الرئيسية | مستجدات التعليم | تزامنا مع امتحانات الباكلوريا...كيف تحول الغش من "منكر" إلى حق من حقوق التلميذ ؟

تزامنا مع امتحانات الباكلوريا...كيف تحول الغش من "منكر" إلى حق من حقوق التلميذ ؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تزامنا مع امتحانات الباكلوريا...كيف تحول الغش من "منكر" إلى حق من حقوق التلميذ ؟
 

بقلم : د.جواد مبروكي

كل عام يعود موضوع الغش للنقاش ويملأ صفحات الصحف بالتنديدات والتهديدات والتحذيرات والاعتقالات. وأرى تقنيات الغش تتطور باستمرار وتتكيف مع رادع الأمن بدون نتيجة مشرفة مثل ما يحدث مع بيع المخدرات والدعارة والرشوة. وللإشارة لا يوجد الغش إلا في امتحانات البكالوريا فقط بل يوجد في الامتحانات الجامعية وفي كل المبارات.

عندما أرى كل الطاقات المستعملة لصد الغش في البكالوريا، والتي تبدو غير مجدية بالنسبة لي، أحاول أن أفهم ما هي قناعات التلميذ التي تتركه يغش في الامتحانات؟

أنا مقتنع بأن التلميذ لا يدرك فعليا أن الغش جريمة أو على الأقل بأنه فعل سيء، بل يراه حق من حقوقه كمواطن! وتكمن المشكلة في في كيفية تشكيل مفهوم الغش في دماغه. وطالما يُعتبر الغش حقًا من حقوقه، فسوف لا تستطيع أي وسيلة أمنية أو قضائية على تحقيق تراجعه وتوقفه عن الغش بصفة عامة في كل مجالات حياته.

بالنسبة لتحليلي وتجربتي المهنية، تكمن المعركة ضد هذه الظاهرة في الوقاية منها أثناء تربية الطفل والسعي إلى الترسيخ في ذهنه لمفهوم "الوعي الجماعي" والذي هو غائب تمامًا عند المغربي.

لماذا إذن هذا الغش وكيف أصبح ممارسة مدنية مقبولة في الوسط الاجتماعي؟

1- استنساخ نموذج الوالدين

يفتح الطفل عينيه على آباء يغشون مع بعضهم البعض وحتى معه، ويرى كذلك الكذب شائع في الأسرة، والمثال الحي هو الكذب بين الوالدين والأعمام والعمات والجيران والإخوان....

وفي حالات عديدة يتعرض الطفل للتوبيخ لأنه قال الحقيقة لعمته أو عمه مثلا، وهذه دعوة إلى الكذب الاجتماعي وبالتالي للغش لأن الكذب هو غش في العلاقات العائلية والمهنية والاجتماعية.

2- استنساخ النموذج الاجتماعي

يتعلم الطفل بسرعة كيف يقوم الأب بارتشاء الموظف لقضاء غرضه على سبيل المثال. كما إنه يسمع من البالغين حكايات كثيرة على الفساد في جميع المستويات المجتمعية. وهكذا يعتاد الطفل على أن الغش مقبول اجتماعيًا وممارسة طبيعية في واقعنا رغم أنه يسمع هؤلاء  الكبار يرددون "من غشنا فليس منا" بدون تطبيق.

3- الغش في حركة السير بالطرقات

يراقب الطفل أثناء قيادة والده أو سائق النقل المدرسي أو سائق سيارة الأجرة أو حافلة الأتوبيس كيف يغيب عندهم الاحترام في السياقة وكيف ويحاول الجميع خداع السائقين الآخرين. كما يلاحظ أيضا  كيف يغش السائقون قواعد الطريق من خلال القيادة ويمرون عندما يكون الضوء برتقاليًا مع عدم الوقوف عند علامة قف وتجاوز السرعة المحدودة وعدم احترام المشاة ...

وهكذا يترسخ الغش في دماغه على أنه ممارسة مدنية طبيعية.

4- الغش في المدرسة

يرى التلميذ أن المدرسين يضخمون النقط وخاصة لفائدة التلاميذ الذين يتلقوا معهم دروس إضافية خارج أوقات المدرسة. كما يلاحظ كيف يغش المعلمون في عملهم ويسمع كيف يصفهم الآباء بشكل سيء وعديم الثقة فيهم. ويترسخ في ذهن الطفل أن الغش أمر عادي حتى في المدرسة.

5- الأهم هو الحصول على نقط جيدة بغض النظر عن الطرق المستعملة

يفهم الطفل بسرعة أن هدف والديه هو النجاح ولا أهمية للممارسات التي يستخدمها لتحقيق الهدف. مثلا إذا أبلغ طفل والديه بأن عددا كبيرا من التلاميذ قاموا بالغش للحصول على نقطة جيدة وأنه رفض الغش وبالتالي حصل على نقطة سيئة، فسوف يلومه الوالدان لعدم فعله مثل الآخرين قائلين له "سنرى ما سوف يجلب لك صدقك"!

6- غياب القيم المدنية والوعي الجماعي

للأسف لا تولي تربية الأطفال ولا حتى المدارس أهمية للقيم المدنية من خلال الأفعال وليس من خلال الأقوال الجميلة. ويتشبع الطفل بملاحظة سلوك والديه ومعلميه الذي يخلو من القيم المدنية. والأسوأ من ذلك، نحن في مجتمع يسعى فيه المواطن المغربي إلى الربح فقط لذاته ويجهل تماما  ثقافة الوعي الجماعي وبالتالي هذا هو سبب تأخير تقدم مجتمعنا في جميع الميادين.

الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

مجموع المشاهدات: 4040 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (6 تعليق)

1 | مواطن
السبب هو ما تعيشه البلاد من تسيب وعدم محاسبة المسؤولين على الغش كل حسب مسؤوليته وبالتالي يصبحون النموذج الذي يحتذى به
مقبول مرفوض
0
2019/06/09 - 07:18
2 | جمال بدر الدين
الحق حق والباطل !!!
مغربنا للاسف لايزال يعيش تحت شعار افعل مابدا لك وماتستطيع...الأمانة والمسؤولية والخيانة والعبثية كلها عندنا تسميات لمسمى واحد هو انعدام الشفافية في القوانين والتسيير الإداري الامر الذي يمكن ان يفعل معه اي كان مايريد وهو ما يفسر التسيب الذي يعيشه المغرب والمغاربة...حراسة الامتحانات لاتخضع لإجراءات واضحة يمكن تفعيلها للضرب على الغش والغشاشين بيد من حديد والمسؤولون عن هذا الغياب يرغبون في ان تبقى حالة الفوضى هي السائدة في الوقت الذي يرفض المواطنون ذلك لأنهم أكبر المتضرربن منها...فمتى يتم إحقاق الحق لأهله وإزهاق الباطل الذي جعله الله تعالى زهوقا بينما المسؤولون عندنا يحولونه إلى حق رغما عن أنف كل المغاربة...؟؟؟؟
مقبول مرفوض
0
2019/06/09 - 08:33
3 | مصطفى 029
الغش أيضا كنوع من الانتقام من غياب العدالة الاجتماعية
مقبول مرفوض
0
2019/06/09 - 08:47
4 | عبد الرحيم
مشارك
السبب غياب البعد الديني وهذا هو الاهم عندما يكون الدين حاضرا بقوة داخل الأسرة وفي المجتمع حينئذ يمكن ان يصبح المجتمع صالحا ومصلحا لان الوازع الديني يفرض على الفرد الالتزام بكل ما امر الله به سرا وعلانية لكون الفرد بستحضر مراقبة الله تعالى ويستحضر قول الله تعالى وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير وفي غياب الخوف من الله يستطيع الانسان فعل كل شيء
مقبول مرفوض
0
2019/06/09 - 12:30
5 | أب
التربية الدينية هي السبيل الى رفع المستوى الأخلاقي والقيمي لأبنائنا
للأسف فئة عريضة جدا من المواطنين المغاربة ،مسؤولين وغيرهم من عامة الشعب،تلقوا تربية يغيب فيها استحضار الرقابة الإلهية، أغلب المغاربة يقدمون على ارتكاب المحرمات(فساد،الغش،مال،رشوة،سرقة،نصب،شهادة الزور،ترامي...) بمجرد أن يضمنوا الإفلات من متابعةالسلطة، متناسين بذلك أن هناك رقيبا وحسابا إلهيا ينتظرهم،وهذا له سبب واحد هو غياب التربية الدينية الأخلاقية في مجتمعنا وسيادة التربية المادية،فمن منا لا يسعى لامتلاك الثروة بأي شكل كان لدرجة أننا لم نعد قادرين على التمييز بين الحلال والحرام.
مقبول مرفوض
0
2019/06/10 - 07:48
6 | ط.ع
المطلوب هو الجد
الاعلام والتعليم هما الركيزتان الاساسيتان للامة في تقدمها وازدهارها .هما الموجهان اللذان يوجهان الانسان اما و اما.
مقبول مرفوض
0
2019/06/12 - 02:31
المجموع: 6 | عرض: 1 - 6

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة