مصطفى البغدادي
مع كل امتحانات إشهادية، يتجدد مسلسل الاتهامات وتحميل المسؤولية لطرف على حساب آخر حتى صار قطاع التعليم مسرحا تكال فيه عديد عبارات التخوين والتجرد من الوطنية ،وحقل تجارب أقرب منه الى قطاع تقوم عليه ركائز الدولة الحديثة، تلك الدولة التي يجب أن تولي الاهتمام الكبير بالعنصر البشري الذي به يتحدّدُ ارتقاؤنا أو القهقرة مستقبلاً.
مثيرة للجدل تلك المعدلات العالية ونسب النّجاح القياسية في امتحانات الباكالوريا، معدَّلات كبيرة وصلت ل 19،75 وأخرى كارثية شهدتها جميع الأسلاك التعليمية، والسبب في ذلك نماذج امتحانات مبسَّطَةٌ جدٍّا جعلت من بعض التلاميذ ينجزون الاختبارات في أقل من نصف المدة المخصصة للمواد موضوع الامتحان. هذا المستوى العالي على مستوى النتائج يجدُ نقيضا له في سلم ترتيب المغرب وتبوؤه لمراكز الذيلية عربيا وإقليميا، الشيء الذي يطرح علامة استفهام عريضة حول صِدقِيَّةِ الشواهد المحصّلِ عليها وما إذا كانت تعكس المستوى الحقيقي للمتعلم المغربي في نظام تعليمي شهد ويشهد انتكاسة كبيرة.
لم يسلمِ التعليم العالي من مظاهر التقهقرِ حيث أصبحت ظاهرة الغش آخدة في الانتشارِ انتشارَ النّار في الهشيم. النتيجة عادية جداّ إن وسّعنا زاوية مقاربة اشكالية الغش في الامتحانات. عندما يغيب الضرب بيد من حديد على أيدي " محترفي " الغش والمتلاعبين بمصير أجيال، وعندما تتستر وزارة التعليم عن إطلاعِ الرأي العام على نتائج اللِّجن التي عُهِد إليها تقصّي ملابسات تسريبات وَسمَت استحقاقات الباكالوريا لمواسم عديدة، وعندما تمنع السلطات الوصية على القطاع استعمال الوسائط الالكترونية ببلاغات دون كيشوت Don Quichotte ، يتأكد بجلاء غياب الإرادة الحقيقية من أجل إقلاع تربوي وعلمي تنشدهُ جميع مكونات الحقل التربوي. إننا اليوم أمام منعطف حاسمٍ في مسار منظومة التربية والتعليم بالمغرب، منعطف يستوجب قيام الفئة المثقفة بدورها الطّلائعي والرّيادي في توجيه بوصلة التعليم، إذ بغياب هذه التوجيه، سيكون لزاماً علينا أن ننتظر أسوأ السناريوهات في القادم من الأيام، وأن نعيش نتائج قرارات طائشة وانتحارية لمسؤولين لم يدرسوا ولن يدرسوا أبناءهم في نظام يعملون جاهدين على إقباره وتصفيته مع سبق الإصرار والترصد.
آن الأوان أن يتعقّل مسؤولو الوزارة الوصية ويدَعُوا جانباً التسيير الأُحادي ونهج مقاربة تشاركية تروم إشراك جميع الفاعلين التربويين إعداداً وتوضيباً وانتهاء بتوفير جميع ظروف الامتحان النزيه الذي يضمن تكافؤ الفرص ويعيدُ للامتحانات الاشهادية تلك الصورة الاعتبارية التي فُقِدت وتوالي فواجع منظومة التربية والتعليم. لقد صار لزاما على اجهزة الدولة النزول من برجها العالي والقطع مع الاصلاحات الفوقية Les réformes parachutées d’en haut ، وإذا كان التعليم قضية وطنية، فالأمر يستدعى مساءلة كل مسؤول عن نتائج ومسببات الإخفاق حتى ترسو سفينة التعليم على شاطئ النجاة.
