الرئيسية | أقلام حرة | مطهرات بشرية

مطهرات بشرية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مطهرات بشرية
 

 

إنه من المخزي أن نعيش بالقرن الحادي والعشرين ولا زال مرفق النظافة عندنا في مأزق سخيف.. ولا زال المواطن يربط نظافة الشارع بزيارة ملكية وانتشار النخل والورد بعيد العرش والمناسبات الوطنية.. كما أنه من الصعب بل من العبث أن ننتظر شوارعا وإدارات وأسواقا نظيفة من أرواح مشبعة بالتوجهات الفيودالية والفهم المُحوّر للدين والنيات المخللة بسوء الظن.. ففي الوقت الذي فاجأنا العلم بثورة الهندسة الوراثية حتى صار لدينا بكتيريا وغداء وحتى أنسولين مُحسّن جينيا، لا نزال نعيش بين أناس لا الدين ولا التربية ولا العقل حسّنهم أخلاقيا! ثم كيف يمكن أن نثق بوطن لازال بعض أعضاء حكومته يظنون الساحة السياسية زريبة فسيحة، وكيف نطمع في نظافة الشارع وبيننا من يهتم بنظافة بيته ويظن الشارع قمامة كبيرة؟ وكيف ستنتظر من شعب لازلت تحصل مُكرها على نصيبك اليومي من "خناه" أن تصير شوارعه نظيفة ولا يزال عالقا بفمه بقايا الكلمات البذيئة؟ صحيح قد تبدو كلماتي متشائمة.. لكنني أحيانا أجدني أبتسم لروح الفرنسيّ " جون كوكتو" الوريث الشرعي لكروموسوم آل" كافكا " حين قال:" تشاؤمي نابع من تفاؤلي،لأني أريد أن تكون الأمور أفضل مما هي عليه." فحين أعود لحال شوارعنا أقتنع أننا لا نحتاج صفقات جيدة مع شركات نظافة أجنبية بقدر ما نحتاج إفرازات بشرية نظيفة ووعيا خارجا عن المفهوم الأكاديمي للوعي كما جاء في رائعة "أنطونيو داماسيو" .. و الانتقال من الانبهار النظري إلى الدروس التطبيقية التي تلقنها لنا الدول التي تحترم نفسها وإلا سنكون مجبرين على خذلان المغضوب عليه "داروين" وتبني نظرية التقهقر على عقولنا المصابة أساساتها بالكواشيركول! فعوض الالتفات للقضايا العظام لتحسين تكاثرنا المريب نجد المئات لا يهتمّون لوجودهم ويقض مضجعهم وجود الآخرين، و يقدّسون الرموز و ينسون أنها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. وإني في كل مرة أتذكّر إحدى الندوات التي جمعت بين مدرّس أديان ومستشرق إيطالي كاد فيها الاثنان يفقدان صوابهما والأوّل يحاول أن يقنع الثاني أنّ جملة " النظافة من الإيمان " حديث عن سيّد الخلق، والثاني يؤكّد له أنها حكمة للقس البروتستانتي "جون ويزل "، أجد ذاكرتي تستثيرني لتذكر قصة كان قد أوردها العراقي "علي الوردي" في كتابه " مهزلة العقل البشري" لما كان برفقته أحد الأمريكيّين و حضر نزاعا كبيرا بين بعض المسلمين حول عليّ وعمر.. حتى ظن الأمريكيّ أنهما يتنافسان على الرّئاسة، ولما علم أنهما ماتا بالحجاز قبل قرون وأن نقاش أولئك يومها كان عن أيّهما أحقّ بالخلافة، ضحك حتى كاد أن يستلقي على قفاه.. و في الختم..، إن اهتمامانا بسطح الأمور وزهدنا في عمقها هو ما يجعل أقوى مطهرات العالم غير قادرة على إبادة الشوائب فينا، لأننا بحاجة لمطهّر بكتيريا فكرية وشركات النظافة عندنا لا تؤمنها..لأنّ الفرد من يبحث عن موادها الأوّلية وهو من يطوّرها!

مجموع المشاهدات: 1114 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة