الرئيسية | أقلام حرة | قيم الرائد

قيم الرائد

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
قيم الرائد
 

تحدثنا في المقال السابق عن فساد أو تشوه "طهرانية" النسخة الغربية لـ"فخر الحضارة البشرية"، أي الديمقراطية. وقدمنا وجهين لذاك التشويه، أي الحضور القوي والإجباري للمال في عملية يفترض فيها منتهى النزاهة، وكذا ثبات مخرجات آلياها على المستوى الخارجي، مع أن تغيير الأشخاص والأحزاب يفترض عدم "تحجر" المواقف منذ "الأزل"، إلى "الأبد"..

ونمر هنا إلى التأمل في مآل العالم اليوم، تحت القيادة المادية والمعنوية للحضارة المسيطرة، حيث يحاكي المنبهرون بيننا تلبيس إبليس حين يحاولون إيهام الناس بصواب المنهج وخيرية الحضارة الغربية، بدليل نجاحهما في قيادة البشرية إلى التقنية والرفاهية التي يتبحبح العالم في نعيمهما..

والواقع أن للحضارات أوجه، وأبرز ما يمكن أن تختزل فيها: وجه مادي، ووجه قيمي.. حيث تحكم الوجه المادي عدة ضوابط، ويخضع لعدة اعتبارات..

أولها، وهو اعتبار يغلب على تصنيفه المنحى التاريخي، أن الحضارة هي نتيجة تراكمية في الزمان، وإرث مشعلي متتابع، بحيث تبتدئ الحضارة الصاعدة اللاحقة من حيث انتهت الحضارة الآفلة والحضارات السابقة..

ولها أيضا -وخصوصا في عالمنا "المعولم" اليوم- اعتبار، قد يغلب على توصيفه اتجاها جغرافيا، وهو الوجه "التشاركي/الآني"، بحيث تساهم عدة ديانات وأعراق وجنسيات أصلية -بتزامن، وأحيانا في نفس المؤسسة- في صناعة وصياغة هذا البعد، ولو تم ذلك تحت تأثير التجنيس "المسروق" أو "الإغرائي" الانتقائي بعد النبوغ، أو الاضطراري هروبا من حكام كنطونات العالم المستبد، والذي يرعى هذا الغرب المنافق زبانيته ويحميها..

مسألة العلم والتقنية، إذن، هي من متراكمات الحضارة الإنسانية التي طورتها كل شعوب العالم على فترات مختلفة.. بل إنه في الوقت الحالي هناك حضور معتبر لشعوب العالم الثالث، ولو بشكل فردي في الدول التي يستوطنونها أو تجنسوا بجنسيتها، لهم حضور وفضل في تحقيق وتحقق هذا الفتح العلمي والتقني..

غير أن مقياس الحضارة لا يقتصر على التقنية والرفاهية.. بل يقتضي حضور قيم العدل والحرية والكرامة، وسيادة الحق والقانون، وانتشار الأمن والاستقرار، في كل بقاع المعمور، تحت رعاية القدوة القوية التي تفرض قيمها بالاقتداء، وبالقوة إن لزم الأمر.. ذلك أن الوجه القيمي السائد في حقبة معينة، يفرضه المتغلب بمختلف وسائل تغلبه التي بوأته تلك "الريادة"، بما يمارَس -عادة، وبقوة الواقع- على التابع من قوة استلاب "فطرية" في كل الأعصار والأمصار، وما ينتج عن ذلك من اقتداء وتقفّ لـ"موضة" وقيم القوي. ثم بما يمارِس هذا  "الرائد" -في عصرنا هذا خاصة- من توجيه إعلامي ومادي... لخلق وتوجيه وفرض "رأي عام قيمي" يؤمن بما يؤمن.. وهو على ذلك قادر بما يمتلك من إمبراطوريات البث والتعتيم والتشويش والإغراء والترغيب والترهيب والتحكم...، بل والإقصاء لكل رأي أو دعوة لقيمة لا تساير موجته كقوي مسيطر..

والحال هذا، فإن المخرجات اليوم لا تخفى في ما يسيطر على المشهد من تفشي تحكّم عصابات تجارة المخدرات والسلاح والدعارة والأعضاء البشرية والرقيق... مع توافر الإمكانيات التقنية والمادية والمالية واللوجستية... لمنع كل ذلك.. وأيضا في باب "النمذجة" و"التنخيب" والتوجيه ونشر وتسييد التفاهة وإعطاء القدوة في المجتمع من اللاعبين والممثلين الخليعين و"المغنين" الصاخبين عوض... تصدير الفرسان والمجدين المكافحين والمناضلين والمضحين والمخترعين والنبغاء والعلماء والأطباء... والتباهي بامتلاك لوحات وتحف وتوافه بمبالغ فلكية، في زمن شيوع الأمراض والأمية والفقر والمجاعات بين ملايين البشر من الأمم المستضعفة المقهورة!!!..

إن الظلم والدمار والخراب والتشرد والمعاناة... المستشري في جل بقاع العالم(عدا مواطن أولئك "الرواد" الانتهازيين)، يجب أن ينسب إلى من يقود هذا العالم اليوم (كمؤسسات وأشخاص، أو كمنظومات فكرية وعقدية وأخلاقية واقتصادية)، وعليه فسلامة المنطق تقتضي بكل بداهة أن "القائد" اليوم ظالم، مقامر، مجازف، متنفع، متجبر، مستقو، متعجرف... وهو من أوصل العالم إلى ما هو عليه..

إنه، وفي "أحسن" الأحوال، يمكن القول بتحقيق الإيجابي السياسي والحقوقي والاقتصادي من طرف هذا المنهج، ولكن لمواطنيه فقط، على حساب باقي شعوب العالم..

إن الجانب المادي من الحضارة البشرية كانت كلها فيه شريكة، وهي الآن شريكة بشكل أقوى لاعتبار ما ذكر، أما الجانب القيمي فهو دائما يعبر عن "قيم" و"وجهة نظر" المسيطر، وهو الآن في درك الحضيض، ويسير بالبشرية إلى الحتف، ما دامت القيم هي ما يؤسس للإجراء والممارسة، وأخطر ما تروجه قيم الغالب حاليا هو ازدراء التناسل البشري، بدء بالإجهاض، وصولا إلى معاشرة الإنسان للحيوان، مرورا بتحديد النسل، وعدم الزواج، والزواج المثلي...

إن فشل النهج القيمي الغربي له وجه نفاق، كما تدل على ذلك العديد من القرائن، كتضخيم التشريع والدعاية و"النصيحة" وبرامج التربية ضد الحرب والعنف والكراهية من طرف كل الدول العظمى والمؤسسات الدولية الكبرى،، وفي نفس الوقت ارتفاع مهول وقياسي في عدد القتلى والضحايا والخسائر في عشرات الحروب "المجانية" التي يخوضونها، وحروبهم لا تنتهي، وكلها هجومية وخارج الديار، ويمتلكون أقوى الجيوش، وينفقون على الدفاع والبحث العلمي العسكري الميزانيات الفلكية... بين الدعاية والواقع هناك تناقض، لسبب ما!!!..

ذات الفشل له وجه آخر بليد.. ذلك أن الغرب ليس له أدنى مشكل مع القتل بالوسائل الحديثة،، كل حساسيته هي من القتل ذبحا.. وليس له أي اعتراض على إبادة شعب،، ما لم يكن ذلك بـ"الكيماوي"!!!.. إنها حضارة الحظيرة، وعقلانية الحمق، وذكاء البلادة، ونباهة البلاهة، ورصانة الرعونة..

إن "أنبل" ما في قيم المسيطر اليوم أنه "خلّد" "اللعب" في "بيوت العزاء"، حيث رفع اللعب على "الجد" والسلم والأمن، حتى أحال الفيفا أقوى من الأمم المتحدة،، بل من أي منظمة أخرى علمية كانت أو غذائية... حيث صارت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وتتكلم كل اللغات، وتمتلك أكبر ثروة، ويقطنها أكبر عدد من السكان.. قولها مسموع، وسلطتها نافذة، وحكمها ناجز!!!..

 

بإيجاز، هو إفلاس المرجعية الفكرية والمنظومة القيمية "القائدة"،، المسؤولة.. أي إفلاس المنهج القيمي الغربي..

 
مجموع المشاهدات: 6092 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | ميمون باساين
يكفينا من إعلان المناكر لنرى الحل
ثقافة البرابرة الجهال لها حل لمشاكل العالم لكن علماءالسامون المسيطرين على العالم يحاربونها . تقبلوا ضعف الأسلوب و أخطاء اللغة و انظروا في موقعي في الفايسبوك خاصة ما بين أبريل و غشت 2017. و يمكن استعمال الفايس بدون مقابل . لا انشر إلا الكتابة.
مقبول مرفوض
0
2021/09/25 - 07:28
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة