احتفالية رائعة بالأضواء في مباراة الجزائر وبوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

مدرب الجزائر بيتكوفيتش: رغم الصعوبات، تمكنا من تقديم أداء قوي وتجاوز التحديات

زيدان وأسرته يحضرون مجددا لمؤازرة المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا بالمغرب

مغاربة فرحانين بفوز المنتخب الجزائري أمام بوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

لحظة وصول منتخب أوغندا لمدينة فاس

إبراهيم مازا سعيد باختياره أفضل لاعب في مباراة الجزائر وبوركينافاسو

دور الدولة5: بين البطالة والسرقة والتسول

دور الدولة5: بين البطالة والسرقة والتسول

سعيد المودني

الدخل هو سبب البقاء على قيد الحياة.. وهو لا يكون إلا بعمل يؤمّنه.. لذا فالشغل هو ما يؤرق نوم الشاب والكهل، الابن والأب، العامل والعاطل، الأنثى والذكر، المتزوج والعازب... ويجعلهم يعيشون في قلق وتوتر وترقب بسبب استفحال وتربص "غول" يكنى البطالة.. فما هي جذور هذا الكابوس المفزع الذي يحرم الناس النوم؟..

 

إن أهم سبب للبطالة، بل يكاد يكون الوحيد، هو النظام التعليمي الفاشل الذي -كما تمت الإشارة إليه في المقال الأسبق المتعلق بالتعليم- يفرخ جيوش العاطلين المتساقطين والمعطلين المتخرجين.. لكن، ولأن المقالات -كما تم التصريح بذلك في بداية السلسلة- ذات رؤية سطحية مبسطة كما يراها عوام الناس وبسطاؤهم(وهم الأهم لأنهم الأغلب والأكثر تأثرا)، فإنه يمكن النبش في بعض الأسباب الظاهرية، وأساسها التأمل في ما إذا كانت الظاهرة متعلقة بانعدام المناصب، أم هي مرتبطة بعدم إمكانية التمويل، أم أن الأمر محض انعدام إرادة الإصلاح والعدل، والرغبة الجامحة -بدل ذلك- في الاستئثار والاستحواذ وتقليص النفقات من أجل تدويلها بين المتنفذين المتحكمين المتنفعين باسم القانون.. وطبعا غالبية الحديث هنا يتعلق بالمناصب الوظيفية التي تؤدى رواتبها من الخزينة العامة..

 

والواضح أن المشكل ليس ناتجا عن قلة المناصب، ولا عن انعدام الموارد المالية، إذ أنه، وفي ما يخص المناصب، يظهر الخصاص فيها في جل القطاعات.. وسنضرب هنا أمثلة بسيطة ظاهرة ورائجة مما يراه ويعاني من تبعاته عامة الناس، أما التعمق والتدقيق، لو قام بهما المتفرغ المتخصص، فسيُظهران العجب..

 

أول وأكبر قطاع يعاني الخصاص المهول في الأطر والموظفين هو قطاع الصحة المريضة مرضا مزمنا، ذلك أنه بغض النظر عن المزايدات النظرية في إحصاء عدد المواطنين لكل طبيب ومقارنته بنظرائه في الدول الأخرى، يبقى أصدق مؤشر هو طوابير المرضى التي لا تنتهي ليومها، والمواعيد "الدهرية" التي تحدَّد للمريض من أجل الاستقبال والفحص، وفترات الانتظار المؤلمة التي يعيشها الوافد قبل تلقيه الإسعافات الأولية المهدئة للألم، وهذا كله بسبب قلة المستشفيات ذاتها وبالتالي قلة الأطباء،، وقلة الأطباء في الموجود منها، وقلة الممرضين والمسعفين...

 

أما في قطاع التعليم، فيشكل الاكتظاظ والأقسام المشتركة مظاهر لتقشف النظام وطمسه لمناصب شغل عديدة على مستوى هيأة التدريس، كما يشكل امتداد وترامي المجموعات المدرسية وتكليف الأساتذة المزاولين لمهام التدريس بضبط ملفات تلاميذهم على المستوى الإداري إهدارا لمناصب أخرى على مستوى هيأتيْ الإدارة والضبط الإداريين والتفتيش التربوي، ناهيك عن المناصب الضائعة -دائما على صعيد التعليم الابتدائي- بانعدام حراس المؤسسات ومنظفيها والمكلفين بالإطعام المدرسي فيها...

 

في مجال فرعي يتعلق باستخلاص فواتير الماء والكهرباء، لا تستطيع المصالح المختصة مراقبة العدادات بشكل منتظم، بسبب نقص المستخدمين، فتلجأ إلى تقديرات كثيرا ما ينتج عنها إخلال بتوازن جيب المواطن الهش أصلا..

 

والأمثلة أكثر من أن تحصى في مختلف القطاعات كلها تدل على الخصاص المهول في العنصر البشري.. فالحالة عامة في جل الإدارات إما بسبب سوء التوزيع، أو بسبب الخصاص في الموظفين،، أو هما معا..

 

وعليه يكون مشروعا الانتقال للنظر في الإمكانية المالية للتوظيف، أي مدى توفر الاعتمادات المالية الواجب توفرها من أجل خلق المناصب السالفة وغيرها الكثير،، بل وحتى تخصيص مخصصات مالية شهرية للعاطلين من أجل المعيش..

 

تمحيص ذلك يكون بالنظر في نفقات الدولة وخاصة تلك المخصصة للمستولين على مفاصل النظام،، ومن تراهم هذه الطغمة ضروريين لاستمرارها في الهيمنة وتقلد المناصب والمسؤوليات..

 

إن رأس الدولة لا حسيب ولا رقيب على مداخيله، بل ومداخيل كل من له به صلة، رغم اختلاف أبواب وأنواع ومصادر هذه الدخول.. فاليد مطلوقة إلى أقصاها،، بل لا تُعرف حتى المخصصات النظامية لأي مُنتمٍ للدائرة وحواشي حواشيها،، وفي هذه المداخيل -بأنواعها- ما يوظف الآلاف المعتبرة من العاطلين..

 

أما أجور وتعويضات والامتيازات المالية والعينية والخدمية التي ينعم بها الموظفون السامون ورؤساء بعض المؤسسات والمصالح ومدرائها فقد دخلت سجل الأرقام القياسية من حيث الارتفاع والتضخم.. وترشيدها أو عقلنتها تمكّن من اكتناز أموال طائلة قمينة بتوفير اعتمادات مالية كبيرة كفيلة بتوظيف آلاف المعطلين أيضا..

 

الأشباح من أبناء وزوجات "الأعيان" السياسيين والأمنيين والعسكريين والموظفين السامين والمقاولين،، بل والمهربين، يساهم بدوره في تجفيف موارد خلق مناصب شغل جديدة.. وكذلك يفعل تجميع وظائف ومهام ومناصب نظامية أو مدنية أو نيابية أو "شرفية"... بيد واحدة تحت مسميات أو ذرائع.. ضف إلى ذلك بعض أعطيات "المقاومين"، والهبات الموزعة على الرياضيين، والمنحات المسداة إلى "الفنانين"..

 

تبذير الأموال العمومية على حساب خلق مناصب الشغل يتجسد أيضا في الحفلات واللمات الموسمية احتفاء بحب الملوك أو بالورود أو بـ"النبق"، وكذا مواسم "الأولياء" و"السادات" والخطوبة... وكذلك الزيارات الرسمية الداخلية والخارجية والترف والبذخ الذي تتم به..

 

غياب نظام تعليمي دامج في سوق الشغل، وتحالف السياسيين الفاسدين مع أباطرة رؤوس الأموال، وتهريب أموال البلاد إلى الملاجئ والجنان الضريبية، واحتكار وتداول مصادر الدخل بالصورة التي سبقت الإشارة إليه، يؤدي بالضرورة إلى رمي الناس بين مخالب البطالة التي لن تترك لهم بدا -ما داموا أحياء،، ومعدمين- من سلك أحد السبيلين: السرقة أو التسول..

 

فتحت تأثير هذه العوامل الموضوعية الموغلة في البطالة وبالتالي الفقر، وبعض الأسباب التربوية الذاتية المتمثلة في العجز والتواكل والكسل والخمول المستشري في النفوس وما ينتج عن ذلك من غياب للحوافر النفسية الدافعة نحو البحث والابتكار والكد في طلب الرزق، يلجأ كثير من الناس إلى إحدى هذين الأسلوبين للكسب، فيتجه بعضهم إلى احتراف اللصوصية والاحتيال بمختلف أنواعها وأحجامها، وبمختلف شرائحهم وأعمارهم وجنسهم، فتجد بينهم الصبي والشاب والكهل بل والشيخ، السوي والمعتوه، الأمي والمتعلم، العازب والمتزوج والمطلق والأرمل... بعضهم "يتفنن" في ذلك ويخترع الخطط والحيل التي يصعب استيعابها، وبعضهم يستعمل القوة والعنف والخطف والفرار والاستغفال، بشكل فردي أو كأعضاء في مجموعة متجانسة أو غير متجانسة..

 

أما التسول فربما كان أكثر انتشارا جغرافيا وكميا، ويستقطب بدوره شرائح اجتماعية مختلفة جنسا وسنا، وتتنوع طرقه بين أسلوب مباشر وأساليب احتيالية لا تختلف كثيرا عن السرقة، حيث يقصد المتسولون أبواب المساجد ومحطات نقل المسافرين وأبواب المصارف والمطاعم والمقاهي والمقابر... ويتسولون بالدعاء وبالعاهات وبالشيخوخة وبصغر السن وباليتم وبالأغاني وبالقصائد وبآلات الطرب وبالقصص وبالمسرح وبـ"الحلْقات" وبالكذب... أطفال وشيوخ، رجال ونساء، معوقون وأسوياء، بدويون وحضريون، أفراد وجماعات...

 

 

إن تأمين المعيش بمكوناته بما فيها السكن هو أوجب واجبات الدولة، إما عن طريق التشغيل، وهو الأولى، ويتم عبر التخطيط المحكم والتعليم النافع والتوجيه الواقعي، أو عن طريق تخصيص دخل يؤمن العيش ويحفظ الكرامة ويضمن الأمن.. أما بنظام تعليمي فاشل مهترئ لا يحقق اندماجا ولا يغرس كرامة، والتقشف في الإنفاق العام من أجل احتكار مصادر الدخل بين أباطرة السياسة والمال، فإنا لن نجني سوى الخصاص المؤدي للسرقة والتسول.. فالمجتمع لن ينعم بالأمن من اللصوص، ولن يشعر بأنفة بانعدام المتسولين..


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة