الرئيسية | أقلام حرة | منهكون إلى حد لا يطاق

منهكون إلى حد لا يطاق

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
منهكون إلى حد لا يطاق
 

 

لا أحد يستطيع أن يشكّك في أنّنا في هذا الوطن مُنهكون إلى حدّ لا يُطاق، وأنّ مجتمعنا تكالب عليه السّاسة حتى أصبحنا نرى أجسادنا تتحرّك بلا أرواح ،ماتت أرواحنا أو دعنا نقول لقد قتلوا أرواحنا وقتلوا فينا كلّ شيء .

مُنهكون في هذا الوطن والمسؤول المباشر عن ذلك هم أصحاب التعويضات الخياليّة الذين لم يتركوا للبسطاء سوى أمواج البحر التي يأملون فيها خيرا أكثر من الوطن. مُنهكون في هذا الوطن ومن أنهكنا لم يراع فينا إلاّ ولا ذمةً، وهو سائر في طريقه نحو ارتكاب المجازر الجماعية في حقّنا، ولا حياة لمن تنادي.

مُنهكون نحن في هذه البلاد ،أنهكتنا حُكومات كانت قد رفعت شعار مُحاربة الفساد وقطعت على نفسها وعوداً للقيّام بإصلاحات منقطعة النظير فتبيّن في النّهاية أنّ هذه الحكومات قد حاربت الشّعب وأطلقت العنان للمفسدين لاستكمال مسلسل النّهب .

مُنهكون في هذه البلاد أنهكنا نظام طالما يُقدّم نفسه على أنّه المُخلّص الوحيد من الأزمات وطالما يُبدي حرصاً على مصالح الشّعب ولكنّه في الواقع يُبدع في صناعة الأزمات ويحرص أشدّ الحرص على أن يُواصل ما بدأه في انتهاك حقوق المواطن المغربي.

مُنهكون من طرف أجهزة قمعيّة طالما نعتقد أنّها وُجدت لحماية الشّعب، لكنّ الأيّام أظهرت أنّها بمثابة سيف مسلّط على رقاب المغاربة ممّن يُطالبون بالحرّية والكرامة وبالعدالة الاجتماعية، ولنا في حراك الريف وفي جرادة وفي احتجاجات الأساتذة و المُعطّلين خير مثال على ما نقول .

بدل أن تُوفّر الأجهزة الأمنيّة حماية هؤلاء المتظاهرين الذين يعبّرون عن حقوقهم بشكل سلمي، راحت تُجرّب فيهم أنواع العُنف وتُذيقهم كلّ أنواع العذاب.

أيّ أَمنٍ هذا الذي ينتقم منك لمجرد أنَّك طالبت برغيف خُبز أو صرختَ في وجه من سرق أحلامك؟ مُنهكون من طرف الدّكاكين السّياسية التي منذ الاستقلال وهي ترفع شعارات التّغيير وتقدّم عروض التّقدم والازدهار على أنظار الشّعب المقهور، بينما هيّ تبحث عن مَصالحها ومَصالح زُعمائها ،ولنا في تجارب ما يسمى بالأحزاب السياسية المثال الصّارخ لتلك الألاعيب. مُنهكون من طرف معارضة مزيّفة تُظهر حرصاً شديداً على مصالح الشّعب وتُناور ليل نهار من أجل أن تنقضّ على الحكومة ، وعندما تصل إلى مبتغاها يتغيّر لديها مفهوم التّغيير ومفهوم المصلحة العامة ويتغيّر لديها مفهوم سدّة الحكومة، وربّما يتغيّر لديها حتّى مفهوم السياسية بأكملها.

الكلّ الآن يَعلم ما يحدث في المتوسّط من هجرة جماعيّة للمغاربة للوصول إلى أرض الأحلام أوروبا، على الأقل هناك حيث تُحترم إنسانيّةُ الإنسان، لم ينبسوا ببنت شفة ولم يُصرّح إعلامهم بتلك الكوارث التي تقع في عرض البحر، ولم يُكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن هؤلاء الذين يموتون في البرّ والبحر باستثناء الإعلام الأجنبي الذي يُغطّي بشكل يومي محاولات هؤلاء للهروب من الوطن.

لقد تساءلوا ذات يوم بشكل مُحتشم عن الأسباب التي تجعل هؤلاء يُفكّرون في الهجرة، وكان الأجدر بهم أن يطرحوا سؤالاً على الشكل التّالي لماذا قرّر المغاربة أن يموتوا في البحر بدل الموت في بلدانهم ؟

"القطط لا تهرب من دار العرس" كما يقول المثل الشّعبي المغربي، والمغاربة لم يركبوا أمواج البحر وعائلاتهم وأطفالهم ليهربوا من جنّة الفردوس ولا من نعيم الحكومة، ولكن هؤلاء هربوا بعد أن ضاقت بهم الدّنيا بما رَحُبت وبعد أن وجدوا أن لا حلّ لديهم سوى الرحيل. مُنهكون في هذه البلاد بسبب غيّاب القانون وسيّادة قانون الغاب الذي يجعل حقوق من نَهب فوق حقوق من نُهِب ،و حقوق الجلاّد فوق حقوق ضحيته، لأنّ من يُشرّع القوانين و من يسهر على تطبيقها هو نفسه من يَخرقها .

القوانين في بلدي لا يُمكن أن تطال أصحاب النفوذ ولا يمكن للقانون أن يُطبّق على الساسة ولا على من تحمّلُوا المسؤولية، فالقانون يُطبّق على البؤساء وعلى الفقراء.

كم وزيراً تمت محاكمته بسبب الفساد؟ وكم مسؤولاً تمّ الزّجّ به في السّجن في مغرب الديمقراطية لا أحد.

لكن في المقابل كم من مناضل شريف تمت محاكمته واُصدِرت في حقّه أحكام قاسيّة لا لشيء سوى أنّه دافع عن حُقوقه وصرخ في وجه من سرق أحلامه ؟

نعم لقد سرقوا أحلامنا وأحلام أبائنا وهم الآن بصدد الإجهاز على أحلام أبنائنا ولا نبالغ أنّهم قد نجحوا في ذلك.

أنهكوا الشّعب وأثقلوا كاهله ومن بعد ذلك يتساءلون عن سبب تأخُّره وعن سبب هجرته وعن سبب اختياره العيش في أوطان أخرى.

الشّعب المغربي كان يأمل خيراً في الحكومة وذهب معها إلى أبعد حدّ وصبر بما فيه الكفاية لكن هؤلاء قد أنهكوه إلى حد لا يطاق .

فإذا كان هناك من أدمن على الخمر وعلى الأفيون فإنّ في أوطاننا من أدمن على الفساد ، وعلى الثّراء وهناك من أدمن على سرقة أموال الشّعب دون استحياء وكذلك من أدمن أيضاً على تقديم الأوهام للشّعب على طبق من الخيّانة. مُنهكون من طرف من لا يريدون لشمس الدّيمقراطية أن تُشرق في وطننا ،ومُنهكون من طرف من يتحكّمون في مصير أبنائنا .

مجموع المشاهدات: 887 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة