زريف عبد العالي
طالعتنا الحكومة في الآونة الأخيرة في سياق الحديث عن إصلاح الإدارة العمومية بالمغرب بوعود و خطابات حول ايلاء عناية كبيرة لشكايات المواطنين في إطار تحسين العلاقة بين الإدارة و المواطن و إعادة الثقة للمواطنين في الجهاز الإداري و إحداث قطيعة مع الممارسات التي أفضت الى أزمة بين الإدارة و المواطن ، و ذلك عبر إصلاح و تحسين نظام التظلمات و الشكايات و توخي النجاعة في التعامل مع شكايات المغاربة .
لكن المتأمل و المطلع على حقيقة الوضع يعرف أن نظام التظلمات و الشكايات بالمغرب نظام فاشل ، و الوعود و الخطابات لم تعد قادرة على تجميل و تلطيف هذا الفشل ، فأكيد أن غالبية المواطنين المغاربة يواجهون مشاكل جمة في إطار احتكاكهم اليومي بالإدارة ، مما ينجم عنها هدر حقوق وكرامة المواطنين ، و يؤدي في كثير من الأحيان الى تفجير الوضع في العديد من المناطق باندلاع الاحتجاجات و خوض أشكال نضالية مختلفة ، كتمظهر لحجم الفساد و اللامسؤولية المستشرية بين المسؤولين و تقاعسهم عن حل مشاكل المواطنين ، و طبعا فان المواطن يسلك جميع القنوات القانونية والمشروعة لحل مشاكله
و لنأخذ على سبيل المثال قطاع الداخلية فلا احد من المسؤولين أو من المواطنين يستطيع أن ينكر أن نسبة كبيرة من المشاكل التي يواجهها المواطن المغربي لها ارتباط بتعامل مسؤولي هذا الجهاز : عمال ،باشاوات ، قواد ، رؤساء دوائر ...، فالمواطن يعتمد مبدأ التدرج في الحلقات الممكن اللجوء إليها لحل مشاكله و عندما يصطدم بتعنت أو تجاهل الحلقات السفلى و الوسطى فانه يلجا الى المصالح المركزية على أمل منه أن تتعامل هذه المصالح بجدية و فاعلية مع شكاياته و تظلماته و هنا يكمن المشكل العويص حيث أن ذلك لا يؤدي إلا الى تعقيد الأمور و ممارسة مزيد من الضغط على المواطن ، بحيث أن المصالح المركزية عندما تتلقى شكاية احد المواطنين فإنها تقوم بإحالتها على عامل الإقليم و هذا الأخير يقوم بتحويلها الى القائد او الباشا و طبعا هؤلاء المسؤولين بما أنهم يكونون طرفا في الموضوع و خصما فانه من الحماقة بما كان ان ننتظر منهم أن يقدموا إجابات تدينهم أو تنصف المواطن صاحب الشكاية ، لان القائد او الباشا أو العامل عندما يختار تجاهل شكايات المواطنين أو الإقدام على خطوة معاكسة لحق المواطن صاحب الشكاية ، فانه لا يفعل ذلك من فراغ بل لأنه يدرك بأن مآل أي شكاية توجه الى المصالح المركزية فسيتم إحالتها عليهم و بالتالي تقديم الإجابات التي تتلائم مع ما يريدون و تحويل المواطن من مظلوم الى ظالم ، و في النهاية فان المصالح المركزية تتعامل مع عناصر الإجابة المحالة عليها من المسؤولين الآخرين على أنها حقيقة مطلقة لا تقبل النقد ، و تعتبر أن المشكل قد تم حله . و هذه هي الاشكالية الرئيسية لما يلي :
- فالمواطن لا يلجأ الى تقديم شكايته الى المصالح المركزية الا بعد استنفاد كل المحاولات على المستويين المحلي و الاقليمي .
- ان المواطن عندما يلجأ الى المصالح المركزية فهو يسعى الى ايجاد حل عادل و منصف لمشكله .
- ان المواطن عندما يلجأ الى المصالح المركزية فانه يمارس الفضح على التعتيم الذي يسعى المسؤولون المحليون و الإقليميون ممارسته في حقه .
- ان المواطن عندما يتوجه بشكايته الى المصالح المركزية فانه يلتمس فتح تحقيق من قبل هذه المصالح في شأن ما يدعيه في شكايته بكل نزاهة و حيادية و إنفاذ القانون .
- ان الاحتجاجات التي تندلع جراء امتناع المسؤولين المحليين و الإقليميين عن حل مشاكل المواطنين و تجاهل مطالبهم هو في الحقيقة إدانة للمسؤولين و ليس للمواطنين .
بالرغم من بعض الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة الحالية من قبيل تخصيص بوابة الكترونية لتلقي شكايات المواطن أو الخدمة الهاتفية ألو إدارتي فان ذلك لا يشكل أية قيمة مضافة و لا يسهم في حل مشاكل المواطنين إزاء الإدارة و لا حتى يتلمس الطريق في أفق تحقيق النجاعة في هذا الموضوع ,بل إن الأمر مجرد تحصيل حاصل . فالشكايات و التظلمات تبقى بدون حلول ، و بالتالي فان كل ما يقال عن تحسين علاقة الإدارة بالمواطنين مجرد بهرجة و جعجعة بلا طحين .
إن تلقي و تتبع و معالجة شكايات و تظلمات المواطنين تقتضي إحداث هيئة خاصة بذلك ، لاسيما فيما يتعلق بوزارة الداخلية و التي بوأها التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط سنة 2016 أولى المراتب التي تم التوصل بشكايات المواطنين بشأنها و ذلك بنسبة 36.7 في المائة . حيث ينبغي أن تحدث هيئة مركزية للشكايات و التظلمات تنبثق عنها لجن إقليمية تتكون من أفراد يشتغلون في مختلف مناطق الإقليم خصوصا في المناطق النائية و التي تتوفر على أراضي جموع و تكون مهمتهم الوحيدة تلقي شكايات و تظلمات المواطنين و إجراء بحث معمق بخصوص كل شكاية كمعاينة الموقع ،استفسار الساكنة ، محاورة صاحب الشكاية ، تم انجاز تقرير، و بعد ذلك تتم مناقشة الموضوع مع السلطة المحلية و تبيان موقفها ، و يتم بعدها انجاز تقرير شامل بكل نزاهة و حيادية مع تضمينه توصيات اللجنة ، فيتم إحالته على الهيئة المركزية التي تتولى الحسم في الموضوع أو إعادة البحث مجددا ، هذا على أن لا يتدخل العمال و رؤساء الأقسام في أشغال اللجن الإقليمية و التي ينبغي أن توضع رهن إشارتها كل الإمكانيات اللازمة لممارسة مهامها ، و يتكون موظفو اللجن الإقليمية من موظفي وزارة الداخلية يتقدمون بطلباتهم للهيئة المركزية المكلفة بالشكايات و التظلمات للعمل ضمن اللجن الإقليمية ، و يبقى من حق كل موظف تقديم الطعن ضد اي موظف أخر يتبين انه اعتمد على الوساطة أو تدخل احد المسؤولين لتعينه ضمن اللجنة الإقليمية او انه يحاول التشويش على أشغال و تقارير اللجن الإقليمية بناء على تعليمات او علاقات مع احد المسؤولين المحليين او الإقليميين .
كما تمنح للجن الإقليمية صلاحية التشاور و التنسيق مع الجمعيات الحقوقية و الاستفادة من خبراتها ، و تقديم تقرير سنوي حول عمل اللجن .في حين تعقد الهيئة المركزية اجتماعات نصف سنوية مع اللجن الإقليمية لتدليل الصعوبات و الوقوف على الأخطاء و استثمار الايجابيات ، على ان تقدم الهيئة المركزية تقريرها السنوي للرأي العام و المنظمات الحقوقية الوطنية و الأجنبية و نشر لوائح تتضمن المعطيات المرجعية للمواطنين الذين تمت معالجة شكاياتهم و فتح باب الطعون .
بالرغم من وجود بعض المؤسسات التي تحاول التعاطي مع شكايات و تظلمات المواطنين كمؤسسة الوسيط كذا منشور الوزير الاول رقم 13/99 بتاريخ 19/05/1999 و لكنها تبقى هي الأخرى بدون جدوى لأنه كما أسلفت الذكر لا معنى لتلقي شكايات المواطنين و توجيهها الى مسؤولين هم مصدر الخلل و الأزمة و التعامل مع إجاباتهم على انها عين الصواب ، بمعنى أن الإشكالية لا تكمن في التوصل بالشكايات بل في معالجتها و إيجاد حلول ناجعة لها ، و هنا تستوقفني إحدى تصريحات رئيس الحكومة و التي أشار فيها الى حزمة من الأرقام بشأن الشكايات التي تمت الإجابة عنها ، و بهذه المناسبة فأنا جد متأكد أن الأرقام التي عبر عنها رئيس الحكومة مغلوطة إذ تتعلق بالشكايات التي وجهت من خلالهم الى المسؤولين و قدمو الإجابات التي تلائمهم و هذا ليس حلا أو معالجة لشكايات المواطنين ، بل تشدق بالمواطنين و تعتيم على معاناتهم من التصرفات اللامسؤولة للمسؤولين ، و التمسك بذلك النوع من العلاقات بين الادارة و المواطن و المطبوعة بالتشدد و الإكراه و الخضوع لسلطة الإدارة التي تفرض عليهم بالتبعية منطقها و اختياراتها و تحدد بطريقة أحادية الجانب أشكال الحوار و التواصل .
طبعا هذا كله لان المواطن المغربي ليس طالب إحسان و ليس خصما و لا عدوا بل هو متعامل مع الإدارة و التي ينبغي أن تصرف خدمتها له على أحسن وجه و فق الحقوق التي خولها له الدستور و المشرع و المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب كما من حق المواطن المغربي تقديم ملاحظاته و مقترحاته بشأن المرافق العمومية بموجب المرسوم رقم 2-17-265 الصادر بتاريخ 29/07/2017 .
لقد أن الأوان لإحداث قطيعة تامة مع تلك الممارسات التي خلفت و لازالت تخلف انطباعا سيئا تجاه الإدارة العمومية و أن الأوان أن يفهم المسؤولون و أن يتخلو عن الوهم الذي عشش في مخيلتهم بأنهم يمتلكون مفاتيح جهاز معقد و متشعب المسالك و الانتشاء بإذلال المواطنين، أن الأوان أن يفهم الجميع أن قوى البناء – المواطنين - لا يمكن أن تستسلم لقوى الهدم و الطغيان – كل مسؤول متعنت -
