة التهاون في الحفاظ عليها أو الدعوة إليها، ويؤكد مناضلوه استعدادهم التام لافتدائها بالروح والدم باعتبارها عقيدتهم الراسخة التي لا يمكن لأي كان أن يحول بينهم وبينها، وهي المبادئ التي تفنن الحزب في جلد الحكومات السابقة جزاء تفريطها فيها وعدم إيلائها ما تستحق من عناية، دون أن يتمكن، بعد أن فتحت له الحكومة أبوابها من الإتيان بها وتنزيلها، والاكتفاء مقابل ذلك بما سار عليه السابقون.

1ـ قضية بيع وترويج الخمور في المغرب: ظل الحزب وهياكله الدعوية والسياسية والإعلامية والجمعوية ينادي بضرورة الوقف الفوري لصنع الخمور وترويجها بالمغرب، وينتقد الحكومات المتعاقبة على عجزها عن تحقيق هذا المطلب وتماديها في "محاربة الله ورسوله بتخمير عقول المغاربة، فقد جاء في افتتاحية عدد خاص من جريدة التجديد، لسان الحركة الدعوية لحزب العدالة والتنمية(يناير 2002)، بعنوان "الخمر أم الخبائث" ما يلي: "المغرب دولة إسلامية لكن الحكومات المتعاقبة ما فتئت تصدر القوانين التي تعلن الحرب على الله وعلى شريعته وتشجع المواطن على عبادة آلهة أخرى مثل بخوس "إله الخمر" كما تقول أساطير اليونان تحت ضغط اللوبيات المستفيدة من تجارة الخمور، على حساب دين الأمة وتماسك المجتمع المغربي وصحته ودنياه وآخرته...وفي عهد حكومة التناوب التي ظهر عجزها واضحا على جميع الواجهات وقعت تنمية خمرية معتبرة فارتفعت مداخيل رسوم الخمر ب 26% والجعة 40%، وبما أن قيمة الرسوم لم تتغير، فإن ذلك يؤكد أن حكومة التناوب قد نجحت في مزيد من التخمير ومن تقريب الخمر إلى المواطنين"، وفي ذات العدد يقول السيد مصطفى الرميد بصفته رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية آنذاك: "نواجه دائما بأن المحلات التي يرخص لها إنما تبيع الخمر للأجانب فقط، وهذا ضحك على الذقون، لأن الجميع يعرف أن الدارالبيضاء مثلا فيها عشرات الحانات وعشرات المحلات التي تبيع الخمور فضلا عن أسواق "ماكرو" و "مرجان"، وحينما يقف المرء أمام واحد من هذه المحلات فسوف لن تصادف عينه أي أجنبي وإنما زبناؤها هم المغاربة المسلمون..الحكومة ناقشت معنا الموضوع في محطات متعددة، كانت دائما تأتي بما تعتبره منافع وإيجابيات ولا تطرح إطلاقا ما هو مؤكد من مضار ومخاطر تتسبب فيها الخمر، والتي لا يمكن أبدا لدولة إسلامية على رأسها أمير المؤمنين أن تقبل بوجودها وترويجها، وهي الآفة المحرمة بنص قطعي لا مراء فيه".

هذه الصلابة في الدعوة إلى محاربة الخمر، وهذا الوقوف الصلب في مواجهة الحكومات السابقة وجلدها على عجزها عن "محاربة أم الخبائث"، سيتحولان إلى "تطبيع" مع المنتوج وإطباق فم والصوم عن مثل تلك الخرجات، بل إطلاق عبارات التطمين لمن يهمهم الأمر "أن الحزب لم يأت إلى الحكومة لمحاربة الخمور"، كما قال أحد قياديي الحزب الذي اعترض برلمانيوه على مقترح تقدم به حزب معارض، أراد أن يذيق حزب المصباح من نفس كأس المرارة الذي كان يذيقه إياه، ويقضي بالرفع من الضريبة المفروضة على الخمور، وهي النقطة التي طالما ركب عليها الحزب أيام معارضته، وربط تقديمه لمقترحاتها برغبته في دفع الفئات الفقيرة إلى التخلي عن شرب الخمر تحت ضغط غلاء سعره.

2ـ محاربة التطبيع مع العدو الصهيوني: ظل حزب العدالة والتنمية يؤكد على ضرورة وقف كل القنوات التطبيعية مع العدو الصهيوني، ينظم وقفات، يقيم مهرجانات خطابية، يدير ندوات، يوزع منشورات، وتيمة هذه الأنشطة كانت محاربة التطبيع وانتقاد الاختراق الصهيوني الاقتصادي والسياسي للمغرب، وتحضرنا بهذا الصدد مقالات التجديد وقصفها المتكرر للحكومات السابقة على غيها وضلالها التطبيعيين، نورد على سبيل المثال لا الحصر جزءا من واحد منها: "المبادلات التجارية مع العدو الصهيوني في تصاعد مستمر، تجاوزت معه الواردات عتبة 20 مليون دولار في سنة 2008.. ما يجري يقتضي موقفا رسميا وشعبيا واضحا للقطع مع حالة الغموض والتراخي التي تستهدف تهيئة أجواء التطبيع مع الكيان الغاصب، والمطلوب اليوم أن تستعيد القضية موقعها كقضية ذات أولوية في برامج القوى السياسية والاجتماعية والثقافية والإسلامية" (جريدة التجديد 08 شتنبر 2009).

 رقم 20مليون هذا الذي تضجرت منه الجريدة واستنفرت مختلف القوى للالتفاف من أجل وضع حد له، وعاتبت الحكومة على تراخيها في وقفه، سيتمدد في عهد الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية عراب الاحتجاجات والوقفات ضد الصهاينة وضد التطبيع الاقتصادي والتجاري معهم، ونذكر بهذا الصدد بما نشرته جريدة القدس العربي بعددها ليوم 04غشت 2016 تحت عنوان "ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل"، والذي جاء من ضمن ما جاء فيه: "الإحصائيات والأرقام الرسمية الإسرائيلية تتحدث عن ارتفاع في حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل، ورصد المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء الحكومي نمواً مستمراً للمبادلات التجارية مع المغرب.. بلغت نسبة الواردات المغربية من إسرائيل، في الفترة الممتدة ما بين بداية سنة 2015 وأواخر شهر كانون الثاني/ يناير 2016 حوالى 28 مليون دولار"، وقد لاحظنا كيف غزت الثمور الإسرائيلية الأسواق المغربية في رمضان الأخير، وكيف اكتفى إعلام الحزب بدعوة المغاربة إلى مقاطعتها، دون أن يزيد على ذلك بانتقاد الحكومة على تراخيها وتساهلها وسماحها بدخول البضائع الإسرائيلية إلى المغرب.

وبالنسبة للتطبيع السياسي لاحظنا كيف أقام الحزب الدنيا ولم يقعدها سنة 2011، احتجاجا على استضافة معهد أماديوس بطنجة للصهيوني "عوفير برانشتاين"، وقيام أحد صقوره آنذاك، السيد مصطفى الرميد، صحبة محامين آخرين برفع دعوى قضائية ضد المعهد، طالبت بحله لإهانته مشاعر المغاربة، وكتبت جريدة التجديد التي كان يديرها وقتئذ وزير الاتصال الحالي مصطفى الخلفي، في عددها الصادر يوم 18 نونبر 2011مقالا حمل عنوانا تعجبيا "صهاينة في ضيافة أماديوس بطنجة!"، أظهرت من خلاله حصافتها ونباهتها بكشفها هوية برانشتاين الصهيونية: "كشفت الوثائق الرسمية للمشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى ميدايز 2011 (منتدى معهد أماديوس)، الذي افتتح يوم الأربعاء عن مشاركة شخصيات إسرائيلية غير رسمية، تقدم نفسها مناضلة من أجل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي مقدمة هؤلاء المشاركين OFER BRONSTEIN..باعتباره رئيس المنتدى الدولي للسلام، ويتم تقديمه في عدد من المحافل، بصفة مساعد سابق للصهيوني إسحاق رابين رئيس الكيان الصهيوني سابقا".

لكن، وبعد شهور قليلة سيحل هذا "الرابنشتاين" ضيفا فوق العادة على المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية في شهر عسله الحكومي، وسيحظى بعناق أمينه العام بنكيران، وبحفاوة منقطعة النظير من لدن مسؤولي الحزب باعتباره يهوديا فرنسيا وداعية سلام ومناصرا للقضية الفلسطينية، وحينما ثارت ثائرة وسائل الإعلام ضد الحزب على هذا الاختراق الصهيوني الكبير لمؤتمره، لم يجنح مناضلوه إلى لغة الصمت، أو الاعتراف بالأمر الواقع، بل فضلوا الهروب إلى الإمام، وأصروا على إلباس ضيفهم لباس التقوى، وخلع صفة الصهيونية عنه بكل السبل، متهمين المنتقدين بالتحامل عليهم وبتزييف الحقائق بفرض صفة الصهيونية على ضيفهم الكريم، كما هو حال السيد محمد يتيم الذي قال لموقع هسبريس حينها بأن عوفير برانشتاين دعي من طرف أعضاء الحزب بفرنسا باعتباره رئيس "منتدى السلام" وأحد مناصري القضية الفلسطينية، وليس صهيونيا، قبل أن يضيف بأسلوب المنهزم الذي يصر على تبني قرار لا مفر منه: "من المستحيل والمستبعد أن يقوم حزبنا باستضافة صهيوني، لأننا ضد التطبيع، ومواقفنا واضحة في هذه القضية..هناك محاولات مغرضة من بعض المنابر الإعلامية التي روجت لهذه المغالطة وركزت عليها".

ومن المفارقات المضحكة بهذا الصدد أن دفاع معهد أمانديس رد الصاع بالصاع وطالب، ردا على دعوى الرميد ورفاقه، المطالبة بحل المعهد بجريرة التطبيع، بحل حزب العدالة والتنمية لاستقباله بدوره ذات "الصهيوني" ووقوعه في محظور التطبيع.

3ـ حزب العدالة والتنمية والدعوة إلى إنشاء "الأبناك الإسلامية" : ظل الحزب ينادي بضرورة إنشاء أبناك إسلامية تلبية لمطالب المواطنين الذين يرفضون المعاملات الربوية، يقول الداودي بهذا الصدد: " لقد تأخر المغرب كثيرا في هذا المجال..الأمر يتعلق بحقوق فئة من المواطنين لها الحق في التعامل بالنظام الاقتصادي الإسلامي في التمويل" (هسبريس 06يناير 2011)، وهذه النقطة من ضمن النقط الأساسية التي ظل الحزب يمني بها المغاربة ويعدهم بجعلها على رأس أولوياته إذا وصل إلى الحكومة، وها قد أوشك الحزب على مغادرة الحكومة تاركا قوانين تنظيمية ظلت حبرا على ورق، ويصل الأمر منتهى العبثية حين نجد رئيس الحكومة بنكيران يتساءل شأنه شأن باقي المواطنين عن سبب التأخر في إخراج الأبناك التشاركية إلى حيز الوجود: "قال رئيس الحكومة إنه لا يعرف لحد الآن أسباب التأخر في الترخيص للأبناك التشاركية، وأضاف بنكيران جوابا على سؤال لإحدى مناضلات حزبه مساء أمس السبت في الملتقى الوطني للمنظمة المغربية للرائدات بسلا، حول التأخر في إخراج البنوك التشاركية للوجود: "حتا أنا كنتساءل علاش ما جاتش، حنا كنطالبوا باش تجي، وكاين اللي مباغيش هاد البنوك التشاركية تكون نهائيا، لكن حنا تنجتهدوا باش تخرج لحيز الوجود" (نقلا عن موقع اليوم24)، وكما لو كان في المعارضة اكتفى الحزب بالتساؤل عن سبب التأخير، دون أن يتجاوز ذلك لاتخاذ القرار، كما فعل فريقه البرلماني الذي طرح سؤالا شفويا عبر من خلاله "عن خشيته من أن تمتد فترة الانتظار أو أن تخرج هذه الأبناك بطريقة غير سليمة" (الجلسة الأسبوعية بمجلس للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، الثلاثاء 28يونيو 2016).

ونتساءل هنا ما فائدة وجود حزب على رأس الحكومة دون أن يكون بإمكانه اتخاذ القرار، واكتفائه بلعب دور المعارضة وطرح الأسئلة، بما يجسد شلله السياسي الذي يجعله مقعدا لا يستطيع حراكا إلا إذا تلقى توجيها إلى هذه النقطة أو تلك، حينها يقوم بالواجب على أحسن ما يرام كموظف ملتزم ومنضبط.

4ـ حزب العدالة والتنمية والمهرجانات الموسيقية: تصدى حزب العدالة والتنمية أيام المعارضة للسياسة الحكومية المبنية على إقامة مهرجانات تذهب أموال المغاربة هباء، وركز الحزب كثيرا على انتقاد مهرجان موازين، وأصدر بيانات وبلاغات شديدة اللهجة ضد منظميه، ونشير هنا إلى صيحة السيدة بسيمة الحقاوي داخل البرلمان، التي قالت بأن مهرجان موازين ينظم في تحد سافر للدعوات المطالبة بإلغائه أو على الأقل تأجيله، وبأننا نحتاج للملايير التي صرفت فيه من أجل الشباب العاطل أو سد أفواه جائعة أو إرساء لوجستيك من أجل الديمقراطية، منتقدة بشدة صرف مليار سنتيم لصالح  "راقصة ساقطة"، وهو الموقف الذي ستكفر به السيدة الحقاوي بعدما صارت وزيرة، مصرحة بأن موازين لا يتعارض مع الذوق العام ومع الأخلاق، ليسير على منوالها  رئيس الفريق البرلماني للحزب، السيد عبد الله بوانو، حيث قال في برنامج تلفزيوني على القناة الأولى سنة 2013 بأن المهرجان له جمهوره وأن المغاربة لهم أذواقهم الفنية المختلفة، ويكفي فقط احترام الخصوصية المغربية، مضيفا بأن الحزب "ليس ضد أو مع موازين" و "لا يمكننا أن نكون ضد حرية الإبداع والفن".

5ـ حزب العدالة والتنمية والتنصيص على وجوب قيام حكومة تمارس صلاحياتها: سحل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران وزراء الحكومة السابقة، ووصفهم، حين كان في المعارضة، بالضعفاء الذين لا يملكون قرارهم، وأكد على حاجة المغرب لحكومة قوية ولوزراء قادرين على تحمل المسؤولية وعلى الوقوف بصلابة وعناد في وجه كل من يريد توجيههم، وحينما اعتلى الرجل عرش الحكومة دغدغ مشاعر المغاربة بقدرته على أن يكون رئيس الحكومة فعلا، واعدا إياهم بوضع المفاتيح والانصراف إلى حال سبيله إذا ما اعترضوا طريقه، لكن وبعد طول خضوع وسكوت مريب عن وضع المعلقة الذي استمرأه ومكث فيه سنوات حتى أوشكت ولايته على الانتهاء، أطل علينا في خريف حكومته ليقول لنا بأنه كان "عريس الغفلة"، وبأن حزبه لا يحكم، بل فقط يرأس أمينه العام الحكومة، فقد خاطب شبيبة حزبه ببوزنيقة يوم 25 يونيو 2016 قائلا: "ياكما تيقتو مقولة الحزب الحاكم، حنا ما حزب حاكم ما والو، نحن حزب يرأس أمينه العام الحكومة، والله يخرج العاقبة بخير"، كما استفاض الرجل في الحديث عن دولة القرارات والتعيينات التي تتخذ قراراتها بعيدا عن المؤسسات بما فيها مؤسسة الحكومة، وهو ما اعتبره المواطنون اعترافا بالهزيمة في الوقت بدل الضائع، ، ونعيا للتجربة ولما آل إليه الحزب من تحنيط ومن موت سياسي على مستوى عقيدته السياسية التي خلعوها عنه خلعا.

6ـ تعريب التعليم: لم يتوقف حزب العدالة والتنمية عن الدعوة إلى تعريب التعليم ووقف تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، وانتقد الحكومات السابقة على انتهاجها لسياسة فرانكفونية في ميدان التعليم، لكن المفاجأة الكبرى أن رياح الفرنسة هبت على التعليم من نافذة الحكومة التي يقودها ورغما عنه، حتى إن وزير التربية الوطنية تصرف في هذا الموضوع دون أن يعود، أو حتى أن يخبر رئيس الحكومة، وهذه مفارقة أخرى تنضاف لمفارقات الحزب الذي لم يتوفق في أن يبقى وفيا لأفكاره وأطروحاته، وهو يتهيأ الآن للخروج من الحكومة بغير الصفة التي دخل بها.

في مقابل هذه المبادئ التي تركها الحزب خلفه، مسح إخوان بنكيران ملفات أخرى سبق أن عرضت على طاولة الحكومات السابقة، ولسبب من الأسباب رفضت، أو تم إرجاء البث فيها، من قبيل الاقتطاع من أجور المضربين، والرفع من سن التقاعد، وفتح المجال للمؤسسات العمومية  لإبرام عقود عمل بالتعاقد، وقانون حصانة الجيش، وهذه القرارات وغيرها يفتخر أمين العام للحزب بحمل لوائها انطلاقا مما يسميه الجرأة والشجاعة وغلق الباب أمام سياسة المجاملات والترضيات، مع العلم أن الحزب كان من أشرس المعارضين لها أيام معارضته، حيث كان يهدد بقلب الطاولة على الجميع إن سولت لهم أنفسهم اقتراف سن قانون من هذه القوانين، ليجد الحزب وهو يعانق الحكومة حسابات البيدر غير حسابات حقله، ولينخرط في بناء وتنفيذ ما عارضه ووقف في وجهه انطلاقا من ضمانات قد تكون قدمت إليه، وقد يكون استشفها بأنه باق في الحكومة لأمد طويل، لا سيما وأن الطريق مهدت والضوء الأخضر أعطي له من خلال الدفع بصعود قيادات حزبية  ضعيفة للأحزاب المعارضة، وهذا واضح من خرجات بنكيران الذي كان يبشر عناصر شبيبة حزبه بأنهم هم من سيقودون الحكومات القادمة، أي أن الرجل وصحبه ألغوا من أذهانهم فرضية الرجوع للمعارضة، وحدثوا أنفسهم بالجلوس الطويل على الكراسي الحكومية الوثيرة الأثيرة، لكن تطورات الأحداث الأخيرة التي أعطت إشارات قوية بأن الحزب لم يعد مرغوبا فيه، جعلت قيادييه في حيص بيص، فبصيص قيادة حكومة أخرى، ولا أقول حكومات أخرى، ضاق شعاعه كثيرا، والعودة إلى المعارضة فاجعة كبرى تعني وقوع الحزب في التناقض، لأنه سيحتج حينئذ على قرارات هو من سنها وباركها، هذه الثنائية تذكرنا بقول أبي حيان التوحيدي: "أما حالي فسيئة كيفما قلبتها، لأن الدنيا لم تواتني لأكون من الخائضين فيها، والآخرة لم تغلب علي فأكون من العاملين لها"، كذلك فالحزب يرى أن الاستمرار في قيادة الحكومة بعيد المنال في ظل الضربات التي يتلقاها في كل حين، وبالتالي لن تواتيه ليكون من الخائضين فيها، والمعارضة قطع طريق العودة إليها ولم يترك مجالا للمصالحة معها مرة أخرى ليكون من العاملين بها..إن وضعا كهذا يذكرنا بقصة ذلك الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، لكنه لم يتوفق، وحينما أراد أن يعود إلى طبيعته الأولى تفاجأ بأنه نسي مشيته.

مجموع المشاهدات: 1329 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة