الرئيسية | أقلام حرة | النظام الأساسي الجديد والشغيلة التعليمية والوزارة والنقابات..

النظام الأساسي الجديد والشغيلة التعليمية والوزارة والنقابات..

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
النظام الأساسي الجديد والشغيلة التعليمية والوزارة والنقابات..
 

ما إن خرج إلى النظام الأساسي الجديد إلى الوجود حتى انفجرت الساحة التعليمية وغير التعليمية، واشتعلت حرب بلقانية، اتسعت بقعتها وتمددت، وتعددت أطرافها بين ظاهر جلي، وبين خَفِيٍّ متوارٍ.

يأتي هذا المقال في سياقٍ، هذه بعض معالمه، ناشدين من خلاله وضع نقاط على الحروف وفق رؤيتنا الخاصة التي تمتاح أُسُسَهَا من تجربة تربوية وبحثية، ومن موقع المعني بما يحدث ويقع، دون أن يعني ذلك ركوب أمواج توزيع التهم واللعنات والشد والجذب، والكر والفر، ونرجو أن يكون لمساهمتنا أثر إيجابي في خلق نقاش عقلاني، بعيدا عن التشنج والتوتر والانفعال، مع التنويه إلى أننا لا ندعي امتلاك الحقيقة، ولا نصادر أي رأي أو تصور.

النظام الأساسي الجديد وتدبير وزارة التربية الوطنية

رصدت الوزارة من خلال هذا النظام ميزانية مهمة لتحقيق السلم الاجتماعي وإسكات الأصوات الاحتجاجية لفئات عريضة من المجتمع التربوي، لكنها رجعت بخفي حنين، وربما ساهمت من حيث لا تدري في إيقاظ النائم وإخراجه من قمقمه، وحتى الفئات التي كانت تراهن على كسبها لصالحها انفلتت من عقالها وزأرت في وجهها، وصور مديري المؤسسات التعليمية، وهم يقاطعون اجتماعات شرح مضامين النظام الأساسي خير شاهد.

في هذا السياق، يبدو أن رصاصة الزيادة في التعويضات فعلت فعلتها، وأصابت هدف السلم الاجتماعي المنشود في مقتل، لاسيما أن الفئة العريضة الممثلة في الأطر التربوية رفعت عقيرتها بالشكوى من استثنائها من الاستفادة من أي تعويض، وهنا يبدو لنا أنه كان جديرا بالوزارة أن تحرص على تسوية الوضعية الإدارية لمختلف الفئات (المتصرفون، مسلكيون وإسناديون، أطر الأكاديميات - المقصيون من خارج السلم - حاملو الشهادات العليا - دكاترة القطاع...)، وأن تؤجل البث في التعويضات إلى ما بعد إقرار النظام الأساسي، وأظن أن مكسب خارج السلم كان سيرضي أساتذة الابتدائي والإعدادي، ويحول دون امتداد نظرهم للبحث في التفاصيل والتنقيب عن كل صغيرة وكبيرة، ويجعل عيونهم كليلة عن التمدد في اتجاهات المسح الكلي وإبداء المساوئ، أقول كان سيرضيهم لو لم تقع عيونهم على التعويضات التي شملت الجميع، واستثنت الأطر التربوية.

وهذا لا يعني أننا نغمز بطرف خفي إلى اتباع أسلوب الختل والخداع، بل نشير إلى التفريق بين المسارين الإداري والمالي، إلا ما اقتضته الضرورة، وأن تعلن الوزارة والنقابات التعليمية، بعد تثبيت النظام الأساسي الجديد، الدخول في جولات حوار من أجل البحث عن سبل الرفع من الأجور لكل الفئات، بما يتلاءم ووضع كل فئة ومظلوميتها، والظروف المعيشية المتغيرة بسبب غلاء الأسعار.

الأطر التربوية والنقابات وسيف الخيانة البتار

صبت الأطر التربوية، بعد الإعلان عن الوليد الجديد، جام غضبها على النقابات التعليمية التي حضرت مراسيم الولادة، ووقعت على صك الميلاد، واتهمتها بالخيانة العظمى، ودعت إلى التبرؤ منها ورجمها بحجارة الرفض السِّجِّيلِيَة، ورميها في حفرة النسيان العميقة.

هنا، ليسمح لي زملائي الأساتذة، أن أهمس في آذانهم أنه ما هكذا تورد الإبل، قد نتفق جميعا أن الواقع النقابي يعج بالأسئلة، وأن الجسم النقابي يحتاج إلى تشريح عميق، وإلى إنعاشه بمختلف وسائل التدخل لإرجاعه قويا وتخليصه من شوائبه ، لكن أن يصل الأمر إلى الدعوة إلى الإقبار، فهنا يحضر قِصَرُ النظر المؤطر برد الفعل النفسي المحدود في الزمان والمكان، وبدوغمائية تبسيطية لا تستحضر علائق الواقع وافتراضاته، والأرضية القانونية للاشتغال.

قد يقول قائل إن التنسيقية الوليدة قادرة على ملء المكان الشاغر، وإنها البديل الذي سيمحو العار النقابي، ويعبر عن نبض الشارع التعليمي، وهذه كذلك نظرة موغلة في الحلم المتعالي والخيال المُجَنَّح، فالتنسيقية، أيًّا كانت، حركة براغماتية، تولد لهدف محدد، وتموت بتحقيقه، ولو افترضنا إبادة نقابية، فإننا سنكون إزاء فوضى بلا أول ولا آخر، ستتعدد الولادات، وسيغني كلٌّ على ليلاه، وسيحاسب هذا ذاك على عدم نصرته، ويرد له صاع صمته صاعين من التشفي والشماتة، مما سيساهم في بلقنة القطاع، واتساع رقعة الأنانية.

قد تولد تنسيقية لجمع شمل فئة معينة، لكنها لا تقوم مقام النقابة، ولا ينبغي لها أن تفعل، ولنا في تنسيقية حاملي الشهادات العليا خير مثال، فأقطابها لم يخرجوا يوما بخرجات الإقبار النقابي، بل إنهم ما فتئوا يستعينون بالتغطية النقابية، ويجتمعون مع القادة النقابيين، ويجلبون الغطاء النقابي لأشكالهم النضالية، لوعيهم بأهمية الدعم النقابي وأهميته وضرورته الحتمية.

بعض النقابات التعليمية والتولي يوم الزحف

بعد أن باركت بعض النقابات النظام الأساسي الجديد، واعتبرته فتحا مبينا، ونقطة إبداع متميزة، رسمتها بإتقان ريشة الوزارة والنقابات، بعد هذه المباركة تراجعت عن موقفها، وأعلنت براءتها منه، تحت تأثير ما نزل على رأسها من صفعات التخوين، وما تلقته من طعنات الاتهام بالإفلاس.

أعتقد أن هذا الموقف الصادر عن بعض النقابات سيزيدها سوءا، ويؤكد عدم صلاحيتها النقابية، ويقوي منطق سحلها وإزالتها من الخريطة التعليمية، وأظن أنها كانت ستحافظ على مصداقيتها لو أنها تجنبت أن تضع نفسها في موضع المتناقض الذي يجلب عليه السخرية، ودافعت عن موقفها، وحاججت بحسن نيتها وسلامة طويتها، وظلت محافظة على موقفها دون لف أو دوران، أما وضع رجل هنا ورجل هناك، فعاقبته الانزلاق المثير في دوامة الضحالة، وربما كانت النتيجة صفرية، فلا هي ظفرت بتمر العراق، ولا هي أخذت بعض العزاء ببلح الشام.

ختاما أرجو أن يستتب الوضع بالساحة التعليمية، وأن تزول هذه الغمة، وأن تكون الكلمة الفصل لصوت الحكمة، وأن تنعم كل فئات المنظومة التعليمية بما تصبو إليه في جو من الإحساس الوطني والانتماء الراسخ للمنظومة التربوية.

 

 

مجموع المشاهدات: 7424 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة