أخبارنا المغربية – عبد الإله بوسحابة
مرة أخرى، وجد الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" نفسه في مواجهة موجة سخرية واسعة بسبب مواقفه المتناقضة وإصراره على اللعب على الحبلين في ملف الصحراء. ففي الوقت الذي يرفع فيه شعارات الدفاع عن "حق تقرير المصير" لما يسميه بـ"الشعب الصحراوي" ويمد له يد الدعم المالي والسياسي والعسكري، يواصل في الداخل فرض قيود صارمة على أي مطالب مماثلة من قبل القبائل أو الحركات المحلية، مع تسجيل محاكمات انتقامية ضد من يجرؤ على رفع صوت مطالبه بالاستقلال أو الحكم الذاتي.
ففي أول تعليق له عقب صدور الورقة الأمريكية حول الصحراء، جدد الرئيس "تبون" التأكيد على موقف بلاده المعلن بشأن دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مشددًا على أن الاستفتاء هو "الآلية الديمقراطية الوحيدة" لتمكينه من اختيار مستقبله بحرية. كما شدد على أن الجزائر "لن تكون صحراوية أكثر من الصحراويين أنفسهم"، وأن موقفها يستند إلى احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
لكن المراقبين يشيرون إلى ازدواجية صارخة في هذا الموقف عند مقارنته بتعامل الجزائر مع مطالب تقرير المصير داخل أراضيها. فالنظام يمنح "البوليساريو" كل أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي لمواجهة المغرب، بينما يقمع أي حركة محلية أو قبائلية تطالب بحق تقرير المصير، ويعرض ناشطيها للملاحقة القضائية والمحاكمات الانتقامية.
وفي رد ساخر على تصريحات تبون، نشر الدكتور "عبد الحق الصنايبي" مقطعًا من خطابه الأخير مرفقًا بتدوينة جاء فيها: "فخامة الزعيم والقائد عبد المجيد تبون يعترف بحق الشعب القبايلي في تقرير مصيره.. ويؤكد بأنه لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تجبر شعبًا على حل هو لا يرضاه ولا يقرره بنفسه.."، وتابع قائلا: "الشعب القبايلي المنتشر واللاجئ في أوروبا لابد وأن ينال حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره.. سواء بالاستقلال عن الجزائر أو الاندماج الحر والكامل في بنية الدولة الجزائرية"، قبل أن يؤكد أنه "لا يمكن مصادرة حق شعب تعداده يفوق العشرة ملايين نسمة وإخضاعه لاحتلال غاشم ظل يقاومه منذ قرون ولم يثبت أن الاحتلال التركي أو الفرنسي مارسا سيادة فعلية على هذا الإقليم.. وما ينتهي على باطل فهو باطل".
ويعكس هذا التناقض استراتيجية جزائرية تقوم على استغلال قضايا الخارج لتحقيق مكاسب جيوسياسية، بينما تتحكم الدولة بقوة في الداخل لمنع أي تهديد لوحدتها الترابية والسياسية. وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام الجزائر بالمبادئ الحقوقية التي تدّعي الدفاع عنها على المستوى الدولي، ويكشف أن "حق تقرير المصير" يُطبّق انتقائيًا وفق مصالحها وليس وفق معايير حقوقية ثابتة.
في المحصلة، يبقى موقف الجزائر فيما يتعلق بملف الصحراء مثالًا واضحًا على ازدواجية السياسات: دعم الحركات الانفصالية في الخارج، ورفض أي حق مماثل للشعوب داخل الحدود الوطنية، ما يجعل مواقفها محل شك وانتقاد واسع على الساحة الدولية.
