سعيد المودني
قال الراوي، والعهدة عليه: هناك في بلدان ما وراء الطبيعة، وبعد طول تفكير، واستحضارا للمصير بين يدي الخبير البصير الجبار القدير، وإمعانا في مطالعة أخبار من مضى من الحكام ومنازل أخيَرهم بين الأنام، ورغبة في تبوء منزلة بين "أخلدهم" في التاريخ، وسعيا لإطفاء نار الغيرة المتقدة في الجوف على بلاد لها "تاريخ" دون حضارة: يتجاوز عمرُها الزمني عمرَها الحضاري بسنوات ضوئية، واقتناعا بانتفاء الحاجة المادية ولا القيمية لأساليب الحكم المنقرضة هذه،، قرر الحاكم "التوبة" وإعادة الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أهلها.. فقرر الاهتمام بشؤون مواطنيه بدل الاهتمام بمضاربات شركاته، بل وقرر عدم الخوض في التجارة والمعاملات أصلا لتضارب المهمتين، وقرر التصريح براتبه وجعله "معقولا" بحيث يساوي أدنى راتب ضرب 100، وقرر أن يكون أداء أجر كل خدمه ومن لا يستفيد من خدمته إلا هو، أن يكون أجرهم من دخله وحر ماله، وعليه فقد احتفظ فقط بمن كان منهم ضروريا، وقرر ألا يضيف أي دخل -غير الأجرة الشهرية القارة- تحت أي مسمى آخر، فلا امتيازات ولا تعويضات...
وقرر التنازل عن كل ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب، وذلك حتى يتم توفير ما يصرف عليها،، بل ويتم استرداد قيمتها لخزينة البلاد..
وقرر خفض أجور كبار "المسؤولين" ورفع أجور "صغار" المستخدمين، بحيث يساوي أعلى أجر أدنى أجر ضرب 50،، مع حذف أي دخل آخر غير الأجر النظامي القار، معتمدا في بقائه على شعبيته المستحقة وليس على قوة ومكر وتجسس الجيوش "الأمنية" العلنية والسرية..
وقرر استئصال أي ريع في التعامل أو الدخل، بحيث لا يُحدث مصدر دخل إلا بناء على مساطر مفتوحة في وجه الجميع..
وواجه المعترضين المتنفعين المرتزقين الذين يمنون عليه كرسيه بـ"حمايتهم" له، وأنهم لن يسمحوا له "أن يعملوا هم و"يأكل" هو وحده"،، واجههم بالشرعية الشعبية المنبثقة من العدل، وأن عصر الإرشاء والاحتماء قد ولى..
وأغلق دارة المراقبة، فأصبح الكل مراقِب ومراقَب بحيث لا يمكن التستر، ولا يُستحضر الخوف، فتعافت الصحة ونجح التعليم وقويت البنية واستقام العدل...
فمكنت المداخيل والفوائض من تحقيق اكتفاء تام، بل وزيادات تم التصدق بها على الأشقاء في جزر الوكواك،، بعدما لم يعد لدينا عاطل ولا جاهل ولا عانس ولا فقير ولا مشرد..
وقبل أن يتم أنغامه على مسامعنا، قاطعه فضولي متسرع لاجئ بيننا من بلاد العجائب: عجيب والله!!!.. لماذا لا يحقق الحاكم عندنا أيضا مثل هذا الحلم الميسّر، وقد هرمنا في الفترات الانتقالية؟ هل الأمر فقدان الإرادة، أم هو فقدان القدرة؟؟!!!..
إذا كانت القدرة هي الغائبة، فإنه لا يحكم، لأن من يحكم يملك القدرة على التصرف.. وإذا كانت الإرادة هي المنعدمة، فإنه شرير لا يريد الخير لنفسه ولا لغيره..
وقبل أن يبدأ الراوي الجواب، لا أدري لماذا هرول هذه الهاتف اللعين ليوقظني للعمل!!!..
