بوسلهام عميمر
حسنا فعلت الكاتبة المغربية زهرة الرميج لما خصصت رواية بأكملها "قاعة الانتظار" لداء
السرطان الفتاك، قوتها أنها كتبتها عن تجربة معيشة "فليس من رأى كمن سمع" بمهارة
عالية رصدت جل الاختلالات التي يعرفها القطاع الصحي في مواجهة هذا الداء الذي
يتحاشى عامة الناس ذكره بالاسم، ظنا منهم أنه بمجرد جريان ذكره على ألسنتهم سيصابون
به. الأبشع فيه جشع بعض الأطباء من عديمي الضمير ممن لا يهمهم سوى ما يزودون به
أرصدتهم البنكية، فلا يرقبون في المصابين به ولا في ذويهم المكلومين إلّاً ولا ذمة.
فالرواية شهادة حية على واقع الفساد الذي ينخر القطاع الصحي. فالمواطنون البسطاء
يجدون أنفسهم بين أنياب هؤلاء ك"الميت بين يدي غسالو". المعاملة السيئة وغلاء الدواء
الفاحش غير مضمون العلاج. لا يعاني المصاب لوحده، فكل المحيطين به تصيبهم شرارته
اللاهبة.
ألم يكن الأولى أمام خطورة الداء، و انتشاره الكبير، فأربعين ألفا مصاب سنويا حسب الأرقام
الرسمية لوزارة الصحة معظمهم من النساء، ليس بالأمر الهين يمكن تجاهله أو الاستهانة به،
يأتي سرطان الثدي على رأس قائمة السرطانات بنسبة تصل إلى 36 في المائة، يليه سرطان
عنق الرحم في المرتبة الثانية بنسبة 11.2 في المائة، في حين يحل سرطان الغدة الدرقية في
المرتبة الثالثة بـ8.6 بالمائة، وسرطان القولون والمستقيم رابعاً بـ5.9 في المائة. فما الذي
فعلته كوكبة النساء المتواجدات بالبرلمان لبنات جنسهن ممن يعانين الأمرين جراءه؟ في حين يأتي سرطان الرئة على رأس السرطانات التي تصيب الرجال في المغرب، بسبب
الإكثار من التدخين و الخمول البدني، يليه سرطان البروستات ثانياً، وبعده سرطان القولون
والمستقيم، وفق النسب الرسمية.
يتسبب هذا الداء العضال في أكثر من 7% من مجموع الوفيات بالمملكة. ألا تكفي هذه
الإحصائيات لتدق ناقوس الخطر، لتتحمل الحكومة مسؤوليتها و تحمل عن الأسر بعضا من
رزء هذا الداء العضال؟
أمر جيد أن تتكفل الدولة ب 200 ألف مصابا، لكن العدد في تصاعد رهيب، مع الخصاص
في مراكز استقبال المصابين. فهي لا تتجاوز تسعة مراكز لعلاجه تتمركز في بعض المدن،
إضافة إلى مركزين متخصصين في علم الأورام النسائية، و مركزين آخرين لطب الأورام
عند الأطفال بالرباط والدار البيضاء.
فمنطقة الريف تسجل أعلى نسبة، كل المؤشرات تشير إلى الهجومات بالغازات السامة التي
سبق أن تعرضت له المنطقة إبان المرحلة الاستعمارية الإسبانية. تشير أرقام غير رسمية إلى
أن 80 %من إصابات السرطان تأتي من منطقة الشمال وتحديداً من الريف. أليس من الأولى
تخصيصها بمركز قريب منهم لتفادي مشاق السفر وزيادة التكاليف؟
منذ شهور توصلت رئاسة الحكومة بعريضة دستورية "عريضة الحياة" وقع عليها أكثر من
أربعين ألف من الناشطين من مختلف جهات المملكة ومن خارج الوطن يطالبون فيها بإنشاء
صندوق خاص لعلاج مرضى السرطان باسم "صندوق مكافحة السرطان" يعنى بالتغطية
الشاملة للمصابين، تفاعلا مع هاشتاغ "ما بغيناش نموتو بالسرطان" أطلقه عدد من
المصابين وانتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. المفروض أن يرد
رئيس الحكومة على وكيل اللائحة بحسب ما يسمح به القانون في غضون 75 يوماً كحدّ
أقصى. تأخر الحكومة المغربية في إبداء موقفها بشأن عريضة شعبية غير مسبوقة
بخصوص علاج السرطان، يثير تساؤلات ممزوجة بالاستياء في صفوف عشرات الآلاف
ممن وقعوا عليها قبل أشهر، خاصة والداء يتسبب في أكثر من 7% من مجموع الوفيات
بالبلاد.
هل الحكومة عاجزة لدرجة أن تتطوع مواطنة لتجعل بيتها جمعية لاستقبال المصابات
بالسرطان من المناطق البعيدة، بعدما استصدرت أوراق رسمية، توفر لهم المأوى والقيام
بخدمتهن مجانا و تتولى هي نفسها رفع معنوياتهن مدة إقامتهن بالرباط من أجل الاستشفاء؟
