المصلحة الوطنية ... بأي معنى ! ؟
ما من شك في أن الهدف الأسمى للفاعلين السياسيين في بلد ينزع نحو الإقلاع التنموي الشامل ، هو السعي إلى البلورة الفعلية لانتظارات المواطنين و تطلعاتهم نحو مستلزمات العيش الكريم ، و طبيعي أن هكذا غاية بالغة القيمة تستدعي حزمة من الآليات و القرارات المحورية ، أبرزها الدفاع المستميت عن مصالحه العليا و ثوابته المقدسة ، من قبيل الوحدة الترابية و الأمن و الاستقرار و الاختيار الديمقراطي و صدقية المؤسسات السيادية . و من تحصيل الحاصل القول إن المملكة المغربية تندرج في إطار الدول التواقة إلى اللحاق بركب الأقطار الدولية الصاعدة ، و ما العودة المجددة للمنتظم الإفريقي إلا تجسيد لهذا المبتغى الهام . بيد أن الحالة السياسية غير المرضية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربعة أشهر تسيء بشكل عميق إلى صورة المغرب ، و ترمي بمشروعه الديمقراطي و الحداثي نحو دائرة سوء الفهم الكبير داخليا و دوليا ! فمنذ أن عين العاهل المغربي محمد السادس عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الاستحقاقات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016 , و الرجل يواجه ألوانا من المتاعب و ضروبا من الاشتراطات التعجيزية ، على " أمل " أن يفشل في مهمته .. و الغريب في هذا السياق أن الهيئات السياسية الوطنية التي حصلت على نصيب متواضع جدا من المقاعد البرلمانية ، هي التي تصر على وضع العصي في العجلة ، و تدفع نحو اختلاق الانحسار الحكومي ، كل ذلك تحت يافطة الدفاع عن المصلحة العليا للوطن !
***
قد نتفهم قليلا شكوى رئيس الحكومة المنتهية ولايتها ، و تبرمه من تلكؤ بعض " الزعماء " الحزبين ، و عجزهم عن اتخاذ قرارات مستقلة و ذات سيادة ، و تهديده بالانسحاب أو التخلي عن مهمة تشكيل الحكومة ، التي طال أمدها دون أي مبرر وطني ، خدمة للمصلحة الوطنية القصوى ، لكن كيف نستسيغ " رغبة " حزب إداري لا يحظى بسند شعبي و قوة انتخابية مطلوبة ، في المشاركة في الحكومة " المقبلة " و معه أحزاب ورقية أخرى هزيلة إلى أبعد مدى ! كيف نقنع المواطن المغربي هنا و الآن بأن إدراج التشكيلات الحزبية " الشعبية " و " الدستورية " في الحكومة التي تأتي و لا تأتي ، إنما هو خدمة لمصالح الوطن المفترى عليها ؟ و أين يمكن وضع التصريح الغريب لزعيم حزب الاتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر : " إذا اقتضت مصلحة الوطن أن نكون في المعارضة لخمس سنوات أخرى فسنكون " ! ؟
***
لقد كان من المفروض على حزب المهدي بنبركة و عبد الرحيم بوعبيد بالخصوص ، أن ينأى بنفسه عن هذا الوضع السياسي الدراماتيكي ، و ينظر بهدوء إلى وجهه في مرآة " القوات الشعبية " ، و يتأمل العدد الهزيل للمقاعد البرلمانية التي حصل عليها ، و تراجعه المخيف أمام الكتلة المغربية الناخبة و يتخذ القرار المفصلي الذي انتظرناه بحق ، و هو الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي حاسم ، يكون مناسبة للحوار السياسي الفعال و النقد الذاتي البناء ، لوضع اليد على مكامن الخلل و أوجه القصور لهذا الحزب ، الذي ساهم بفعالية في بناء المغرب الحديث بفضل مناضليه الصادقين ، و تقديم الاستقالة الجماعية للمكتب السياسي ، و الانسحاب النهائي للكاتب الأول للاتحاد ، و منح الفرصة لظهور جيل جديد من الشباب المغربي ، الحامل لمبادئ و أفكار و اقتراحات اشتراكية راجحة ، فمازال المغرب في حاجة ماسة إلى طروحات اشتراكية ، مؤمنة بالدفاع غير المشروط عن المصالح العليا للوطن المتمثلة في القيم الكونية الرفيعة ، من قبيل العدالة الاجتماعية و المساواة و الحرية و الكرامة الإنسانية ، لا الاستجداء المخجل لمناصب حكومية غير مستحقة !!
عدد التعليقات (0 تعليق)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟