جواد مبروكي
أنت بهائي، أنت مسلم، أنت مسيحي، أنت يهودي، أنت بوذي، أنت هندوسي وأنت "لا ديني"، لا فرق بينكم جميعاً إلا بِأعمالكم الصالحة في خدمة المجتمع والوطن والإنسانية. كن ما شئت في اعتقادك وإيمانك ودينك، ومن بعد، نعم ومن بعد!
لم يكن أبدا المشكل في الدّين لأن كل الديانات منزهة عن معتنقيها وتدعو إلى نفس المبادئ وتنظر إلى اتجاه واحد وأهدافها نبيلة. المشكل يكمن في شخصية المغربي التي تعاني من عدد كبير من الاضطرابات وتجعله يتاجر ويستغل دينه مثل "شي ماركة مسجلة" وهدفه "باشْ يْبانْ أحسن من الآخر"!
لا يهمني كمواطن مغربي ديانتك قدر ما يهمني تحويلك إلى مواطن في أرضية العمل الاجتماعي، مواطن يحب أبناء شعبه بالسعي في الأعمال المفيدة وليس مثل صنبور الأقوال على المنابر، واللقاءات الدراسية التي تبدأ بالكلام الرنان وتنتهي بالركود، والجلسات الدعائية والاجتماعات العقيمة!
فأنت تضر أكثر مما تنفع حينما تستعمل دينك كدرع لتغييب مساهمتك في خدمة المجتمع بالأعمال والمرافقة لبني جنسك وأعتبرك من "صُنّاع الأديان" لأن الدّين التي تتعامل به هو من صُنعك الخاص أما دينك الحقيقي فهو بريء من سلوكك.
الهم الوحيد لأتباع كل ديّانة هو الحفاظ على صورة دينهم بمنطق تسويقي "الماركيتينغ" والافتخار بمبادئه وتعاليمه وبأنه أحسن الأديان وآخرهم وهو الدّين الوحيد الذي له حلول سحرية لـكل مشاكل المجتمع. صدقوني أتأسف كل الأسف لأن "الدّين يُقاس بِواقع الأعمال وليس بتسويق الأقوال"!
وإذا كان تسويقكم هذا هائلاً لهذه الدرجة فأين آثاره عليكم وعلى عائلاتكم وأحيائكم ومدنكم وأوطانكم؟ "سْمْحولي هِ كَتْكْدْبو عْلينا وْ عْلى راسْكُم، مَكْنْشوفْشْ الحْسّْ دْيالْ الأقوال دْيالكُمْ، بالعكس كَنْشوفْ هِ العداوة والنزاعات بيناتكم في عائلاتكم وْ مْعَ خُّوتْكمْ وْمْعَ الأتباع دْيالْ دينكم"!
الواقع مرّ جداً، أتباع كل دين يتقاسمون نفس النماذج: الصراعات، المنافسة، الحسد والإدمان على مخدر الغيبة والنميمة وقلة الأعمال النافعة وتجارة الأقوال بِمنطق الترويج "البروموسيون".
فإذا كان هؤلاء التجار بالأحرى غير قادرين على تغيير حياتهم وعلاقاتهم وتحقيق الوحدة والمحبة فيما بينهم فكيف لهم أن يغيروا مجتمعهم ويخدمونه؟
لما أرى أتباع أي دين كان، يُسوّقون محاسن دينهم بشكل دعائي "بوبْلِسيتي" ويفتخرون بمنتوجهم الدّيني، أدرك أنهم بعيدون عن مفهوم الدّين الذي هو الأعمال وليس مجرد أقوال! فليس هناك دين واحد يدعوا أتباعه للافتخار بدينهم قدر ما يدعوهم للأعمال الصالحة. إن الدّين لا حاجة له للدعاية، أما ما يبيعه المغربي من دين، فهو من صنعه الخاص وهو بحاجة لـِ الإشهار "البوبلسيتي" لتسويقه.
و هكذا يفتح المغربي دكاكين تجارة الأديان ثم يمر إلى مرحلة طلب الاعتراف من الدولة بمنتوجه الدّيني. هل الأهم هو الاعتراف بالدّين أم القيام على خدمة المجتمع؟ هل الأهم أن نجد إنتاج الخضر في الأسواق (كدليل على العمل الميداني للفلاح) أم الأهم هي ورشاته التكوينية؟ هل نعترف بالفلاح من خلال منتوجه الخضري أم من خلال أقواله على المنابر؟
هل يهمنا الاعتراف بالأديان أم يهمنا أعمال أتباع كل الديانات؟ أين هي انجازات كل هؤلاء الأتباع على أرض الواقع؟ لما نرى ما يقع في الشوارع وفي البيوت ومن نزاعات بين العائلات والجيران وحتى بين أهل كل دين، أتساءل أين أنتم يا تُجار الأديان، أين هي ترجمة مبيعاتكم في ميدان الأعمال؟
فلو كان المغربي ناضجاً عاطفيا وذهنيا لأظهر منتوجه الدّيني (أي دينٍ كان) في أعماله الصالحة متجردا ومنقطعا عن الألقاب الدّينية ويقتدي بمسالك كل الأنبياء والباحثين في العلوم الذين كانوا يمتازون بأعمالهم أولا قبل أقوالهم و ألقابهم بدون أن تكون غايتهم التكسب و تحقيق المنافع الشخصية الضيقة. بل كانت أعمالهم الصالحة وآثارهم الطاهرة هي الأصل في الاعتراف بهم!
إن المؤمن هو من يخدم مجتمعه ليلاً ونهاراً بدون أن نعرف لقبه الدّيني بل لا يرى أهمية التصريح به أو المزايدة به على الآخرين!
المؤمن هو الذي يُجيدُ لغة الأعمال وليس كلام اللسان ويرفض تسويق الأديان!
