رضوان بنصار
ها نحن أشرفنا على إسدال الستار عن التجربة البرشلونية – أي تجربة الغربة – التي شكلت لي دفعة قوية، حيث وضعتني على محك حقيقي ،في مواجهة مطبات الحياة وتحدياتها الكبرى، المتمثلة في البحث عن عمل قار، أو شبه قار، في موطني الأصلي ، يساعدني على تكوين أسرة ، والانخراط بذلك في الحياة العامة، دون أن أمنح فرصة لمخيلتي استحضار اللحظة التي قررت فيها طي صفحة تلك التجربة، التي كان بإمكانها أن تعرف مسارا آخر ، لولا مروري بظروف عصيبة جعلتني أُسَلِّمُ بطاقة إقامتي الاسبانية للجهات الرسمية عن طيب خاطر ، وبقناعات مفادها، أن الحياة إجمالا، لا تساوي جناح بعوضة عند خالق هذا الكون، وأن الحياة تجارب ، لا ينبغي الاستسلام لنائبات الدهر ،أو نسلم بأن فشل أي تجربة في الحياة، يعني بالضرورة سقوط وانكسار، ولكن الجميل فيها ، وهذا بطبيعة الحال يبقى رهين الاستعداد النفسي لكل شخص ، أن يستخلص كل واحد منا الدروس والعبر من تجارب الحياة ، ولاسيما السلبي منها ، إلا أن العيب هو أن يستسلم المرء في أول سقوط أو تعثر له في أية تجربة يقدم عليها ، أو يكرر نفس الخطأ الذي وقع فيه مرات عدة، إذ كان علي مواجهة تبعات العودة إلى أرض الوطن ، بكل ثقة في النفس ، ورغبة أكيدة لتحقيق تلك الأهداف والغايات التي أفصحت عنها في البداية ، ففي يناير من سنة ألفين وستة كان لي موعد مع أسرتي لأحيي معها مناسبة دينية والمتمثلة في عيد الأضحى الكريم، وفي نفس الوقت لأطمئن والدتي بأن الأمور كلها على ما يرام هناك في بلاد الغربة، رغم أنني كنت أخفي الوجه الحقيقي للوضعية العامة التي كنت عليها حينها ، ومع ذلك كنت أتظاهر بأنني أتمتع بصحة جيدة ، ولدي عائدات مالية مهمة ، إلا أن أمي كانت ترى في عيني عكس ما أدعيه ، وهذا راجع إلى ما راودها في حلمها ، وكأنه إخبار رباني يطلعها على مروري بظروف مهنية وصحية صعبة ، وهذا ما حصل بعد أيام من زيارة أسرتي ، حيث باغتني ألم فظيع هز كياني، وشل حركتي تماما، ما جعلني أستسلم للأمر الواقع، بأن حُملت على وجه السرعة إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة ، فبعد أن تم تشخيص حالتي الحرجة من طرف طبيب مختص ، فرض علي هذا الأخير بأن أخبر عائلتي، أن حالتي الصحية تستدعي إجراء عملية جراحية مستعجلة على أسفل فقرات عمودي الفقري، حينها تحقق حلم والدتي، الذي أفصحت عنه فيما بعد ، بأن رأت في منامها أن أحدا يحملني على وجه السرعة إلى إحدى المصحات ، بالإضافة إلى إجرائي عملية جراحية بالقرب منها، فكانت هي من تكلفت بإسعافي وتضميد جراحي ، وبهذه المناسبة أشكر إخوتي جميعا على الدعم المعنوي والمادي الذي قدموه لي لاجتياز هذه المرحلة الصعبة من حياتي، فشاءت الأقدار أن أشفى تماما من هذه الوعكة الصحية التي ألمت بي ،وأنا شاب في مقتبل العمر، فما كان لي إلا أن عدت إلى الديار الإسبانية لأجمع أغراضي كلها ، بحيث كان صعبا علي أن أستمر هناك وعمودي الفقري لم يعد يستحمل أي ضغط كيفما كان ، وخصوصا حمل الأثقال، إذ كان الطبيب المشرف على حالتي الصحية ، يؤكد لي أن حمل الأثقال ممنوع علي منعا كليا ، وهذا ما كان يتنافى مع ما تتطلبه الغربة من قوة عضلية واستعداد نفسي لمواجهتها، فكان دخولي إلى بلدي الأم يوم ثلاثين يونيو من نفس السنة، أي ألفين وستة، لأخط بعد ذلك مسارا آخر لحياتي بعد أن استرجعت عافيتي ،وفي نفس الوقت هدأت من روع أمي ، التي استبشرت خيرا بعد أن حسمت في مسألة الغربة بصفة نهائية، كما أنني نلت من رضاها ، فكان التوفيق حليفي في كل خطوة أخطوها في حياتي المهنية ، إذ حاولت في البداية أن أبحث عن فرصة عمل تعيد لي حيويتي وكينونتي ، حتى وإن مارست مهنا لا علاقة لها بالتخصص العلمي الذي كرست شبابي من أجل تحصيله ، وهذا ما
حصل، إذ سرعان ما أتيحت لي فرصة تسيير مخدع هاتفي بحي المصلى، وفي نفس الوقت ، كانت لي فرصة متابعة دراستي العليا بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، ويرجع الفضل في إتاحتي فرصة إتمام مساري العلمي، بعد الله سبحانه وتعالى وأسرتي الكريمة،إلى الأخ والصديق صاحب ذاك المحل التجاري، الذي كان يشجعني ويوافق على غيابي من أجل تسجيل حضوري بحلقات الدرس الجامعي، وظللت على هذا الحال إلى أن التحقت بمهنة كنت أعشقها منذ الطفولة، وهي التدريس ، إلى أن تطور مساري المهني والأسري من حسن إلى أحسن ، بفضل الرعاية الربانية ، و رضا الوالدة، فمن الناحية المهنية صرت مسؤولا إداريا بإحدى المؤسسات التعليمية، ومن الناحية الأسرية ، تمكنت من تأسيس أسرة تتكون من أربعة أفراد ، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وفي الختام أعيد تكرار الآية الكريمة التي أعتبرها منهاجي في الحياة وخلاصي ، دينيا ودنيويا، )) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب (( ، سورة الطلاق .
