الرئيسية | أقلام حرة | حديث عابر مع صديقي الفوسفاطي

حديث عابر مع صديقي الفوسفاطي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حديث عابر مع صديقي الفوسفاطي
 

 

بينما كنت أرشف قهوتي المسائية بأحد النوادي الفوسفاطية، سمعت تحية تكاد تقترب مني، اكتشفت بعدها أن صاحبها شاب وسيم استأذنني في مناقشة موضوع لم يفصح عنه. قال وهو يهمّ بالجلوس إنه يقرأ لي خواطر وتدوينات باهتمام  كبير إلى درجة أنه يعرف ترقيمها وعناوينها. لا أنكر أنه أثارني اهتمام الشاب الذي سأعرف لاحقا أنه فوسفاطي، بل أعترف أنني شعرت باعتزاز وافتخار كوننا نحن الفوسفاطيون لازلنا نصل الحروف من أولها إلى آخرها كما نصل الليل بالنهار في عملنا الكادح...

ابتسمت في وجه صديقي الفوسفاطي، قبل أن يبادرني بنصيحة بأن أكف عن ذكر  النقابات والنقابيين وأن أحاول أن أعرض للقارئ مزاياهم ومحاسنهم، لأننا بدونهم ستنهشنا الأنياب، على حد تعبير صديقي الذي استشهد لتعزيز كلامه بموقف شجاع لأحد ممثلي العمال، حين وقف أمام مسؤوله المباشر الذي رفض التأشير على يومين كعطلة للتعويض وانتزعها منه نزعا، بل كان في غاية الكرم حينما حولها من تعويض إلى عطلة مرضية دون  أعراض مرض..

طأطأت رأسي لهنيهة من الزمن، وصديقي ينتظر مني التفاعل مع نصيحته القاتلة. تراكضت الكلمات نحو شفتي ثم توقفت عاجزة عن الخروج، فأقفلت عليها ممعنا في الإقفال، واعدا إياها بأني سأجعلها كتابة، وسأجعل صديقي يقرؤها بتدقيق سردي يليق بالمقام الذي كنت  أتمنى ألا أجد نفسي فيه. 

لا أنكر أن النقابات هن بمثابة أنبوب أوكسجين نتنفس به، كما أنها همّ لا بد منه، لذا فالأكسجين حين ينحبس صبيبه في الخياشيم الضيقة يحدث ألما رهيبا قد يتحول مع مرور الوقت إلى سرطان قاتل، بل أكثر من ذلك، يظل ينخر الخلايا كما  ينخر الدود الخشب، خاصة الخلايا  البصرية التي تتأثر بشكل مطرد إلى أن تصبح قرنية العين غير قادرة على التمييز بين اللون الأصفر واللون البرتقالي وبين اللون البنفسجي واللون الوردي.

لهذا السبب، وبالتحديد لا أرى من المنطق أن أصف الأبيض بالسواد ولا الأسود بالبياض، كما أعتقد جازما أنه ليس من حق الألوان أن تختلط لتموه على أبصار الناس.

ألواننا أصبحت باهتة حين لم نقل للمخطئ  قد أخطأت وللمحسن قد أحسنت، وغرتنا الاستقطابات الزائفة والأصوات الخادعة، حتى أضحى سيد القوم ذليلا في قومه، لأنه اختار السراب.

مجموع المشاهدات: 1232 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة