محسن زردان
أسود الأطلس، انقرضت منذ زمن بعيد، ولم يعد زئيرها يصدح في أعالي الجبال، غير أننا استعرنا لقبها لمنتخب كرة القدم سعيا لاسترجاع وهم مجد ضائع، يمكن أن ينطبق ذلك على ملف تنظيم كأس العالم، وهو مسلسل ممتد الحلقات، تخطت حلقته الرابعة، ليصل للحلقة الخامسة التي يقدم المغرب أوراق اعتماده مرة أخرى، دون كلل ولا ملل لتنظيم منافسات تلك الكأس في أفق سنة 2026، لعله في هذه المرة يضفر بتنظيمها، ويتناسى إخفاقاته المتتالية في المرات الأربعة الفائتة.
هذه الإخفاقات المتتالية، صارت تعطي الانطباع بأننا نعيش أمام أسطورة يونانية، نعتقد بأنها ستتحقق، ولكنها تأبى أن تتجسد على أرض الواقع، وكأن سيزيف يستبدل الصخرة بالكرة التي يحملها من دون إيصالها للقمة، لكونها في كل مرة تسقط وتتدحرج أسفل الجبل، وهنا هل الأمر يعود إلى رفضنا لرؤية الواقع على حقيقته، لكي ندرك حجمنا الحقيقي على رقعة الساحة الدولية، وأننا مازلنا بعيدين كل البعد عن تنظيم منافسات من هذا الحجم، أم أن ذلك تعبير عن طموح دولة أفريقية في طريق النمو، وحلم قارة، تسعى إلى رفع تحديات التنمية، وبالتالي إيمانها بقدرتها على النجاح في تنظيم تلك التظاهرة، التي للإشارة ستكون مطالبة باستقبال 48 فريق.
فقه الواقع، يخبرنا بأن ميزان القوة هو الفيصل الحاسم على الساحة الدولية، وبالتالي فمن الصعوبة بما كان أن تواجه دولا عملاقة لها مكانتها على الصعيد الدولي، بل حتى أننا ما زلنا نتلقى منها المساعدات المالية، كدول مانحة، من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فما بالك أن نقارعها على تنظيم تظاهرات عالمية ضخمة.
قد نكون لسنا في حاجة، إلى المزيد من الإحراج، خصوصا إذا ازدادت قناعتنا بأن حظوظنا ستكون ضئيلة في مواجهة منافسينا الأقوياء، كما أننا لسنا في حاجة إلى سماع كلمات أو تصريحات، قد تغضبنا، وتحزننا وتزيد من حسرتنا، ونحن نعلم أن من بين منافسينا دونالد ترامب، رئيس أمريكا، فدولته مرشحة بدورها، ومعروف بلسانه وتصريحاته المثيرة للجدل، كان أشهرها، تصريحاته الاستعلائية والمسيئة لبعض مواطني الدول الأفريقية، ماذا لو طرح عليه سؤال صحفي، عن رأيه في المغرب الأفريقي كمنافس لدولته في تنظيم كأس العالم، قد لا ندري بماذا سيجيب، لكنه في أحيان كثيرة يكون وفيا لقناعاته، وقد يقول ما لا يرضى عنه الجميع.
لا ننسى كيف أطيح بجزيف بلاتر الرئيس السابق للفيفا، ومن أطاح به، إنها الولايات المتحدة الأمريكية يا سادة، فهي التي قامت بتحريك آلتها الإعلامية الضخمة والمؤثرة، من أجل فتح التحقيقات في عمليات الفساد التي تورط فيها أعضاء من مسيري الفيفا، لذلك فمن الصعب على رئاسة الجامعة الدولية لكرة القدم، أن تغضب أمريكا، لأن ذلك سيكون عنوان لبداية نهاية من يقود دفتها.
هي الحيرة إذن، أن نُصِرَّ في مرات عدة على تقديم ترشيحنا لتنظيم منافسات كأس العالم لكرة القدم، على الرغم من علمنا بكون حظوظنا ضعيفة، و الخسارة ستكون لا محالة من نصيبنا، قد نتساءل هل هذا الأمر راجع لحكمة وبصيرة المسؤولين على هذا الملف، أم لسوء تقدير للأمور، فالخسارة المتتالية لهذا الملف، والاكتفاء بمجرد لعب دور أرنب سباق، تفيد بعدم قدرتنا على الاستفادة من الأخطاء السابقة، وإلى افتقادنا للدعم الدولي الكافي لربح أصوات المصوتين، وهو شيء يضر بصورة المغرب لا محالة.
من جهة أخرى، مسألة تنظيم كأس العالم، هل تعرف توافقا مجتمعيا، يفيد بموافقة أغلب مكونات وشرائح المجتمع، أم أن الأمر هو من اختصاص الدائرة الضيقة للدولة فقط، خصوصا وأن أغلب إن لم نقل جل
الأشخاص المكلفين بالإشراف على حملات التنظيم السابقة والحالية، هم من شريحة الأعيان ورجال الأعمال المعروفين، في غياب تام لشخصيات رياضية لها علاقة بالرياضة، آخرهم وزير في الحكومة الحالية، ولا نعلم كيف يمكنه أن يوازي بين عمله في الفريق الحكومي وسهره على ملفات اقتصادية ثقيلة، وبين التجوال عبر العالم للترويج والتسويق لترشيح المغرب، خاصة وأن عدد المصوتين يفوق مائتي دولة، أما البرلمان فهو أخر من يتدخل في مشروع من قبيل هذا الملف، الذي سيكلف مالية الدولة المليارات، وستكون الدولة مجبرة ببناء الملاعب والتجهيزات والبنيات التحتية الأساسية، على حساب تنمية المناطق والجهات المهمشة، وقد اعترفت الفيفا بعظمة لسانها، عندما صرحت بأن مسألة تنظيم كأس العالم ترهق ميزانيات الدول، كرد فعل على سلسلة احتجاجات المواطنين التي كانت تصاحب تنظيم هذا الكأس في البرازيل.
قد تحمل بعض المشاهد التي تصاحب تنظيم المغرب كأس أفريقيا للاعبين المحلين خلال هذه الأيام، صور تعبر عن مجموعة من المفارقات، من بينها، سوء التنظيم، وصعوبات جمة في اقتناء التذاكر وولوج الملعب، خصوصا بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، حيث ما زالت سلوكيات تفريق التذاكر بالمجان متواصلة، وتسخير كل الوسائل من أجل جلب الناس للملعب مجانا قصد إعطاء صورة للحضور الجماهيري الوازن للدورة هي السائدة، فضلا عن تعرية واقع بناء ملاعب ضخمة، تظل فارغة من الجمهور، حيث تجد الفرق الوطنية صعوبات اللعب على رقعتها، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف استغلالها، وهنا سيطرح تساؤل عريض، كيف يمكن استثمار لبناء ملاعب عملاقة بمناسبة تنظيم كأس العالم، علما أنها بعد التظاهرة ستشكل مشكلا حقيقيا في استغلالها وصيانتها.
قد نبدي تفاؤلا، و نفرض جدلا أننا نجحنا بقدرة قادر، في تنظيم كأس العالم، ألن نرى الشركات الفرنسية والدولية ستتسابق لتنظيم أغلب أطواره و مراحله، في صورة شبيهة بعملية التدبير المفوض، بإشراف أجنبي على أرض مغربية، وهو تدبير يمس حتى عناصر المنتخب الوطني لكرة القدم المؤهلة لكأس العالم لسنة 2018 المنظمة بروسيا، التي في غالبيتها الساحقة مستقدمة من أوروبا، حيث تربت وتلقت تكوينها وتربيتها في حضن فكر وعقلية غربية، وهو أمر ليس القصد منه التشكيك في مغربية أي أحد، بقدر ما يكشف إفلاس المنتوج المغربي المحلي وفقر قدرته على التكوين والإبداع.
في السياق ذاته، ما مدى استفادة الاقتصاد الوطني من هذه التظاهرة؟ إنه لطالما احتضن المغرب على أرضه واستقبل الشركات العالمية العملاقة في صنع السيارات والطائرات، فهل ساهم كل ذلك في تقليص البطالة وتنمية الاقتصاد، بل الأمر بقي على حاله، إن لم نقل أن أزمة البطالة استفحلت حدتها عن السابق.
