بعض ملامح الجُهد الفكري/التأسيسي لليسار بالمغرب
عبد الله راكز
يُستحب في أية مراجعة نقدية علمية(أو تدعي ذلك) مجانبة الإعدام التّبسيطي لتاريخها السياسي،وذلك لأكثر من ضرورة،على الأقل من جانب كونها تشكل لامحالة،ذخيرة المشروع (مشروعها ذاته) ومحصّنته من الوقوع مجددا في أي مطبات شبيهة على نحو ما،بتلك التي أعاقت مشروعه منذ بداية التفكير فيه.
1/عن نظامية التاريخ المُسْعفة نظريا :
يعني مما سبق عن المراجعة المرغوبة هاته شيئين في اعتقادنا :
أولهما:ضرورة أن تَخْضع-وقسريا- أثناء قيامها وصياغتها،لنظامية التاريخ بما يحتوي عليه من ظاهرات،وقائع وأحداث،أسباب ونتائج،مكاسب وإخفاقات،نظامية تقطع مع أي تعثر بدرب الإيديولوجيا...هاته الأخيرة التي لا يُمكن إلا أن تختزل ، ذات المراجعة وبالتالي المشروع كله،للتّقييم السياسوي المُروع،بما يرافقه دائما وبدهيا من اختزال وتقصير مُهْولين في رؤية وتحديد المسببات الحقيقية، السياسية /الفكرية والإجتماعية لأي إخفاق أو نجاح ؟؟.
وثانيهما:إن نظامية التاريخ المُقترحة هي بصفة عامة غير مُبْتسرة،قراءة شاملة للتاريخ ذاته(ولو نسبيا) تَتَجنّب و تُجانب في سير عملها ما يُعرف بالتاريخ الوقائعي،الذي يحيل التاريخ إلى سلسلة وقائع وأحداث فقط،مُفرغة من محتواها السياسي/الإجتماعي...وهي قراءة في المقام الأخير تعنى فضلا عن رصد السياق العام للتطور ببنيات المجتمع المغربي.بِتَعْبين العناصر المتماسكة والمتنافرة التي تزخر بها هذه البنيات..والتي يكمن لها على نحو ما أن تُعطّل أو تُسرّع بإنضاج المُقدّمات الضرورية للمراجعة المتوخاة.
2/ في اكتساب الفهم "المُحوّل" إلى فعل:
هل ما توفّر وتوافر بالواقع السياسي بالمغرب (بعد سنوات الإنفتاح المُعلنة) أغرى فعلا،فئات وتكتلات سياسية عديدة بِتحْقيق امتياز التواجد والإنتفاع قبل فوات أوان أو موت سياسي مبكر؟؟؟...بلى.(نحن نعني هنا اليسار بالأساس بصفته المعني الأول نظرا لكثافة خساراته أيام الإنغلاق العام).ولأنه-أيضا- ولاشك في هذا، أن السنوات التي تلت بعد العام 75،والأخرى بعد للعام 96 ،بما شهدته من تغيرات وتحولات في البُنى السياسية الإجتماعية بموجب ذات الإنفتاح،قد أفادت الكثيرين في "اكتساب " فَهمٍ واضح غير مُغْترّ ،لصيغة التحول السياسي الجاري بالبلاد...كصيغة غير معهودة من قبل!! بل هي أفادتهم في استنتاج مُبَشّر مفاده:إن ما لم تتوفر شروط وإمكانية تحقيقه سابقا بالوسائل المعروفة والمُعْلنة يمكن تحقيقه ولو في حده الأدنى المتدرج،بالنضال الديموقراطي،بما هو صيغة أمثل لترتيب دينامية مُنْتجة للتغيير..
والحال- وهذا هو الأهم – أن هذه الصيغة وإن شكلت في الواقع دافعا أساسيا ضمن دوافع أخرى لإعادة النظر الشامل في التصور العام والبرنامج وغيره لدى العديد من الإطارات الديموقراطية،فلا شك أنها لعبت كضرورة استثنائية،نفس الدور في تحفيز إطارات اليسار برمته في إعادة النظر في تجربته ككل،لاعلى مستوى الممارسة ولكن أيضا في محمول التجربة ككل،وفي الجُهد النظري-السياسي الذي كان مدموغا بكل أسف،بممارسات ومسْكليات نَغْلة فاسدة.
3/في مُقتضيات "النضج "الديموقراطي:
تقضي حتما مُقتضيات الفشل والنجاح،في أية ك
تجربة غير مُكتملة،الخوض كذلك بنفس الإلحاحية والزخم اللذان طبعا بداياتها المُتحمّسة،في تجربة من النضج السياسي وفق ذات المقتضيات المذكورة. وذلك قَسْرا،بنبذ كل النواقص والسلبيات الدالة في رصيدها الفعلي/الحركي والسياسي ،أي تلك التي عجلت ضمن عوامل أخرى بفشل التجربة المبكر..(أعني هنا بالذات ما اعتُبر يسارا جديدا ضدا على فِعل العوامل الإقتصادية -الإجتماعية المغربية الفاعلة..بحسب المرحوم عزيزبلال ) .
سيكون من دون مواربة أيضا،أن تكون المراجعة عَيْنُها محاولة ضمنية،في الجهد الفكري/التأسيسي،وأن لا تكون مُنصبّة مجانيا على كل الأسباب والمسببات التي أفادت ولازالت،في الخلاف والإختلاف قبل الإصطراع. لأن هذه الأخيرة نجدها تقديرا،في علاقة مبطنة،بالتفاصيل المجهولة في التجربة(وهذا طبيعي).و دَليلُ القول هذا بدون استسهال هو: إن الإنكفاء المحظ بفحص الركام النظري السياسي ينطوي في منطلقاته(وقع التّفطن لذلك أو العكس) على رغبة في التحايل على المنزلقات و الإلتفاف على الأخطاء التي يكتض بها تاريخ التجربة (أية تجربة) ،بل أكثر من ذلك ينزع عنها كل صفة وجوهر نقديين من المُفترض أن يكونا ملازمين لمشروعها.
