الرئيسية | قضايا المجتمع | هل تمثل الأحكام الصادرة في حق الأساتذة المتعاقدين تجريما للاحتجاج السلمي؟

هل تمثل الأحكام الصادرة في حق الأساتذة المتعاقدين تجريما للاحتجاج السلمي؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل تمثل الأحكام الصادرة في حق الأساتذة المتعاقدين تجريما للاحتجاج السلمي؟
 

بقلم : اسماعيل الحلوتي

      مهما كان هناك من اختلاف حول ملف الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أو ما بات معروفا باسم "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد"، فإنه أصبح ملفا شائكا ومعقدا، يقض مضاجع القائمين على الشأن التربوي ومعهم آلاف الأسر المغربية. وإلا ما كان لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى ليستقبل التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، إلى جانب المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في إطار الحوار الاجتماعي، وهو اللقاء الذي تمخض عنه كما هو معلوم اتفاق يقضي بإدماج هذه الفئة في النظام الأساسي لموظفي وموظفات وزارة التربية الوطنية.

      وفي الوقت الذي استبشرت الأسرة التعليمية وكافة الأسر المغربية خيرا بهذا الاتفاق غير المسبوق، اعتقادا منهم أنه سينهي بدون شك مسلسل الاحتجاجات والإضرابات، فإذا بالرأي العام الوطني يهتز لصدور أحكام قاسية في حق بعض هؤلاء الأساتذة، الذين ليس لهم من جريرة عدا أنهم خرجوا في مسيرات احتجاجية سلمية إلى جانب الآلاف من زميلاتهم وزملائهم، للمطالبة بإيجاد حلول منصفة تضمن لهم كرامتهم وحقوقهم في الإدماج، وبما يساهم في تحقيق الأمن الوظيفي والاستقرار الاجتماعي والمهني.

      وهي الأحكام الصادرة يوم الخميس 10 مارس 2022 عن المحكمة الابتدائية بالرباط، والتي تراوحت عقوبتها في حق حوالي 45 شخصا من بين 70 متابعة قضائية ما بين ثلاثة شهور حبسا نافذا وشهرين موقوفي التنفيذ وغرامة مالية بقيمة 1000 درهم، وخلفت تدمرا واسعا وردود فعل غاضبة داخل المؤسسات التعليمية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وهي الأحكام التي اعتبرها بعض أعضاء التنسيقية الوطنية دليلا ساطعا على توجه المسؤولين نحو ترجيح المقاربة الأمنية على الحوار الجاد والمسؤول، وضربا من الترهيب غير المجدي الذي لن يزيد نيران الغضب والاحتجاج إلا تأججا. وجعلت كذلك عديد المنظمات الحقوقية تدخل على الخط وتضم صوتها إلى صوت النقابات والفاعلين التربويين، للتعبير عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع لهذه الأحكام الجائرة والقاسية في حق مكوني الأجيال الصاعدة، والمطالبة بالإلغاء الفوري لها وإيقاف باقي المتابعات القضائية الأخرى. إذ كيف يعقل أن يتم في دولة الحق والقانون تجريم العمل النقابي والفعل النضالي الشريف؟ ثم أليس المكان الطبيعي لهذه الفئة من "الجنود" التي تسهر على محاربة الجهل وتنوير العقول، هي الفصول الدراسية في المدارس التعليمية وليس الزنازين في السجون؟

      فما لا يستسيغه الكثير من المتتبعين للشأن العام ببلادنا هو أن يعاقب المواطن على أحد الأفعال التي تحفظها له القوانين والدستور البلاد، حيث نجد مثلا الفصل 29 من الدستور المغربي ينص على أن: "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون..." كما أنه نص على الاحتجاجات السلمية من خلال ما ورد في الفصل 37 الذي يقول: "على جميع المواطنين والمواطنات احترام الدستور والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات"

      فأين نحن إذن من هذه النصوص القانونية ونحن نرى على مدار المواسم الدراسية كيف يتعرض هؤلاء الأساتذة الذين فرضت عليهم ظروف العيش الصعبة وقلة فرص الشغل الإذعان لسيف التعاقد، ومعهم آلاف الشباب المعطلين من حملة الشهادات العليا، وفئات أخرى في المجتمع من ممرضين وأطباء وغيرهم، إلى مختلف أشكال القمع والتنكيل أثناء احتجاجاتهم ومسيراتهم الحضارية والسلمية من قبل قوات الأمن أمام البرلمان وغيره من الأماكن الأخرى، دون المس بالأمن العام أو الحيلولة دون انسيابية حركة المرور او الولوج للمؤسسات العمومية، فضلا عما تخلفه تلك التدخلات العنيفة من إصابات خطيرة وجروح بليغة، واعتقالات عشوائية؟ والأخطر من ذلك هو تلك المحاكمات غير العادلة بتهم جاهزة من قبيل: "التجمهر غير المسلح بغير رخصة، وخرق حالة الطوارئ الصحية" أو "إيذاء رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بمهامهم" أو "إهانة القوة العامة بأقوال تمس بالشرف والاحترام الواجب لسلطتهم" أو "إهانة هيئة منظمة" وما إلى ذلك من التهم الوهمية والمفبركة. والحال أن الأساتذة ذكورا وإناثا هم من يتعرضون لمختلف أنواع الإيذاء والشتائم والتحرش الجنسي والحط من الكرامة، ثم أي إهانة أفظع في حق المدرس أكثر من هذه الأحكام التعسفية؟ وما العيب أو الخطأ في ممارسة الحق في الاحتجاج والتظاهر السلميين، من خلال تنظيم وقفات أو مسيرات احتجاجية التي تضمنها المواثيق الدولية وتنبني جميعها على مطالب واضحة ومشروعة؟

 

      إننا نأسف كثيرا لاستمرار معركة شد الحبل بين الحكومة والتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وهي المعركة التي لن يكون فيها من خاسر سوى بلادنا وفلذات أكبادنا من الأجيال الصاعدة، التي ما انفك عاهل البلاد يدعو إلى النهوض بأوضاعها، باعتبارها قاطرة المستقبل المعول عليها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمندمجة. إذ لو كان التعليم ومستقبل الأجيال حقا من أولويات الحكومات المتعاقبة، لما استمر هذا الملف يتدحرج ككرة ثلج، وإلا كيف يستقيم الحوار بين الوزير بنموسى والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والتنسيقية الوطنية للأساتذة "المتعاقدين"، في ظل الأحكام القضائية التي من المؤكد لن تترك من هامش للتفاهم والتوافق، عدا خيار التصعيد وتمديد الإضرابات؟

 
مجموع المشاهدات: 7202 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (7 تعليق)

1 | ملاحظ
الكذب
يتمسكن حتى يتمكن وعندما يتمكن يتفرعن هذا ما حدث لهذه الفئة التحقت للعمل بعقد وبعد ذلك رفضته اذن اصبح ابرام عقود العمل لاغ لى جميع العاملين في اي مجال .هذا هو العبت وهذه سياسة النفاق والوصولية.
مقبول مرفوض
-2
2022/03/16 - 08:54
2 | بن محمد
تدقيق
حسب علمنا ان ما يسمى بالاساتذة الذين حكموا توبعوا باحداث لا علاقة لها بالتظاهر السلمي بل
مقبول مرفوض
0
2022/03/16 - 09:47
3 | المهدي ع
في أهمية الوعي و التنمية
"الوعي هو الذي يحدد وجود الناس الإجتماعي": نحن بحاجة ماسة إلى اعمال الفكر، والتعاون، ونشر ثقافة الحوار السلمي والتعايش والسلام، لما كل هذه الفوضى، رجال الامن يقومون بمهامهم خدمة للوطن وهو شيء ايجابي، والأساتذة يؤدون وظائفهم على اكمل وجه، علينا مساءلة ذواتنا، اين يكمن الخلل، هل في الوزارة ام الأساتذة ام القوات العمومية؟ اعتقد أن الكل قرأ دستور 2011م، واطلع على مضامينه، بالتالي لا باس فقط من تطبيق مقتضيات النص التشريعي القانوني، قبل إصدار أحكام قيمة على الأبرياء من رجال الأمن وبعض الأساتذة.
مقبول مرفوض
0
2022/03/16 - 09:49
4 | ولي امر
الحقيقة التي يخفيها بعض الصحفيين
هذه هي الحقيقة التي يخفيها بعض الصحفيين الله يهديهم، كنت اشك في نزاهة صحفيي هذه المنبر، لكن مازال هناك اصحاب المبادئ الذين يحترمون هذه المهنة الشريفة أمثال صاحب هذا المقال. سلمت اناملك لانك قلت الحقيقة التي لم يستطع آخرون قولها. حفظك الله ايها الصحفي الشجاع ورعاك.
مقبول مرفوض
3
2022/03/17 - 03:00
5 | مواطن
اعلام عفن
والله ثم والله انتم ذاهبون بهذه البلاد الحبيبة الى الهاوية جشع المعلمين معروف منذ الازل وهم لن يقنعوا وسيستمرون في الاضرابات انهم بلا ضمير شكلهم كشكل الممرضين ولكن ما استغرب له هو تطبيل الصحافة ونشر مغالطات من قبيل فرض عليهم التعاقد وتشجيع البلطحية وتناسيوا حقوق فلذات اكبادنا في التعليم وبدات اتساءل اين الصحافة الحرة ام ان كل شئء اصبح له ثمن وكل شىء اصبح يبا ويشترى
مقبول مرفوض
-5
2022/03/17 - 07:07
6 | فريد
العدل
تمنيت أن أرى رجال الشرطة الاشاوس وهم يقبضون ويعاملون بنفس الطريقة التي تظهر في الصورة امثال سلطانة خيا وأمينة حيدر ومشاغبي كرة القدم....والله أتساءل اين هو العدل والقانون أم أنه في بلدي مناطق وفئات يطبق عليها(العدل والقانون )كلما كانت هناك مطالب اجتماعية حقيقية وعادلة ومناطق وفئات أخرى لا تعرف عن معنى فرض القانون الا الاسم
مقبول مرفوض
3
2022/03/17 - 09:02
7 | محمد اطلس
اساتدة ينعدم لديهم حي المسؤولية
اساتدة يتركون التلاميد ويملاون الشارع العام ويرفضون الحوار والعمل....و.... اساتدة لايدرسون أبناء الشعب همهم الحوالة الشهرية و مصالحهم الشخصية.....هدا النوع نرجو من الوزارة أن تتحد الإجراءات اللازمة في حقهم..
مقبول مرفوض
0
2022/03/17 - 01:24
المجموع: 7 | عرض: 1 - 7

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة