الرئيسية | أقلام حرة | سؤال التعبئة التنويرية زمن المحافظة والميل إلى التطرف‼

سؤال التعبئة التنويرية زمن المحافظة والميل إلى التطرف‼

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
سؤال التعبئة التنويرية زمن المحافظة والميل إلى التطرف‼
 

 

سألني أحد أصدقائي عن الميل المتزايد لعدد كبير من الأطفال والشباب إلى اللهو، وإلى المبالغة في العزلة في المساجد و"المجالس المغلقة"، وتفضيل الجلوس في المقاهي، والتهرب من قهر النفس في المراجعة وإعداد الواجبات المدرسية والتربية على النضال في المجتمع، والاهتمام بأجيال الغد........ إلخ، وبعد فترة قصيرة من الصمت، أثرت انتباهه إلى كون دوافع سؤاله بلا شك أساسها استحضار فترات مرجعية سياسية وثقافية تفرض اليوم على الأذهان هذا النوع من الأسئلة، وكأن الأمر يتعلق بدعوة إلى المقارنة بين زمن ولى وزمن جديد بمعالم جديدة . وبما أنني في فترة تأمل، جعلتني أبتعد مؤقتا عن المناقشة والكتابة، وبما أن هذا الصديق عزيز علي، وأخاف أن يؤاخذني عن صمتي، حكيت له حالة من الحالات المقلقة، لعلها تشكل له جوابا شافيا عن سؤاله.

في الزمن، الذي أعتبره جميلا، ولو كان هذا الحكم خاطئا، حضرت نشاطا في إحدى المدارس الابتدائية بمدينة سيدي سليمان، نشطه أطفال من تلامذة تلك المؤسسة التعليمية. وبرز أحد الأطفال، وصفق له الحضور كثيرا بعد انتهائه من تقديم أغنية جميلة من فن "الراي". ومرت الأيام والسنوات بسرعة، وأنا جالس مع أحد الّأصدقاء في إحدى المقاهي بنفس المدينة، مر أمامي ذلك الطفل، الذي أصبح شابا، وهو ينادي "جوارب جيدة ورخيصة للبيع" (بالدارجة)، ويردد هذه العبارة بصوت أصبح أكثر جاذبية، فناديته ودعوته للاقتراب وسألته : "صوتك أصبح أكثر عذوبة، هل تتذكر حفل المدرسة الذي أديت فيه أغنية جميلة صفق لها الحضور بحرارة"، فكان جوابه مخيبا للآمال حيث قال: "يا أستاذّ‼، الغناء حرام‼...". وأضفت قائلا لصديقي: "سأكون معك صادقا، بعد ذلك الحفل الجميل، انتابني نوع من الشعور ببداية ابتعاد النخب المناضلة والمثقفة عن المجتمع، وبدأ مسلسل تقليص حضورها في المنابر المؤطرة والمعبئة لطاقات الأطفال والشباب في مدينتا،... كما تبين لي بعد ذلك أن هذه الظاهرة لا تتعلق فقط بمدينة سيدي سليمان، بل هي وضعية عامة... كما بدأت أشعر مع مرور الوقت بظهور ما يسمى تعسفا "بالمشاريع الذاتية"، وبداية ضعف المشاركة التطوعية في "المشاريع المجتمعية"، وبدأت ألمس أكثر في كلام العديد من الناس غياب الحديث عن التطوع ليحل محله "التموقع"، أي المشاريع الشخصية أو المبادرات المأجورة.....". وختمت تفاعلي مع صديقي بعبارات تعمدت توجيهها له في آخر كلامي: "بعدما كان يؤدي المغاربة واجبهم في المعمل والحقل والمحل المهني ودار الشباب والإدارة والمدرسة والجمعية والحزب والجامعة والمعهد .... كانوا يعتبرون كلهم المسجد بيت الله المفتوح أمام المغاربة بدون استثناء لممارسة العبادة والتقرب إلى الخالق (مشروع شخصي عقائدي) في أوقات الصلاة والأعياد الدينية. فبعد التعب وقهر النفس في العمل الجاد المثمر كانوا يلجأ أغلبهم إلى المسجد لتقديم الشكر لله عز وجل على نعمه ودعمه ومساندته لهم وإعانتهم على بذل مزيد من الجهد وتحقيق النجاح المأمول .... فبعدما كانوا الناس يصوتون في الانتخابات على الأفكار والنضال في الأحزاب والجمعيات والعمل الجاد في دور الشباب ودور الثقافة والجماعة الترابية والبرلمان...، أصبحوا يصوتون أكثر على مريدي المساجد وخطبائه، ليتحول هذا المكان المقدس إلى مكان للتعبئة السياسية وتوجيه الرسائل المؤثرة من جانب واحد، وغياب النقاش.... إنه المكان الذي عبئ فيه ذلك الطفل الفنان، صاحب الصوت العذب، إلى درجة أصبح يعتبر الغناء حراما.... وتم الابتعاد شيئا فشيئا عن المقرات الحزبية والجمعوية ودور الشباب في مجال التعبئة المجتمعية.... ليحل محلها الفراغ... ليتحول المسجد إلى الملاذ الأقرب إلى النفوس المحبطة، والقريب من المنازل والمقاهي.....، بعدما كان أكثر ارتباطا بأماكن العمل والتعب".

مجموع المشاهدات: 984 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة