بوسلهام عميمر
أكثر من سؤال يثار حول هذه الظاهرة الشاذة، تتفاقم سنة إثر أخرى، تعزز طابورها
بالوافدين على بلادنا من المهاجرين الأفارقة والسوريين. فقد وجدوا التربة مهيأة ليمارسوا
مهنة من لا مهنة له، والاغتناء بدون عناء يذكر. يصولون ويجولون أصحاء فصحاء، يمدون
أيديهم متسولين، علما فبإمكانهم العمل بعرق جبينهم، ولكن لماذا يتحملون مشاق العمل
وتبعاته، وهم يحصلون على أضعاف مما يمكن تقاضيه مقابل عملهم، مستغلين طيبوبة
المغاربة وأحيانا سذاجة بعضهم وقصور فهمهم لمعنى الصدقة في ديننا الحنيف. يعطونهم
ويجزلون لهم في العطاء، مما يشجعهم على التقاعس واحتراف التسول.
ترى، لو أنهم وجدوا الوعي و تفعيل القوانين المجرمة للتسول، هل كان أحدهم يتجرأ ليخرقها،
و تسول له نفسه ليتخذها حرفة تغنيه عن كسب رزقه بكد يده؟ وإن كان، فقبل الحديث عن
المقتضيات القانونية، ألم يكن الأولى بوزارة الأوقاف أن تكون سباقة لمحاربتها، بأن تحول
مدفعيتها بما تملكه من ترسانة هي الأقوى مقارنة ببقية القطاعات؛ مجالس علمية عبر كل
جهات المملكة، وعاظ وواعظات، أئمة، مرشدين ومرشدات، برنامج كبير لمحو الأمية و قناة
السادسة و إذاعة محمد السادس، فلم لا تسخير كل هذه الوسائل المؤثرة لتصحيح اعتقادات
الناس بخصوص الصدقات و الزكوات؟ لم لا تفهمهم أن الدراهم التي تعطى كصدقات هي
بمثابة قذائف مدمرة، تكرس ظاهرة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا علاقة لها بجوهر ديننا
الحنيف، دين العزة وكرامة النفس، وليس المذلة والمهانة بمد اليد و إراقة ماء الوجه؟
والأخطر إقحام الأطفال في هذا العالم الموبوء؟ لم لا السعي لتفهيم هؤلاء "المتصدقين" عن
حسن نية واعتقاد راسخ أنهم إنما يفعلون ذلك تقربا إلى الله، أنهم يسهمون في حرمان الأطفال
من حقهم الطبيعي في التعليم، ومن حقهم في الكرامة الإنسانية، و في اغتصاب طفولتهم؟ فهل
ينتظر يوما من أحد محترفي التسول أو إحداهن، أن يفكر بالتفريط في هؤلاء الأطفال الذي
يدرون عليهم أموالا طائلة بالسماح لهم بنيل نصيبهم من التعليم؟ فلم لا تسخير ما للوعاظ
والمرشدين من طاقات هائلة بيانا وفصاحة لتفهيم عامة الناس وخاصتهم أن من شروط
الصدقات إعطاؤها لمستحقيها ممن يتعففون عن مد أيديهم "تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس
إلحافا" كما في القرآن الكريم. فهؤلاء هم من يحتاج لنجمع حصيلة صدقاتنا طيلة السنة ونمكنهم
منها بدون جعجعة.
نتساءل عن موقع إعراب جمعيات المجتمع المدني وخاصة المهتمة بالطفولة مما يمارس على
الأطفال نهارا جهارا، في قلب كبريات مدننا بالشوارع الرئيسية، إذ يتم عرض الأطفال طول
النهار وأحيانا إلى وقت متأخر من الليل معصوبي الرؤوس في حالة غيبوبة، بدون مساءلتهم
عن فعلهم المناقض لكل الشرائع السماوية وبنود حقوق الطفل الدولية المصادق عليها. فمن
أين يستمد هؤلاء المحترفون قوتهم تجعلهم فوق القانون يخرقونه دون خوف من أن تطولهم
يد العدالة، علما فالفصل 326 من القانون الجنائي يعاقب بعقوبة حبسية من شهر إلى ستة
أشهر لمحترف التسول والتشرد ممن له وسائل العيش أو القادر على العمل. فالعقوبة مرتبطة
بالتعود على ممارسته وهو ما يسميه الفقهاء ب"الجريمة المستمرة". وينص الفصل 327
على العقوبة الحبسية من ثلاثة أشهر إلى سنة حتى لو كان مرتكب الجريمة معدما أو صاحب
عاهة أو تظاهر بالمرض واصطنع عاهة أو استصحب طفلا أقل من 13 سنة وغيرها من
الحالات يحددها المشرع. كما يعاقب القانون كل أب أو أم وكل من له سلطة على طفل يسلمه
للغير بقصد التسول أو التشرد. ترى لو تم تفعيل هذه الفصول فهل يجرؤ متسول على عرض
عاهته أو استغلال طفل لاستدرار عواطف الناس بكلمات مكرورة يتفننون في نطقها. غريب
أمرنا، قد لا نتساهل مع بائع جائل بسيط يعتمد على نفسه بعرض بضاعته على بساطتها
فنساومه عليها ونسعى لخفض ثمنها بكل ما نؤتى من شطارة، في حين ننقذ محترفي التسول
بغير حساب مقابل دعوات لا أساس لها كما قال أحدهم متفكها عن طمع المصلي في دعاء
من لا يصلي أصلا. فإلى متى يظل هذا تعاملنا مع هذه الظاهرة، لا تتجاوز بعض الحملات
المحدودة في الزمان والمكان، وتبقى دار لقمان على حالها؟