ين صلف الألقاب وشذوذ المظاهر

أقلام حرة

15/02/2021 20:36:00

سعيد المودني

ين صلف الألقاب وشذوذ المظاهر

نصل إلى المقال قبل الأخير من ملف أركان ومظاهر ونتائج الاستبداد، وهو يتعلق، كما السابق وأيضا المتبقي، بالضلع الثالث في المثلث، أي النتائج التي ضربنا لها أمثلة عشوائية غريبة من سلوك الناس، ما دام الجانب المؤسساتي والبنيوي متوافر حتى في التقارير الرسمية..

وكما سبق أكثر من مرة في عدة مناسبات، فإن هذه النتائج ليست مرتبطة فقط بسيادة الاستبداد، بل هي نتيجة مثابرة تيار تسييد التفاهة الدولي، وإنما موقع النظم الفاشلة هو عدم تحصين المجتمع ببرامج تعليمية وإعلامية هادفة ومقاومة، تزرع الجد والرصانة والقصد والحصافة والوقار، وكذا عدم إيجاد بدائل تضيق على العبث المدعوم، وأيضا عدم إعطاء الحقوق التي تكف المواطن عن تقليد المتغلب والبحث عن القدوة عنده، وكذلك عدم فتح المجال لتشجيع الجيد من المبادرات التي قد تشكل منافسا أو متنفسا لمن رغب في الترفع والسمو..

أيضا كما سبق(مرة أخرى)، فإن الإسفاف والصفاقة والتفاهة نالت من الكبير والصغير، المتعلم والأمي...، ونضرب هنا مثالين آخرين، يتعلق الأول بالمغالاة والشطط في استعمال الألقاب حتى صارت أسماء دون مسميات.. وهكذا تجد من الناس من يسيّدون أنفسهم أو يقدمون ذواتهم بألقابهم أو صفاتهم أو درجاتهم العلمية.. فتجد أحدهم يقدم نفسه بـ"السيد" أو "السي"، والآخر يسمي نفسه بـ"الأستاذ" أو "الباحث" أو "المهندس"... غير أن اللقب المسيطر هو ذاك الدال المهمل الرامز إلى "الدكتوراه"!!!..

وبعيدا عن مجال العلوم الدقيقة التي يجب أن تفصل فيها براءات الاختراع، يبقى المجال الأمكن للتقييم هو ميدان العلوم الإنسانية بمكوناته الثقافية والحقوقية المنشورة أو المعبر عنها بالمواقف..

والكلام هنا ليس عن أولئك "الخِش بِّش"(على حد توصيف أحد الزملاء)، الهجين الذين لا يُعلم لهم أصل ولا يرى لهم أثر.. فهؤلاء لا يستحقون التفاتة، لأن لقبهم لا يساوي مداده في السوق العلمي، وإن كان يساوي أكثر من ذلك بكثير في سوق العمولات المادية،، وغير المادية(...).. هؤلاء هم دكاترة الصور حول الموائد أو في الشطآن أو الملاعب، حتى إذا ما "أنتجوا" أرعنوا في الشكل وعبثوا في المضمون..

إنما الكلام يمكن أن يوجه لأناس محترمين في ذاتهم حسب ما ينشرون أو يقدمون، أو محترمين بتنظيماتهم ذات الشرعية التاريخية أو الفكرية أو السياسية الذين لا ندري ماذا يقدم لهم ذلك اللقب "الاصطفائي/النخبوي" من قيمة مضافة؟؟!!!..

إن قيمة المنتَج لا تُكتسب من خلال لقب منتِجها، بل من خلال شكلها(لغتها)،، وأساسا من خلال مضمونها بأبعاده الفكرية العميقة، وجدواها، وقوتها وصلابتها في مواجهة الظلم والحيف والتجبر، ومواقف صاحبها وشجاعته ووضوحه...

إن اللقب هو تكليف وقيد وعبء يثقل كاهل المصرح به الذي يقيّمه الناس انطلاقا من ذاك اللقب، فلا يعذرون هفواته الشكلية وإن كانت أخطاء رقن، ولا أخطاء المضمون والجدوى والموقف!!!..

لو نشأ أحدهم في بيئة تربوية واجتماعية وسياسية مناسبة لحصنه ذلك، ودفعه إلى التواضع والتواري،، ولو كان قامة..

المثال الثاني يتعلق بـ"شذوذ" المظهر نتيجة الإفراط في الاهتمام والتطرف في التقليد، حتى أصبحنا نعايش مراهقين مسنين لا زالوا يعيشون مراهقة متأخرة، حتى أصبح من المألوف أن ترى "كهلا" يزايد في الرغبة في التقليد والتفرد في المظهر حتى يجاوز حدود الأناقة إلى التميز السلبي الشاذ، معللا تصرفه بأنه لا علاقة للمظهر بالجوهر، وأن "الإيمان ف القلب"، وأن الكثير ممن يعتدلون ويتوسطون في مظاهرهم لا يستوي سلوكهم، والعكس بالعكس...

لن أخوض هنا في مسألة "الإيمان ف القلب" وعلاقة العقيدة الباطنة بالسلوك الظاهر وانعكاسها عليه، كما أني لن أتوسع في الجرد والاستشهاد والاستشهاد المضاد فيما تعلق بمن يناقضون بين مظهرهم وجوهرهم، ولا في مدى تأثير "المخالفات" الظاهرة على المجتمع بما تتضمنه من تطبيع.. إنما سأورد مرجعية واحدة، وهي من واقع الناس، تكاد تكون كونية لفرط "عولمة قيمتها"، ذلك أن "رجال دين" كل دين، وهم الأكثر تمثيلا للهوية وتمثلا لقيمتها الروحية، لا يفرطون في المظهر المعتقد في دينهم، بحيث لا يمكن أن نرى الحبر اليهودي بمظهر الراهب البوذي مثلا!!!.. بل يحرص علماء الشريعة، بصفتهم مقتدى بهم، على الظهور بالمظهر المحدد سلفا والمعروف من لدى الناس(المقتدين)، وهم من يفترض فيهم -قبل غيرهم- معرفة عدم العلاقة بين المظهر والجوهر، لأنهم يعلمون -كل حسب عقيدته- أن السلوك والمظهر دلالة على العقيدة والباطن والجوهر!!!...

في المجال الرسمي كذلك يحرص كل مسؤولي دول العالم على الظهور إما بالزي الوطني التقليدي المعتمد، أو بالزي الغربي "المعولم"، ولا يشذّون في مظهرهم(وفيهم الشاذ بالفعل) عملا بـ"لا علاقة للمظهر بالجوهر"،، لأنهم مسؤولون..

 

لو سادت العالم حضارة راشدة، لاختفت قدوة التفاهة، ولو رشدت الأنظمة المحلية، لترفّعنا عن عنجهيات الألقاب،، وشذوذ المظاهر..

مجموع المشاهدات: 4578 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟