الرئيسية | أقلام حرة | "أخطاء" شائعة1

"أخطاء" شائعة1

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"أخطاء" شائعة1
 

نصل إلى المقال الأخير في هذا "المليْف"، ونواصل فيه التمثيل لبعض المفاهيم التي يعوزها التحديد اللغوي أو حسن التنزيل الإجرائي.. وسنقسمه إلى ثلاثة أقسام، نتوسع نسبيا في الجزأين الأول والثاني في مفهوم الواجب. ونضرب له بعض أمثلة سوء الاستعمال كالتي تحيل المندوب واجبا يطالب الناس به بعضهم بعضا عوض التوجه إلى من عليه الواجب الحق. كما نذْكر بعض الاستعملات "النشاز" للكلمة ومعناها كليهما. ثم نعرض في الجزء الثالث أمثلة لبعض الألفاظ والتراكيب التي لا تستعمل استعمالا سليما، إما من حيث اللغة، أو من حيث أصل القول في حد ذاته..

فالمسألة التي نحن بصددها إذن تتعلق باللغة. واللغة هي وسيلة التواصل بين كائنين فُرض عليهما التعامل البيني.. فهي حاجة وظيفية أملتها الضرورة.. وهي تواضع تعاقدي بين المتعاملين بها يربط(التواضع) الدال(الرمز) بالمدلول(المرموز له).. وعليه، ولكي تؤدي اللغة تلك الوظيفة بأقصى ما يمكن من التفاهم والتفهم، يجب الحرص ما أمكن على احترام الإسناد التعاقدي المتوراث، أو المستجد إن لزم الأمر..

وقد تختلف دلالة الدال بين حقل وآخر، فيختلف معنى اللفظ بين اللغة والاصطلاح، أو بين الحقيقة والمجاز، أو بين العلوم الاجتماعية والعلوم الدقيقة... لكن، حتى في تلك الحالات، فإنه يؤسَّس تعاقد آخر يرحّل ذاك المعنى ويرسّمه في حالته المستجدة.. وفي كل الأحوال لا يمكن لأي كان أن يغير معنى تعاقديا سائدا بشكل منفرد، كما أنه ليس هناك فردانية في اللغة، ما دام الفرد لا يحتاج أصلا إلى لغة ليتواصل مع نفسه..

غير أن الناس، ولأسباب، يحوّرون الكلام، مفردات وجملا، حتى يخرجوه عن المتعارف عليه.. وسأذكر هنا بعض ما أتيح لي مما مر بين ناظري، أو ورد في معرض محادثة كنت طرفا فيها، مما أحسبه استعمالا غير دقيق لبعض الكلمات والجمل، سواء بإطلاق الدال على غير المدلول المخصوص عرفا، أو قول حق في موضع يراد به الباطل، أو باستعمال دلالة صحيحة لغويا، لكنها تؤدي معنى لا يتمنى المتكلم أن يعنيه، ولو شرّح كلامه وتأمله لأحجم عنه.. وهذا من سقطات "تنزيل" الكلام({إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ}. حديث شريف)، وسنختم بأمثلة من هذه الفئة الأخيرة..

كل هذا التحوير والإطلاق، وربما التلبيس، يرِد بصيغة المفرد والتركيب كليهما، ويصدر عن الفرد والمؤسسة على حد سواء، ويأتي عرَضا أو عن سبق نية وقصد.. والحال هذه يبدو أننا فعلا في حاجة إلى إعادة تحديد تلك المفاهيم أو التذكير بها، فيصبح لازما التعرض لما تم "تحريفه" ونقضُ عقْدِه بالبيان، والتصحيح عند الاقتضاء، لمن استطاع لذلك سبيلا، حتى نتحدث نفس اللغة، ونسند إلى نفس الدوال نفسَ المفاهيم، تذكيرا للناسي، وتنبيها للغافل، وإقامة للحجة على الزائغ المتمادي..

نبدأ إذن بمفهوم "الواجب" وما علق به من شوائب. ذلك أن هناك فرقا كبيرا جدا بين الفرض والتطوع الذي لا يجاوز حكم الندب.. والمفهومان يُبهمان على كثير من الناس رغم أنهما موجوديْن في كل مجالات تعامل الناس كافة، وعبادات المؤمنين خاصة.. ويبقى المحدد الفاصل بينهما(الفرض والتطوع) هو وجود أو عدم وجود النص أو الحكم الملزِم.. والنص(أو الحكم) هنا يمكن أن يكون شرعيا أو قانونيا..

وعليه، فإن تحديد الواجب ليس متروكا لتمثلات الأنام ولا لأمانيهم.. فما أوجبه النص/الحكم هو الواجب، وما لم يوجبه فهو مندوب في أقصى الأحوال.. بحيث لا جريمة(مخالفة الواجب)، ولا عقوبة(بناء على المخالفة) إلا بنص.. فالملزَم به هو القيام بالواجب واجتناب الممنوع، أي ما يُلزم به الشرع أو القانون إلزاما.. أما التطوع فإنه يؤجر فاعله(أخرويا أو اعتباريا(تسليم ميدالية، تسمية شارع...) أو قيميا(الثناء)) ولا يغرم تاركه.. وعليه فالمطالبة بأداء الواجب يجب أن تستند إلى النصوص/الأحكام المحددة لذاك الواجب، وليس إلى ميل النفس والهوى، ولا إلى التمثل الشخصي، ولا إلى التقليد...، ولا إلى توهمات شائعة ترسّبت بفعل "عوامل التعرية الاجتماعية" الفاعلة في التاريخ،، والتي قد تكون تعارض نصوصا مُحكمة أو أحكاما مسلّمة..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 28936 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة