الرئيسية | قضايا المجتمع | بعد استفحال الظاهرة..هل بات الأطباء المتدربون في حاجة إلى تلقيح ضد الرشوة؟

بعد استفحال الظاهرة..هل بات الأطباء المتدربون في حاجة إلى تلقيح ضد الرشوة؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بعد استفحال الظاهرة..هل بات الأطباء المتدربون في حاجة إلى تلقيح ضد الرشوة؟
 

بقلم: اسماعيل الحلوتي

كم كان مريعا ومحبطا ذلك الخبر القادم من ربوع مدينة القصر الكبير الهادئة، الذي تناقلته عديد المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق في عز حرارة هذا الصيف، يحكي عن فضيحة مدوية، جرت أحداثها بإحدى غرف الفحص الطبي بالمستشفى المدني، ولم يكن بطلها سوى أحد الأطباء المتدربين، الذي ألقي عليه القبض متلبسا بتلقي رشوة قدرها 50 درهما، إثر تبليغ مواطن السلطات المعنية عبر الخط الأخضر، عن تعرضه للابتزاز مقابل الحصول على شهادة طبية تثبت خلوه من المرض "شهادة السلامة الصحية".

ومباشرة بعد أن تقرر متابعة المعني بالأمر واعتقاله احتياطيا من أجل تهمة الارتشاء الموجهة إليه، تناسلت عديد الروايات، فكان الأكثر إراعة وإحباطا، هو ذلك التعاطف الواسع الذي حظي به "المتهم"، حيث انبرى عدد كبير من المواطنين للدفاع عنه غير مكترثين بخطورة العدوى التي أصابته. إذ هناك من اعتبر الأمر مجرد مؤامرة خسيسة. وهناك من يرى في توقيفه والحكم عليه بالسجن ضياعا لمستقبله وخيبة كبرى لأهله، لاسيما أنه مازال طالبا/طبيبا في سنته الختامية. وهناك من صب جام غضبه على المسؤولين، الذين لا يجدون غضاضة في الزج بالأبرياء في السجون كأكباش فداء، بينما ينعم بالحرية كبار المرتشين واللصوص في الأحزاب السياسية والنقابات والبرلمان والتعليم والقضاء والدرك والجمارك والأمن والإدارة... لما يتوفر لهم من نفوذ ومظلات تقيهم شرور المساءلة والمحاسبة.

بيد أن ما لا ينبغي تجاهله هو أنه كيفما كان حجم الرشوة ودرجة المرتشي، تظل هذه الآفة فعلا مذموما، تساهم في التخلف وتردي القيم وتعطيل التنمية، ويتعين علينا محاربتها بكل ما أوتينا من بأس، بدل إضاعة الجهد في البحث عن تبريرات لأولئك الذين يضعفون أمام بريق الدرهم تحت ذرائع واهية. فنحن من نحول السمك الصغير إلى "حيتان كبيرة" حينما نستمر في إطعامه وحسن رعايته، بتكريس الرشوة في معاملاتنا اليومية والتستر على المرتشين والفاسدين، ولولا تغاضينا وتطبيعنا مع الرشوة والفساد ما كانت الأمور لتستفحل بهذه الفظاعة ويتواصل تقهقر البلاد.

وباستثناء ذلك التغيير الطفيف على مستوى الترتيب الخاص ب"مؤشر إدراك الرشوة" العالمي، المسجل في تقرير منظمة الشفافية الدولية "ترانسبرانسي"، الذي أشار إلى حلول المغرب بالمرتبة 90 من أصل 176 دولة برسم عام 2016، فإن الكثير من تقارير المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية تعتبر أن ظاهرة الرشوة ببلادنا أحد أبرز الاختلالات البنيوية والعلل المزمنة، التي لم تسعف الجهود المبذولة في إحراز أي تقدم ملموس طوال عشرات السنين، علما أن الحزب الأغلبي "العدالة والتنمية" جاء ممتطيا صهوة محاربة الفساد، رافعا "سيف" التخليق وتطهير المجتمع من مختلف مظاهر الرذيلة والتسيب والاستهتار بالمسؤوليات !

وعلى الرغم من أن الحكومة السابقة بقيادة عبد الإله ابن كيران أعلنت على بعد شهور قليلة من نهاية ولايتها عن وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الرشوة، رصدت لها ميزانية ضخمة من المال العام، فما زالت بلادنا تتخبط في أوحال الفساد دون أن تجد للخروج منها منفذا. ومما زاد من إحباط المواطنين، أن خلفه رئيس الحكومة الحالية بذات الحزب "الإسلامي" سعد الدين العثماني، بدا أكثر ترددا وارتعاشا منه في اتخاذ التدابير اللازمة والصارمة لقطع دابر غول الفساد الجاثم على أنفاس سائر القطاعات الحيوية، واكتفى بالترويج الإعلامي والإعلان عن النوايا "الطيبة"، وتغيير اسم "اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد" ب"اللجنة الوزارية لتعزيز النزاهة والشفافية بالمرافق العمومية". ألا توحي مثل هذه التعديلات والمراسيم الشكلية بالتملص من مسؤولية مكافحة الفساد؟ ثم لماذا التمسك بنفس نهج سلفه في الانفراد بالقرارات، ضاربا عرض الحائط بالمنهجية التشاركية المنصوص عليها دستوريا، في إشراك الجهات المعنية داخل المجتمع قبل إعداد النصوص القانونية ومناقشتها؟

وبالعودة إلى فضيحة مستشفى القصر الكبير، فإننا نجدها تشبه كثيرا ما يجري بجميع المستشفيات والمرافق الصحية العمومية، غير أن وجه الغرابة فيها أن يدشن شاب لمساره المهني بمحاولة ترسيخ ظاهرة الرشوة والتشجيع على ممارستها، علما أن هناك آمالا عريضة تعلق عليه وزملاؤه في إعطاء صورة نظيفة عما ينبغي أن يكون عليه الطبيب من نزاهة واستقامة ونكران الذات، في خدمة المواطنين والضغط على المسؤولين في اتجاه النهوض بواقع الصحة. لاسيما أن الدراسات العلمية ما انفكت تكشف لنا عن ضعف السياسات العامة وحجم الفساد المستشري في القطاع، حيث أضحت المستشفيات بالمدن الكبرى والصغرى مرتعا خصبا لتنامي الرشوة، وتشكلت شبكات من حراس أمن خاص وممرضين وإداريين وأطباء... لمساومة وابتزاز عائلات المرضى، وصار لكل خدمة صحية تسعيرة خاصة بها: الحصول على سرير، الاستفادة من الدواء، تقريب مواعيد إجراء الفحوصات بالأشعة أو العمليات الجراحية أو تحرير الشهادات الطبية لكسب تعويضات غير مشروعة عن حوادث سير وهمية أو لتضليل العدالة في شأن قضايا معروضة أمام المحاكم....

وفي انتظار محاكمة عادلة ل"المتهم"، تجدر الإشارة إلى أننا لا نقلل من شأن الأطباء المتدربين، مادامت هناك نماذج كثيرة من ذوي الكفاءة العالية المتأهبين لخدمة أبناء الشعب بروح المسؤولية والحس الوطني الصادق. لكننا ننبه المسؤولين إلى أنه من الوهم الاعتقاد بأن القوانين والاستراتيجيات والنوايا الحسنة كفيلة بالقضاء على الرشوة والفساد، دون توفر الجرأة السياسية القوية وتفعيل المبادئ الدستورية، خاصة الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومراجعة البرامج والمناهج الدراسية بما يعيد لمنظومة القيم وهجها، وجعلها تلقيحا فعالا لأطفالنا ضد كل انحراف ممكن...

مجموع المشاهدات: 2317 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (2 تعليق)

1 |
في الصف الأمامي ولاد خدام الدولة وناهبي المال العام ونحن الفقراء في الاحتياط
مقبول مرفوض
0
2018/08/20 - 10:28
2 | حميد
كبش الفذاء
لماذا التبليغ عن اكباش الفذاء.فهناك وزراء شرطة درك جمارك قضاة يتسلمونها بالعين المحسوسة ولا من يبلغ.
مقبول مرفوض
0
2018/08/20 - 02:08
المجموع: 2 | عرض: 1 - 2

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة