السلطات تتحرك لفك العزلة وضمان الخدمات الأساسية في إقليم ميدلت

الجماهير التطوانية ترد بسخرية على "هاتو المغرب" بعد التتويج بكأس العرب

فرحة المغاربة بالتتويج بكأس العرب وسط مدينة وجدة

النشاط هاهو شاط.. مراكش تخرج كعادتها للاحتفال بانتصار الأسود

ليلة بيضاء بالدار البيضاء احتفالًا بتتويج أبناء السكتيوي بلقب كأس العرب

خروج ساكنة وزان للاحتفال بتتويج كتيبة السكتيوي أبطالا للعرب

إسبانيا ودرس الانتقال من الحرب الأهلية إلى الديمقراطية

إسبانيا ودرس الانتقال من الحرب الأهلية إلى الديمقراطية

بقلم: عادل بن حمزة

عاشت إسبانيا واحدة من أسوء الحروب الأهلية في العالم، وتحتضن إلى اليوم أكبر عدد من المقابر الجماعية الموثقة والتي تفوق 23 ألف، تلك المقابر شاهدة على حرب مدمرة عاشت البلاد بعد نهايتها في ظل ديكتاتورية عسكرية قاسية بقيادة زعيم القوميين الجنرال فرانكو، ورغم ما خلفته الحرب من آثار إقتصادية واجتماعية صعبة فإن إسبانيا مع ذلك، عرفت الوصفة السحرية للتخلص من الفقر والتخلف والحروب، وكانت الوصفة باختصار هي الديمقراطية..رغم خصوصية التجربة فإنها يمكن أن تكون قصة ملهمة خاصة بالنسبة لدول من الشرق الأوسط وأفريقيا عاشت تجربة الحرب الأهلية أو لازالت غارقة في أتونها. 

الانتقال الديمقراطي في إسبانيا يعتبر واحدا من التجارب المدهشة والناجحة في نفس الوقت، ورغم المحاولة الانقلابية على التجربة بداية الثمانيات من القرن الماضي، فإن توافق القوى السياسية ومصداقية المؤسسة الملكية، كانا حاجزا أمام مشاريع النكوص، إسبانيا أيضا استطاعت في سياق تدابير الانتقال الديمقراطي، أن تستوعب النزعة المناطقية/الجهوية بنفسها الانفصالي، وكان الحل هو تمكين جميع الجهات من حكم ذاتي حقيقي، وحتى عندما تعاظمت النزعة الانفصالية في كتالونيا لأسباب إقتصادية بالدرجة الأولى، فقد كان الدستور هو الفيصل وسند الشرعية التي تمثلها الحكومة المركزية في مدريد، فرغم التوترات التي عرفتها منطقة كتالونيا بمناسبة الاستفتاء الشهير الذي أجري من أجل استقلال الإقليم، فإن الدولة نجحت في بسط نفوذها وسيطرتها، بينما لو واجهت دولة أخرى مثل ذلك التحدي، لكانت مقدمة لحرب أهلية جديدة أو للانقسام. يبقى السؤال هو لماذا نجحت إسبانيا؟ والإجابة ببساطة لأنها تقوم على نظام قوي يتمتع بالشرعية والمشروعية. 

استأثرت تجربة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا باهتمام السياسيين والأكاديميين من مختلف دول العالم، وتحولت إلى موضوع بحوث أكاديمية خاصة في علم السياسة وعلم الانتقال الديمقراطي، كما تحولت لدى كثير من الفاعلين السياسيين في الدول التي تعرف تعثرا في بناء الديمقراطية، إلى براديغم مثالي يسعون إلى تطبيقه في بلدانهم، وقد شكل "الربيع العربي" فرصة لاستحضار التجربة الإسبانية في سياق المرحلة الانتقالية التي عرفتها كل من تونس ومصر و ليبيا، كما أن التجربة الاسبانية كانت ملهمة للتحولات التي عرفتها أوربا الشرقية بعد انهيار جدار برلين، وشكلت نموذجا لتجارب الانتقال في أمريكا الجنوبية، ويمكنها أن تكون مفيدة أيضا في سياق ما تعرفه سوريا واليمن والسودان. 

 سعى مسلسل الانتقال الديمقراطي في إسبانيا من جهة إلى تحديث الدولة وهي تتجه نحول المستقبل وادماجها في أوربا وتحقيق التنمية الاقتصادية، ومن جهة أخرى إغلاق التاريخ الأسود للبلد متمثلا في الحرب الأهلية وتركتها التي قسمت البلاد في ظل أربعين سنة من حكم الديكتاتور فرانكو. من زاوية النظر هاته يمكن القول أن الانتقال الديمقراطي شكل مصدرا لشرعية النظام السياسي الاسباني ولتحديث الدولة الاسبانية وللازدهار الذي تعرفه. لقد امتدت التجربة الاسبانية في الانتقال من سنة 1975 تاريخ وفاة فرانكو إلى سنة 1982 التي تحقق فيها التناوب السياسي بعد وصول الحزب الاشتراكي(PSOE) بزعامة فليبي غونزاليس (1974-1997)إلى الحكم  على إثر فوزه بالانتخابات معلنا عودة الاشتراكيين إلى السلطة بعد غيابهم عنها منذ الجمهورية الاسبانية الثانية، مرورا بسنة 1978 التي اتسمت مفاوضاتها باعتدال جميع الأطراف وهو ما مكنها من التوافق على الدستور الذي أقر دولة الجهات، وقطع مع مخلفات الحرب الأهلية ومرحلة الحكم الديكتاتوري، وبصفة خاصة بعد فشل المحاولة الانقلابية في 23 شباط/فبراير 1981 التي أعلنت موت آخر قلاع مقاومة التغيير الديمقراطي من بقايا عهد فرانكو، علما أن هناك من يتحدث عن محاولات انقلابية غير تلك المحاولة، بل يمكن القول أن التجربة الاسبانية أثبتت نجاحها بصفة كاملة عندما خسر الحزب الاشتراكي انتخابات سنة 1996 التي فاز فيها الحزب الشعبي (PP) المحسوب تقليديا على إرث فرانكو، بزعامة خوسي ماريا أثنار.

يقول دون طوركواتو فيرنانديث ميراندا رئيس الكورتيس ومربي الملك خوان كارلوس، إنه "سهل الأمر على تلميذه، الذي وضعت الأقدار في يده فرصة التصرف في مصير إسبانيا، بأن أفتى له بأنه إذا كانت مبادئ "الموفيمينتو" قانونا، فإن القانون يتم تغييره بقانون غيره" وباستيعاب هذه المقولة سقطت تفاحة نيوتن وأقبل الملك على سن قوانين جديدة استنادا إلى شرعية القوانين التي أقامها فرانكو، فعملية الانتقال الديمقراطي بإسبانيا هي عملية سياسية متناقضة إلى حد ما، لأنه يوجد نوع من الفارق أو الاختلاف بين الشكل الذي تحققت به ومحتوى هذه العملية في حد ذاتها وذلك لأن الآليات المؤسسية التي غيرت الدولة الاسبانية احترمت من حيث الشكل أسس الشرعية التي قام عليها نظام فرانكو. ومع ذلك، إذا اعتمدنا الإصلاحات كمرجع، فإنه لا يمكننا الحديث عن تغيير النظام السياسي، بل عن تحول كلي في القواعد الأيديولوجية والهياكل التي تقوم عليها مؤسسات الدولة، لذلك من الضروري الانتباه إلى جوانب معينة من تلك العملية خاصة:

- ضرورتها، لأن النظام السياسي السابق لم يتكيف مع حاجيات مجتمع خضع لتغييرات عميقة، ولأن قادة ما بعد فرانكو، وبصفة خاصة الملك، كانوا بحاجة إلى شرعية ديمقراطية يفتقرون إليها. 

- كانت مطلبا مجتمعيا، فالاحتجاج الاجتماعي ضد النظام الديكتاتوري كان قويا، إذ فشلت الآليات القمعية في السيطرة على مجتمع يتغير ويتطور.

- طابعها التفاوضي، لأنها كانت ثمرة نقاش جمع بين مختلف قوى نظام فرانكو وقوى المعارضة الديمقراطية، توج بالموافقة على النص الدستوري. 

التجربة الإسبانية تثبت أنه ليس بالضرورة أن تقوم عملية الانتقال نحو الديمقراطية وفق قواعد اللعبة الصفرية بمعنى الفائز يكسب كل شيء والخاسر يخرج خاوي الوفاض، بل وفق نموذج يحافظ على بنيات الدولة وضمان حق الجميع في التعبير عن الرأي وامتلاك نفس الحظوظ للوصول إلى السلطة، ويبدو أن كثيرا من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة إلى هذا الدرس...


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات