الرئيسية | أقلام حرة | دمنات ، إسرائيل أية علاقة ؟

دمنات ، إسرائيل أية علاقة ؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
دمنات ، إسرائيل أية علاقة ؟
 

        من أنجح الأساليب التي تتبعها الدول الاستعمارية الكبرى في تنفيذ مخططاتها ما يسمى "حماية الأقليات" . إذ تقوم الدول العظمى التي تطمع في استعمار اية دولة بوضع " أقلية" تعيش داخل الدولة المستهدفة تحت " حمايتها "، كوسيلة للتدخل في شؤون تلك الدولة بحجة الدفاع عن مصالح هذه الأقلية. و أول الخطوات التي تتبعها هي اقناع تلك أعضاء أقلية بأن مصالحها تختلف عن مصالح محيطها وأن أفضل وسيلة لحماية هذه المصالح هي طلب الحماية من الغرب .

        مهدت الدول الغربية لفرض حمايتها على اليهود المغاربة باعتبارهم اقلية بارسال جيش من الجواسيس والمستكشفين ) على سبيل المثال زار دمنات والمنطقة حوالي 14 مستكشفا بالاضافة الى عشرات المبعوثين اليهود لجمع التبرعات لفائدة فلسطين، من الغريب ان اغلبهم نزلوا ضيوفا عند اليهود ....( لاظهار الطائفة اليهودية بمظهر التعساء المضطهدين ، المستعبدين المقهورين و المهضومي الحقوق والذين لا حول له ولاقوة يعيشون وسط مسلمين عرب وامازيغ متوحشين جهال ومتخلفين كما يشيرون في تقاريرهم وكتاباتهم الى التفوق الثقافي لليهود وذكائهم الخارق واتقانهم لغات متعددة مقارنة بامية السكان المسلمين ) الاصليين اذا جاز التعبير ( لأن من هم الاصليون ومن هم الوافدون قضية اخرى .

          وقد تولت جمعيات وهيئات ومنظمات نشر تلك الكتابات في وسائل الاعلام الغربية المنتشرة انذاك بواسطة أخبار أغلبها زائف ومبالغ فيه في صفوف المجتمع الغربي الذي خرج لتوه من ظلمات القرون الوسطى حاملا مشعل الديمقراطية و الدفاع عن حقوق الانسان ومنها حقوق الاقليات المضطهدة وفي مقدمتها اليهود ، ولكن الهدف الثاوي خلف كل هذه الشعارات هو استغلال مبدأ الدفاع على الاقليات لتحويلها إلى أداة وظيفية لخدمة مصالحها ، وبدأ التنافس بين القوى العظمى أنذاك وهي فرنسا وانجلترا والمانيا وايطاليا في من يكسب قصب السبق لتولي حماية هذه الاقليات،

            وفي هذا الإطار سارع السير موزيس مونتيفيوري SIR MOSES MONTEFIORE وزير الدولة الانجيلزي بزيارة للمغرب سنة 1864 للمطالبة بحماية اليهود وكان من اسباب تحرك هذا الوزير ذي الاصول اليهودية ما راج أنذاك من اخبار في الصحافة الغربية من تعرض يهود دمنات للقتل والسبي والنهب وعلى اثر هذه الزيارة تعهد السلطان المغربي للوزير بحماية اليهود وإحاطتهم بعنايته الخاصة ضمن رعاياه وحمايتهم من العقاب الذين هم عرضة له لاتفه الاسباب . ويمكن القول ان زيارة مونتيفيري وتعهد السلطان هو الشرارة التي اشعلت فتيل الصراع بين يهود المغرب وممثلي المخزن ليمتد ليشمل كذلك صراعهم مع المسلمين .

بمجرد علم يهود دمنات بخبر زيارة مونتفيروي وتعهد السلطان انتفض اليهود ضد قائدهم معززين بالحماية الغربية وتحولوا من مكون منمدج متعايش الى جماعة وظيفية مرتبطة بالقوى الغربية تمنحها المواثيق والمزايا نظير قيامهم بخدمتها وتحقيق المكاسب لها.

    تجلى تغول يهود دمنات بتشجيع من الغرب وعملائه في استفحال النزاع بينهم وبين العامل المخزني الجيلالي بن علي اوحدو الدمناتي ووقوف القنصل الإنجليزي السير جون دريموند هاي Sir J.D .Hay بشكل واضح إلى جانب يهود دمنات الذين وجهوا تهمة الاضطهاد الى القائد الجيلالي بن علي اوحدو بصفة خاصة والى مسلمي دمنات بصفة عامة ، كما تحركت دول فرنسا وايطاليا والبرتغال بشكل حاسم لنصرة يهود دمنات . وشهد منتصف القرن التاسع عشر حركة دبلوماسية مكثفة بين قناصل هذه الدول والمخزن المغربي لإغاثة" يهود دمنات التعساء ،" وتوالت زيارة بعثات دولية وطنية الى دمنات لدعم يهودها بل وزارها السلطان مرتين بضغط من الغرب واصدر عدة ظهائر بشأن هذا النزاع ناهيك عن سيل من الرسائل بيننه وبين القناصل الغربيين وبين ممثلي اليهود . وقد توج كل ذلك بتعيين رئيس لهم من بين جلدتهم تحت حماية السلطان مباشرة ولم يبق لقائد دمنات أية سلطة عليهم .وقد شغلت نزاع يهود دمنات مع ممثل المخزن حولي ثلاثة عقود اذ لم تكن تخلو صحيفة غربية وخصوصا الموالية للوبي اليهودي من خبر حول يهود دمنات .

          وكان من أسباب فرض الحماية على المغرب عجز المخزن عن فرض سلطته ومنها حماية الاقلية اليهود وبمجرد فرض الحماية على المغرب قامت فرنسا بتوسيع رقعة حماية الطائفة اليهودية وإعطائهم حقوقا ومزايا لم تكن متاحة لأعضاء الأغلبية وحولتها إلى عميل ترتبط مصالحها وتطلعاتها بالقوة الاستعمارية الحامية وتتحولت الى وسيط بين القوة الاستعمارية والسكان المحليين، وتحويلها من مكون منمدج ومتعايش الى عنصر غريب يدين بالولاء لقوة خارجية . ولعبت الرابطة الاسرائيلية العالمية الأليانس دورا أساسيا في ذلك، حيث أسست الأليانس سلسلة من المدارس في كل أنحاء المغرب منها مدرسة دمنات سنة 1932 دخلها أبناء الطائفة اليهودية حيث تلقوا تعليما فرنسيا عزلهم ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا عن مجتمعهم وجعل منهم مواطنين من الدرجة الاولى ياتي المسلمون في الدرجة الثانية من بعدهم .

         وها هو التاريخ اليوم يعيد نفسه كما يقال، فالمتتبع للاعلام الغربي بمختلف الوانه وتلاوينه سيلاحظ أن اسرائيل في مختلف الكتابات والتصريحات والتعليقات في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة الحقيقية والافتراضية كلها تصف اسرائيل بأنها اقلية مضطهدة وانها الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تجري فيها انتخابات نزيهة وديمقراطية والنموذجية في احترام حقوق الإنسان وأن محيطها المتوحش والمتخلف يريد إبادتها وتدميرها لذا وجب على الغرب حمايتها و تزويدها بكل ما تحتاج اليه من رغيف الخبز الى القنابل النووية مرورا بآلاف الاطنان من المتفجرات المحظورة لالقائها على الفلسطيني المتوحش الذي يرعب الاسر الاسرائيلية الأمنة .

        وقد بعث مفهوم الحماية من جديد مع ظهور الصهيونية، فالصهيونية إعادة إنتاج لعلاقة الجماعة الوظيفية بالنخبة الحاكمة في الغرب وتأخذ شكل علاقة الدولة الوظيفية بالراعي الإمبريالي ، وقد تتبعنا جميعا كيف تداعى الزعماء الغربيون على صنيعتهم إسرائيل وإعلان الولاء لها ، وهي تستقبلهم بتكبر وعجرفة لانها تعلم الدورالوظيفي الذي تلعبه خدمة لمصالحهم ، كشوكة مغروسة في خصر دول المنطقة للاستمرار في فرض الهيمنة الغربية عليها بغض النظر عن ثمن ذلك من دماء أشلاء ودمار . بل ووصل

    و لا يستبعد ان تقوم الدول الغربية بإعادة استعمار دول المنطقة لحماية عميلتها . وقد استمعنا الى نائب فرنسي في اللبرلمان الفرنسي يقترح اعاة استعمار بعض الدول ، وأخر يصف الفلسطينيين بالحيوانات .

 فما اشبه اليوم بالبارحة .

 

 

 

 

 

مجموع المشاهدات: 5710 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة