الرئيسية | أقلام حرة | المدن الذكية والأسئلة الخفية

المدن الذكية والأسئلة الخفية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المدن الذكية والأسئلة الخفية
 

 

استبشرت ساكنة مدينة فاس خيرا بالترويج لمولود تواصلي جديد، وهو عبارة عن تطبيق إلكتروني يضمن لكل مواطن يتوفر على هاتف ذكي إمكانية التبليغ عما يقف عليه من اختلالات مرتبطة بالاختصاصات الذاتية للجماعة ( تشوير الطرق العمومية وإصلاحها، توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء ، نقل حضري، نظافة، إنارة عمومية،....)، وذلك عبر التواصل المباشر مع الجهة المستقبلة للشكايات على أساس تلقي رد في ظرف لا يتجاوز ساعة. يأتي هذا المستجد في إطار مشروع "فاس مدينة ذكية" على غرار خمس حواضر أخرى، يراهن المغرب على استفادتها من مشروع المدن الذكية بتعاون مع شركتي مايكروسوفت و هواوي اليابانية، وهي مدن : البيضاء، الرباط ، طنجة، مراكش وإفران. يتماشى المستجد إلى حد ما مع عناصر تعريف الاتحاد الدولي للاتصالات للمدينة الذكية المستدامة حيث يرى أنها مدينة مبتكِرة، تقوم على استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات وغيرها من الوسائل لتحسين نوعية الحياة وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية والقدرة على المنافسة مع ضمان تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة والمقبلة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إلا أن الرؤية الشمولية لقيادة التغيير على مستوى أداء الهيئات المنتخبة تؤكد ارتباط ذكاء المدن هذا بذكاءات أخرى متعددة.

 

سرعة الاستجابة لمطالب المواطنين المشروعة في أفق توفير الحد الأساسي لشروط العيش الكريم هو بلا شك حلم منشود، وإطلاق وعود تتعارض عضويا مع آليات جامدة ومعقدة في تدبير النفقة العمومية للجماعات المحلية ، يبدو أنه آخر مسمار سيدق في نعش الثقة بين المواطن وممثليه في الأجهزة المنتخبة. فعدا التدخلات البسيطة والمباشرة التي قد يتيسر للجماعة تقديمها ، إن استجابت فعلا، إما عن طريق المياومين أو عمال النظافة ... هناك اختلالات تستوجب تسويتها اعتمادات هامة تخضع لضوابط تحكم العلاقات المالية بين الدولة والجماعات المحلية. وواقع الحال أن الساحة القانونية لم تشهد لحد الآن أي تحديث في مسطرة الصرف من شأنه أن يواكب هذا التصور الواعد. وبالتالي، كيف للجماعة أن ترصد في ظرف وجيز اعتمادات للتفاعل مع الشكايات التي سترد حتما عليها بالجملة، ومسطرة الصرف مرتبطة بميزانية سنوية تخضع لتبويبات محددة وفق نموذج تحدده وزارة الداخلية؟ بل حتى وإن تعلق الأمر بتحويل اعتمادات مرصودة لنفقات أخرى لم تصرف، فذلك يتطلب عادة قرار المجلس الجماعي في دورة عادية أو استثنائية ليتم توجيه مقرر المجلس بعد صياغته في محضر رسمي إلى الوزارة الوصية، ليبدأ مسلسل انتظار المصادقة لشهور ، ثم الإعلان بعدها عن الصفقة أو الطلبية للعموم، ناهيك عما يلي ذلك من تدابير وإجراءات... ومن يدري؟ فقد يسمح للجماعات لتسريع وتيرة الصرف بإحداث "صناديق سوداء" أو بعبارة أجمل "صناديق ذكية" غير مدرجة في ميزانية الجماعة، وغير خاضعة للرقابة المالية في زمن الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة؟

 

في إطار ترسيخ أسس الحكامة المحلية، تقضي المادة 36 من الميثاق الجماعي الجديد بضرورة إعداد المجالس لمخطط التنمية الجماعي، يحدد الأعمال التنموية المقرر إنجازها

 

بتراب الجماعة لمدة 6 سنوات وفق منهج تشاركي، حيث يتم التشخيص وتحديد الحاجيات بتشاور مع الساكنة بشكل أساسي والقطاعات الخارجية والفاعلين. أضف إلى ذلك أن المادة 14 من نفس الميثاق تؤكد على إلزامية تأسيس "لجنة المساواة وتكافؤ الفرص" كآلية استشارية لرصد مختلف الانشغالات والاهتمامات المرتبطة بالساكنة، بحيث تتكون اللجنة من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات المجتمع المدني. في ضوء مقتضيات هاتين المادتين على الأقل، يحق لنا أن نتساءل : إذا التزمت الجماعة عمليا بهذا المنطق في التخطيط، والجدية في التنفيذ والتتبع لإحداث تنمية حقيقية في مجالها الترابي يجسد أحلام الساكنة، فهل ستستمر الحاجة حقا للشكايات اليومية ولتطبيق إلكتروني وتدخلات ذكية من شركات ضخمة قد تستنزف أرقاما فلكية من المال العام؟

 

تطبيق المدينة الذكية يطرح سؤالا أكثر عمقا ومشروعية : ما حاجة المواطن للتصويت على منتخبين يمثلونه ويسمعون صوته، ما دام التطبيق الإلكتروني سيفي بالغرض وبسرعة قصوى؟ فهل ستكون التطبيقات الذكية بديلا عن الديمقراطية التمثيلية بكل مستوياتها، وتجاوزا لكل أعطابها؟ فقد يصير الاستفتاء المباشر عبر الأجهزة الذكية على القرارات ومشاريع القوانين... بديلا عن تصويت ممثلين للشعب، أغلبهم أتقن التمثيل على الساكنة فوق منصات المهرجانات الخطابية وفشل في تمثيلهم.

 

وتظل هذه الأسئلة وأخرى مفتوحة في انتظار إحداث مدن تجيد الاستفادة من الذكاء الجماعي للمغاربة، فليس هناك حاجة حقيقية لركوب موجات لازالت سفننا غير مؤهلة لخوض غمارها. فالخلل يكمن في تفعيل القوانين الداعية لإشراك المواطن في القرار العمومي، والانتقال الذكي إلى مساطر تبسط خروج هذه المقررات لدائرة الضوء في شروط شفافة ونزيهة بما لا يدع مجالا للتسويف والتأجيل ثم التيئيس. فتطلعات المواطن ومطالبه معروضة تحت الشمس، ولم يعد حصرها يستدعي ذكاء.

مجموع المشاهدات: 3199 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (5 تعليق)

1 | العلمي
مدن ذكية لإدارة غبية
اطلعت على المقال ,واستغربت لهذه المشاريع الوهمية التي تريد بعض المدن تعويم المال العام فيها .عن اي ذكاء يتحدثون ؟هذا استغباء للمواطن الذي لا يجد حتى من يوجهه للشباك المطلوب في ادارة تتقاذفها الرشوة والزبونية والمحسوبية ,شكرا سيدتي الفاضلة على تنبيهنا لما يحاك من وراءنا من مدن ذكية بادارة وعقلية غبية
مقبول مرفوض
2
2017/03/17 - 07:30
2 | معاذ
عن اي ذكاء يتحدثون؟
الذكاء الدي نطالب به هو توفير الشغل لأبناء الشعب ,وتوفير النظافة وشروط العيش الكريم ,ومحاربة الجريمة في احياء مدينة تعتبر العاصمة العلمية للمملكة ,أما هذا الهراء فهو ضحك على ساكنة هذة المدينة ,الذكاء هو توفير النقل للطلبة وللأحياء الهامشية ,الذكاء هو توفير مراكز لإيواء المشردين والمدمنين الدين يعترضون سبيل المارة ,أما هذة القفزات فتكون في الرياضة وليس في التاريخ
مقبول مرفوض
2
2017/03/17 - 07:39
3 | كمال
تطبيق ذكي وادارة ...
مقال في الصميم. تحية لكاتبته. لا نشكك في اهمية مثل هذه التطبيقات والمبادرات. ولكن نشكك في قدرة الإدارة على مواكبتها وتفعيلها.لدي تجربة سابقة مع تطبيق لوزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات. هذا التطبيق يقدم جميع المساطر والاجراءات الإدارية الواجب اتباعها لاستخلاص الوثائق. وبحس نية أردت الاستفادة من هذا التطبيق الذكي لتسجيل ابنتي في الحالة المدنية، حيث اطلعت على الوثائق الواجب اعدادها لإتمام العملية. وقمت فعلا بتجهيز هذه الوثائق، واتجهت لمكتب الحالة المدنية لإتمام الأمر. لكن مع الأسف الواقع شئ والتطبيق شئ مخالف تماما. فوجئت بالموظف يطلب مني احضار ضعف الوثائق المثبتة في التطبيق.صدمت من هول المسألة وعدت لفتح التطبيق للتأكد، فوجدت أن ما يطلبه الموظف غير وارد . فأخبرته أني لا أتوفر على هذه الوثائق، فأجابني بأنه لا علم له بالتطبيق وأن تسجيل ابنتي في الحالة المدنية رهين باحضار هذه الوثائق كلها وهذا هو القانون. لأتساءل:هل نحن فعلا في مستوى هذا الذكاء؟ وهل نحتاج لتطبيق ذكي أم لتطبيق القانون بذكاء؟ مادامت شهادة الحياة وشهادة السكنى وعقد اصلي و... سير حتى تجي هي خبز الإدارة، لا تعولوا على الذكاء.
مقبول مرفوض
3
2017/03/18 - 12:14
4 | ذة :لوكيلي
فاس العا لمة أم فاس الحالمة
شكرا استاذة رجاء فقد استحضر بعد قراءة مقالكن أنني اسكن فاس الحالمة ,بدل فاس العالمة
مقبول مرفوض
2
2017/03/18 - 01:13
5 | قرشي
شنو خاصك يا الخادم؟ لخواتم يا سيدي
هو مثل شعبي عميق المعنى، لم أجد أفصح منه للتعبير عن واقع الحال، تحليل دقيق وفي الصميم، أسئلتك في حد ذاتها أجوبة لمن يلتقط الإشارات. لماذا نصرف ملايين الدراهم، المواطن أولى لها؟ ما دور المستشارين الجماعيين؟
مقبول مرفوض
1
2017/05/23 - 05:02
المجموع: 5 | عرض: 1 - 5

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة