الرئيسية | قضايا المجتمع | ضمنها إشكالية "زواج القاصر".. "بنساسي" يستعرض مكامن الخلل في مدونة الأسرة ويقترح حلولا تروم تقليص نسب الطلاق

ضمنها إشكالية "زواج القاصر".. "بنساسي" يستعرض مكامن الخلل في مدونة الأسرة ويقترح حلولا تروم تقليص نسب الطلاق

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ضمنها إشكالية "زواج القاصر".. "بنساسي" يستعرض مكامن الخلل في مدونة الأسرة ويقترح حلولا تروم تقليص نسب الطلاق
 

 أخبارنا المغربية - عبدالاله بوسحابة

في إطار فعاليات النسخة الثالثة من الليالي الرمضانية لسنة 1445، نظمت جمعية مجلس دار الشباب عين العودة المركز، بشراكة مع "وزارة الشباب والثقافة والتواصل"، ندوة ثقافية حول موضوع: "الورش الملكي لإصلاح مدونة الأسرة رهان مجتمعي منتظر"، عرفت مشاركة نخبة من الأكاديميين والأساتذة المختصين في هذا المجال.

وفي معرض مداخلته التي ساهم بها ضمن أشغال هذه الندوة الثقافية التي نظمت نهاية الأسبوع المنصرم بدار الشباب جماعة عين العودة، ضواحي تمارة، أكد الأستاذ "محمد بنساسي"، المحامي بهيئة الرباط، أن ورش إعادة النظر في مدونة الأسرة يحضى برعاية ملكية سامية، بالنظر لأهمية نص المدونة وارتباطه الوطيد بخلية المجتمع الأولى (الأسرة) التي يوليها جلالة الملك حفظه الله أهمية بالغة، حيث ما فتئ يؤكد في مناسبات عديدة على ضرورة الاعتناء بها والنهوض بأدوارها الكاملة.

وتابع "بنساسي" حديثه موضحا أن: "ورش مراجعة مدونة الأسرة لا يوجد على هامش المجتمع، لأننا إزاء نص قانوني شاسع ومتشعب و مهيكل، بالنظر لانطباق مقتضياته وأحكامه على جميع المواطنات والمواطنين دون استثناء، انطلاقا من الولادة مرورا بتثبيت الهوية وصولا لمرحلة الوفاة وتوزيع التركة". 

 كما أشار ذات المتحدث إلى أن: "جلالة الملك محمد السادس حرص في رسالته السامية التي وجهها إلى رئيس الحكومة بتاريخ 26 شتنبر 2023، وقبلها في خطابه لسنة 2022، بخصوص اعادة النظر  في مقتضيات مدونة الأسرة، على أن يكون موضوع  المدونة محط نقاش مجتمعي عمومي واسع وشامل بين مختلف الفاعلين والمتدخلين والمهتمين الرسميين منهم والمدنيين بموضوع المرأة وشؤون الأسرة وحقوق الطفل، يتناول مختلف الجوانب القانونية والقضائية التي أبانت الممارسة العملية على محدوديتها وقصورها في معالجة القضايا المتصلة بالأسرة و المنازعات الناتجة عنها".

وأضاف "بنساسي" موضحا أن: "عشرون سنة من إعمال مقتضيات مدونة الأسرة ونفاذ احكامها بالمحاكم الوطنية، كشفت لنا عن اختلالات متعددة على مستوى الممارسة، همت أساسا الجوانب القانونية والقضائية من المدونة، حادت بها للأسف عن الأهداف والغايات والمقاصد التي كان يبتغيها المشرع الأسري من وراء إقرارها، والمتمثلة أساسا في تعزيز تماسك الأسرة وتقوية أواصر استقرارها وتعزيز روابط استمرارها، باعتبار الأسرة خلية المجتمع الأولى و لبنته الأساسية، صلاحها من صلاحه واستقرارها من استقراره".

كما استطرد ذات المتحدث قائلا: "التقارير الصادرة عن كل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، الصادرة بشأن المادة الأسرية، تضمنت معطيات وأرقام صادمة، سواء تعلق الأمر منها بتلك المرتبطة بزواج القاصر التي أضحت للأسف ظاهرة آخذة في التنامي بشكل يدعو للقلق، على الرغم من جعل المشرع الأسري لهذا النوع من الزواج استثناء من القاعدة. أو ارتبط الأمر أيضا بارتفاع نسب الطلاق التي أصبحت هي الأخرى آفة  تعصف بتماسك الأسرة واستقرار المجتمع معاً، لكون الأثار السلبية المترتبة عن فصم الرابطة الزوجية لا تنحصر بين الأزواج فقط، بل تتسرب لبنية المجتمع ككل". 

واعزى "بنساسي" الأسباب الكامنة وراء ارتفاع طلبات الإذن بزواج القاصر على امتداد 20 سنة من إعمال ونفاذ مقتضيات وأحكام مدونة الأسرة، وخاصة في صفوف الإناث مقارنة بالذكور، على اعتبار أن هذا النوع من الزواج يمس الإناث أكثر من الذكور حسب الأرقام والمعطيات الواردة في التقارير الرسمية الصادرة بهذا الشأن والمشار إليها سلفا، لمجموعة من الأسباب والعوامل".

وشدد ذات المتحدث على أن هذه الأسباب والعوامل: "منها ما ماهو متصل بنص المدونة نفسه، ولاسيما العوار الذي يعتري المقتضيات المؤطرة لهذا النوع من الزواج وأساسا المادة 20 و21 من المدونة، التي يعتريها غموض ولبس كبيرين، وخصوصا في علاقتها بالمصلحة الفضلى للقاصر، كما تنطوي على عبارات ومفاهيم عامة وفضفاضة تفتقد للدقة في المعنى والدلالة، والتحديد في الغاية والقصد، المفروض أن تحيط بقاعدة الاستثناء من حيث كونها استثناء، الأمر الذي يترك هامش واسع للاجتهاد القضائي لا يكون مصيباً دائماً".

أما بخصوص باقي الأسباب والعوامل، فقد أوضح "بنساسي" أنها: "مرتبطة بالعادات والأعراف والتقاليد السائدة في بعض المناطق بالمغرب، التي لازالت تشجع على الزواج المبكر لبناتها، علاوة عن عامل الفقر والهشاشة الذي يعتبر هو الآخر دافعا مغذيا لظاهرة زواج القاصر التي تكون حالة بالنسبة للكثير من الفتيات من اجل الانعتاق من اوضاعهن المزرية نحو حياة كريمة، فضلا عن ظاهرة الهدر المدرسي التي تعد هي أيضا من أهم الروافد المؤدية لزواج الفتاة القاصر". 

وأضاف بنساسي قائلا: "إن مفهوم مؤسسة الزواج وزوايا النظر إليها اختلفت كثيرا في عصرنا الحالي على ما كان عليه الأمر في السابق، بحيث المنظور التقليدي أو المحافظ للزواج المستند على المرجعية الدينية التي تم اختزالها في ظهور معالم البلوغ لدى الذكر والأنثى لقيام العلاقة الزوجية، وتغييب عنصر النضج والرشد الواجب التوفر فيها أيضا، لم يعد ينسجم مع خصوصية مؤسسة الزواج في مجتمعنا الحالي، بالنظر لتعقد الحياة الزوجية وارتفاع تكلفتها وتزايد أعبائها وتعدد الإلتزامات والواجبات المترتبة عنها".

وبالتالي يضيف ذات المتحدث: "إلى جانب ضرورة توفر معالم البلوغ لدى أطراف الزواج، إذ لم يكن هناك وعي عميق بمؤسسة الزواج وإدراك كامل لما يترتب عنها من حقوق وواجبات والتزامات متبادلة ومتداخلة، سواء بين الأزواج فيما بينهم أو تجاه أطفالهم، تمكنهم من تدبير شؤونهم واختلافاتهم وخلافاتهم بنوع من المرونة والنضج والتوافق والانسجام، سنكون أمام أسرة هشة وغير مستقرة مهددة بالتفكك في أي لحظة".

وطالب بنساسي المشرع الأسري المغربي في  سياق عملية مراجعة مدونة الأسرة وفي محاولته التوفيق بين المرجعية الدولية التي تلح بكثير من الإصرار على رفع سن الزواج إلى 18 سنة كاملة، وبين الخصوصية الوطنية التي تحتل فيها المرجعية الدينية الصدارة، والتي تبيح الزواج بمجرد ظهور معالم البلوغ، علاوة عن الأعراف والتقاليد السائدة في بعض المناطق بالمغرب، إلى ضرورة استحضار المصلحة الفضلى للفتاة  القاصر، من خلال احاطة هذا النوع من الزواج بشروط ومعايير واضحة ودقيقة لا تحتمل أي تأويل أو تفسير خارج قصد وغاية المشرع، مع استحضار في ذلك فارق السن بين الفتاة القاصر وبين الراغب في الزواج منها، ووضعيته الاجتماعية وحالته المادية وغيرها من الضمانات التي من شأنها تحصين حقوق القاصر  داخل مؤسسة الزواج.

كما شدد "بنساسي" على أن: "محاصرة هذا النوع من الزواج والحد من توسعه، وإبقائه في قالبه الاستثنائي المعقول، بما يجيب عن حالات ووضعيات محددة ومخصصة، يتطلب أيضا العمل على تقليص السلطة التقديرية للسادة القضاة في إعمال مقتضيات مدونة الأسرة، وخصوصا منها المتصلة بزواج القاصر، ولا سيما عند تبريرهم لطلب الإذن المتصل بزواجها، هذه المبررات التي تختلف من حالة إلى أخرى ومن وضعية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، كما ترتهن أيضا في كثير من الأحيان لقناعات السادة القضاة".

وتابع قائلا: "أما بخصوص ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق، التي اضحت بدورها آفة مقلقة، فمردُّها حسب المحاضر، إلى أسباب موضوعية واردة في مدونة الأسرة نفسها، وأسباب أخرى ذاتية متصلة بشخص القاضي ذاته".

كما أشار المتحدث ذاته إلى أن: "المدونة عندما أعطت حق توقيع الطلاق للزوج والزوجة يمارسانه على قدم المساواة كل بشروطه، اقبلت زوجات كثيرات على مباشرة مسطرة الطلاق للشقاق للخروج من علاقات زوجية مستحيلة، غير أن هذا الحق بقدر ما رفع الحيف على بعض النساء اللواتي تعرضن للانتهاك والظلم والعنف داخل مؤسسة الزواج، إلا أنه فتح الباب أيضا على مصراعيه أمام أسباب عارضة وأحيانا تافهة تؤدي إلى فصم الرابطة الزوجية، في معادلة صعبة على المشرع الأسري التفكير فيها في أفق التعديلات المقبلة هي الأخرى، باستحضار المصلحة الفضلى للأسرة". 

كما تطرق "بنساسي" لضعف ومحدودية مسطرة الصلح بين الأزواج عند الخصومة، والتي وعلى الرغم من كونها أصبحت بموجب مقتضيات مدونة الأسرة في حلتها الحالية مرحلة قضائية ملزمة لا بد من إعمالها والمرور بها قبل إصدار الحكم، غير أن الآخذ بها من لدن السادة القضاة دائما ما يكون على سبيل الروتين باعتبارها مسطرة فقط، بالنظر لضيق الوقت وكثرة الملفات والقضايا المعروضة عليهم، لهذا لا يتم في كثير من الأحيان اعطائها الأولوية والأهمية والعناية اللازمة والمطلوبة على أهميتها البالغة، وفق تعبيره. 

وشدد "بنساسي" على أن: "آليات الصلح التي وضعتها المدونة رهن إشارة المحكمة لإصلاح ذات البين، سواء تعلق الأمر بـ(مجلس العائلة) أو (انتداب حكمين)، أضحت تقليدية جداً لا تنسجم مع خصوصية الأسرة المغربية الحالية، بالنظر لما عرفته بنيتها وتركيبتها وأدوارها في 20 سنة الأخيرة من تحولات كبيرة وتغيرات جوهرية، أصبحت معها أكثر نزوعا لنموذج الأسرة الزوجية (الأسرة النووية) المكونة من الزوج والزوجة والأطفال حتى في البوادي والقرى، معتمدة على نفسها ومستقلة في تدبير شؤونها وحريصة على خصوصياتها في منأى حتى عن العائلة القريبة، عوض (الأسرة العائلة) أو الأسرة الممتدة التي كان يتعايش في كنفها أكثر من جيل، كان يمكن لمجلس العائلة بمدلوله الحالي أن ينتصب طرفا في إصلاح ذات البين في حالة الخصومة، بالنظر لما كان لدور كبار العائلة من اجداد واباء واعمام... من تأثير على باقي أفراد العائلة، تمكنهم من الانتصاب كطرف لإصلاح ذات البين بينهم، لهذا ينبغي التفكير في أفق التعديلات المقبلة في وسائل (صلح) جديدة وحديثة، أكثر نجاعة وفعالية، وأكثر انسجاما مع خصوصية الأسرة في عصرنا الحالي".

أما بخصوص العوامل الذاتية المتصلة بالقاضي، فقد أشار "بنساسي" إلى أن: "النزاعات الأسرية تعتبر نزاعات ذات طبيعة خاصة، تتضمن أحيانا أسرارا وخصوصيات ليس من السهولة التعبير عنها أو البوح بها لأي كان، وبالتالي ينبغي التعاطي معها داخل أقسام قضاء الأسرة على هذا الأساس، وذلك من خلال توفير قضاة لهم صفات وملكات ومهارات فريدة، تنسجم مع خصوصية المنازعات الأسرية، من قبيل القدرة على الاستماع وإدارة الحوار ونباهة التجاوب واستصغار المشاكل موضوع الخصومة، تمكنهم من بناء الثقة بينهم وبين الأزواج المتخاصمين، بهدف دفعهم للبوح بمشاكلهم الحقيقية المتصلة بالنزاع وطرحها دون خوف أو توجس، وعلى ضوئها يستطيع القضاة إيجاد مخارج لحل مرضي للطرفين، بعيدا عن (هيبة القضاء) التي تدفع الزوجين إلى التكتم عن مشاكلهم الحقيقية والاكتفاء بطرح ما يخدم كفتيهما ولو بالكذب والافتراء".

مجموع المشاهدات: 5193 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة