الرئيسية | أقلام حرة | لنواجه كورونا بإنسانيتنا

لنواجه كورونا بإنسانيتنا

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
لنواجه كورونا بإنسانيتنا
 

تواتر الأخبار و تتابعها حول الفيروس المستجد كورونا ، أوجد في الإنسان تبدلا عميقا، جعله يكتشف أن إدراك ماهيته الحقيقية يستلزم إرجاع ذاته إلى سياقها العلائقي- الإجتماعي؛ و منه الإبتعاد عن أنانيته المفرطة التي تدفعه إلى الأخد بمبدأ "أنا و من بعدي الطوفان" كما قالت "السيدة دي بومبادور" للويس السادس عشر عندما أرادت أن ترفع معناوياته فدعته إلى عدم التفكير في عواقب الحرب المهدمة . من هنا فالحرب مع كورونا ، هو صراع مع فيروس كوفيدي لا يرحم و لا يذر، و لا يحترم قواعد الحرب أو القانون الدولي الإنساني، إنه مخلوق سادي يتمتع و يتلذذ بمعاناة وألم ضحاياه، فهو جبان يضرب و يحطم الإنسان من حيث لا يدري.

 

أمام هذا الجبروت و الوضعية الإستثنائية، أوجب على الإنسان أكثر من أي وقت مضى التلاحم و الصمود أمام شراسة هذا الفيروس و المآسي الإنسانية التي سيحملها إلى العالم ، و الناجمة عن غزواته و ضرباته الموجعة. فما سيخلفه حرب كورونا من أضرار على البشرية ، سيكون بمثابة تحدي يلزم معه التسلح بقوة الإرادة لتجاوز تبعاته ، فمن لم يعش الحرب لن يشعر بمدى فظاعتها.الأمر نفسه يحصل معنا في هذه اللحظة في صراعنا مع فيروس يتسارع إنتشاره بدون حدود.

 

ما سينقدنا و يحفظ بقاءنا هو حبنا لذواتنا، و الذي سيمنعنا بالضرورة من إلحاق الأذى بالغير أو رؤية الكائنات الأخرى تتألم كما قال "روسو".لا يمكننا أن نعيش بدون الآخرين، كما أن الآخرين لا يمكنهم العيش بدوننا، فالشعور بالطمأنينة لا يكون إلا في إطار الجماعة.من هذا المنطلق فالدولة و إنسجاما مع مسؤوليتها الأخلاقية و الإنسانية ، قامت بصياغة قرارات تحمل في طياتها أن حفظ البقاء و أمن المواطن فوق كل إعتبار، فأقرت الحجر الصحي، و عملت على تطبيقه و هو ما يضمن الأمن الإجتماعي.

 

إذا أردنا الإنتصار في حربنا ضد كورونا، لسنا مطالبين بإعداد مدافع و إستعمال تكنولوجيا الوسائل،علينا أن ننطلق من ما يميزنا كذوات إنسانية و ما يطبعها من عقل و قيم أخلاقية ؛ فما يهم الحرب و ليس السلاح، أي يلزم إتباع خطوات و إستراتيجيات تجد منطلقها في ما حددته السلطات القانونية و الصحية. فناجتنا لن تتحقق إلا إذا تشبتنا بإنسانيتنا و تبادلنا نظرة إرادة الحياة، فكورونا جعلتنا ندرك أن الوقاية من الوباء يفرض على الجميع و بدون إستثناء التقيد و الإلتزام بقواعد النظافة و العزل الصحي، فخدمة الذات هي خدمة للغير في نفس الوقت.هكذا أصبحنا نعيش غيريتنا في أبعد مداها، فإنتشار هذا الفيروس بلغة البيذاغوجيا ،هو في حد ذاته وضعية مشكلة، جعلتنا نستنتج سؤالا إشكاليا :هل يمكن للأنا أن تعيش بمعزل عن الآخرين؟ لعل مقاربته يقتضي منا ، ليس الوقوف عند أهمية الغير من دونه ، فهذا السؤال يوجهنا بالقوة إلى إنتاج خطاب يتم تجسيده بالفعل في الترابط و التواصل مع الآخرين، لا القطيعة و الإبتعاد عنهم ؛ فالواحد منا في حاجة ماسة لمن ينصت و يشاركه أحاسيسه و يبدد مخاوفه.

 

لا يمكن لإنسانيتنا أن تكتمل و تهزم الوباء، إلا إذا أعدنا الإعتبار للعلاقات الإجتماعية التي ينبغي أن تكون صافية،إرادية و أخلاقية، سامية و هادفة، أساسها أن كل واحد منا ذات مستقلة متميزة لكنها تحمل الآخر في وجودها، فالإنكفاء على الذات، سيؤدي إلى ضياع الذات و الآخرين.

 

 

ضرورة التضامن و التآزر قناعة توصل إليها "ميشيل تورنيي" فعبر عنها قائلا:« لقد توصلت الآن إلى قناعة مفادها ، أن الأرض التي عليها تطأ قدمي تحتاج كي لا تهتز ، إلى آخرين غيري ليعمروها.إن الحصن الأكثر أمانا ضد الوهم البصري ، و ضد الإستيهامات، و ضد حلم اليقظة ، و الهذيان ، و اضطراب السمع....هو أخونا ، و جارنا ، و صديقنا أو عدونا مهما كان هذا الغير».

مجموع المشاهدات: 581 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة