الرئيسية | أقلام حرة | نظرية المؤامرة في قطاعَيْ"الصحة و التعليم" الخدمة الاجبارية و المرسومين كمثال

نظرية المؤامرة في قطاعَيْ"الصحة و التعليم" الخدمة الاجبارية و المرسومين كمثال

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
نظرية المؤامرة في قطاعَيْ"الصحة و التعليم" الخدمة الاجبارية و المرسومين كمثال
 

 

لازال مسلسل الصراع بينالحكومة و الأساتذة المتدربين لم يكشف عن خباياه الحقيقية، ولازال التشويق و الانتظار يغلب على تفاصيله. لكن الأكيد في النهاية أن الخاسر الأكبر في الأمر برمته هو "الوطن" الذي يحتوي الأساتذة و الحكومة بكل مكوناتها الأربع.

يحلو للحكومة على لسان رئيسها و أيضا على لسان ك الوزراء المدافعين عنها أن يُشنفوا أسماعنا بنظرية "المؤامرة" التي تُحاك في الخفاء لإفشال التجربة التي يقودونها ، و التي في نظرهم تُعتبر "أحسن حكومة في تاريخ المغرب" على حد زعمهم, لا من حيث نزاهة  الانتخابات التي أوصلتهم لسدة الحكم ،من حيث الإصلاحات و القرارات التي اتخذوها في جميع القطاعات بَدْءًا من التعليم مرورابالصحة، ثم الوظيفة العمومية و في قوانين الصحافة و العدل و الحريات و حقوق الانسان و النقل  وغيرها كثير.....  وهناك مقولات شهيرة لهؤلاء الوزراء تؤكد هذا الأمر  لاداعي لذكرها لأنها جلبت على أصحابها السخرية و الاستهزاء في العالم الواقعي و الافتراضي.

  لن نناقض الحكومة في طرحها، فلمكوناتها الحق في أن تقول ما تشاء لأنها تمثل الأغلبية و أيضا تمثل  السلطة التنفيذية، كما أن الدستور يضمن لها حق التعبير عن مواقفها بكل وضوح. لكن في المقابل يحق للذين يرفضون قرارات الحكومة أن يعبروا عن ذلك بكل الطرق القانونية التي يضمنها لهم الدستور في إطار التدافع والبحث عن امتلاك مفاتيح السلطة.

 لذا من حق الشعب أو مكوناته أن يتهم الحكومة بأحزابها الأربع في إطار" نظرية المؤامرة" بِرَهْنِ أو حتى بيع البلد للمؤسسات المالية الدولية و على رأسها " البنك الدولي" من خلال قراراتها اللاشعبية و لاداعي للتذكير بها لأن الجميع أو الغالبية تكتوي بنارها.

 لشرح "المؤامرة" من نظر من يخالف الحكومة ، سنأخذ مثالين كبيرين أسالا مدادا كثيرا و لازالا وهما: "الخدمة الاجبارية للأطباء" في قطاع الصحة، ثم " قضية المرسومين الأخيرين" في قطاع التعليم.

  قبل شرح هذين القضيتين ، لابد من التذكير هنا بالمقولة التي تداولتها غالبية الصحف و المنابر الإعلامية و لم يتم تكذيبها من أي جهة حكومية و التي مفادها ان رئيس الحكومة "بن كيران" قال: "حان الوقت لترفع الدولة يديها عن قطاعي الصحة و التعليم".

  ولنبدأ بقضية" الخدمة الاجبارية للأطباء" في ميدان الصحة: كانت تبدو مسودة القانون في ظاهرها جذابة ،فهي تَزْعُم أن تطبيقها يَبْتَغي توفير الخدمة الصحية لجميع ساكنة المغرب بما فيهم المناطق النائية، لكن الأمور الخفية لا يعلمها إلا الساهرون على تنزيلها على أرض الواقع. و هنا يَجبُ أن  نُذَكِّر بشجاعة الأطباء الذين وقفوا دون تمرير هذا القانون بل قاموا بشرح خطورته بعد أن حرفت بعض مكونات الحكومة مضمونه و ادعت أن الأطباء يرفضونه لأنهم " اولاد الفشوش" و لا تهمهم مصلحة الوطن و أبناءه. لكن الأطباء أحرجوا الحكومة حين خرجوا للشارع ووضعوا فيديوهات في "اليوتيب" تُفند هذه الأمور و قالوا أنهم ليسوا ضد "الخدمة الإجبارية" و لكن يجب على الدولة قبل أن تُرسلهم إلى "الفيافي"  أن تُوفر الظروف الملائمة للعمل سلفا.

هنا تبدأ فصول المؤامرة تتضح، ولنأخذ مثالا على ذلك: " لنعتبر أنه جاء مريض في القرى النائية إلى طبيب المستشفى أو المستوصف و لم يجد عنده الدواء المناسب لحالته ، أو لأنه بسبب انعدام الوسائل المناسبة للعلاج قام بكتابة ورقة تُطالب المريض بالذهاب إلى أقرب مركز استشفائي ، إلا أنَّ المريض  بسبب ضيق اليد لم يذهب إلى المستشفى، و إنما ذهب عند أول معشبة أو عطار يعرفه، أو أعطاه جاره دواء قديما لازال يحتفظ به، و لأن الأعمار بيد الله، سيشفى هذا المريض، فماذا عساه سيقول في نفسه و للناس المحيطين به؟ أكيد تلك القولة الشهيرة التي يقولها سكان البوادي حاليا على المدرسين:" بْقَاتْ في الطَّابْليَة البيضا و السَّمَاعَة، هادْ الطِّبَّا ماتيعرفو والوا" مثلهم مثل الأساتذة" اللِّي ماتَيْقَرِّيوْوالو ، شبعانين غير عطل و تيتخلصو فابور" . وكتحصيل حاصل، فالنظرة الدونية التي يراها المجتمع في رجال و نساء التعليم سيَتِمُّ إسقاطها على الأطباء كذلك، والجميع يعلم أنه عند ضرب الصورة الرمزية لشخص في مِخْياله المجتمعي، يمكن بعدها تحقيق ما تُريد بكل سهولة. أليس هذا ما حصل في التعليم؟ أُنظروا إلى صورة المدرسين في الإعلام ، في المجتمع لِتُدركوا حجم المؤامرة.

 أيضا الحكومة أو الدولة في إطار السنتين الإجباريتين، وحسب منطوق مسودة قانون الخدمة الإجبارية غير مضطرة لتوظيف هؤلاء الأطباء بل عليهم التباري حول المناصب المالية لتلك السنة.  أيُّ صاحب شركة خاصة  سيقول: "الله على قانون أنْزِل علينا اللهم كَثِّر من نَظيره" كيف سأوظف أطباء و أنا أتوفر على  آلاف منهم سيتخرجون و سيعملون سنتين إجباريتين مكان أُولئك الذين سأرمي بهم إلى الشارع ليرتموا في أحضان البطالة، أو ليشتغلوا في القطاع الخاص الذي سيجد فيهم سوقا كبرى لتشغيلهم بأبخس الأُجور.

  القطاع الثاني هو التعليم و قضية "المرسومين الأخيرين " و خاصة مرسوم" فصل التكوين عن التوظيف".

 منذ انطلاق احتجاجات "أساتذة الغد" لم تنفك الحكومة تَدَّعِي أن القضية تُحَرِّكها أطراف تريد الركوب على مطالب المحتجين لتحقيق مآرب سياسية ضيقة وذلك تحت مُسَمَّى " المؤامرة" دائما. للحكومة الحق هو:ولما تريد و لكن  أَيُّ عاقل سيقول إنّهُ إذا كانت الدولة محتاجة ل 7000 موظف في قطاع التعليم ، فلماذا ستقوم بتكوين 10000 أستاذ متدرب؟ جواب الحكومة هو :" تجويد التكوين وخلق منافسة بين المتكونين" .لكن السؤال الأهم هو:"ماذا عن بقية من لم يُوَفَّق في التوظيف؟ هل مصيره الشارع أم القطاع الخاص؟". هل رأيتم وجه الشبه بين هذا الأمر و قضية "الخدمة الاجبارية". ما يؤكد هذا الطرح هو قسم رئيس الحكومة الذي قال أنه لا تنازل على المرسومين و أنه عازم على تكوين المزيد من الأساتذة ، منهم من سيحظى بالوظيفة العمومية و منهم من سيذهب إلى القطاع الخاص الذي هو شريك استراتيجي على حد قول رئيس الحكومة.

 نحن سنكون أكثر واقعية ونقول بل نؤكد أنه بتطبيق هذا القرار:" فصل التكوين عن التوظيف «فإن عدد المتكونين بعد 5 سنوات سيكون اكثر من 30000 أستاذ في وضعية انتظار ،'لأن رئيس الحكومة قال في البرلمان أنه مستعد لتكوين عدد أكثر من 10000 مترشح".  مُتَكَوِّنُون  ينتظرون قطار التوظيف على أحر من الجمر، لكن التوظيف العمومي لم ولن يأتي، بل هناك فقط " التوظيف بالعقدة". فهل من عاش 5 سنوات من الانتظار سيكون له حق الاختيار؟ فما يرفضه الغالبية اليوم سيكون هو الحل غدا، و سيوافقون عليه, فالمُضْطَرُّ ليس له حق الاختيار.

فمن يتآمر على الآخر في نظركم؟ إن لعبة الظن السيء بالآخر هي أسهل سلاح قد نقوم به ، و لكننا نَتَوَسَّمُ الخير فيمن تُوكل لهم أمور البلاد و العباد، لكن هذا لا يعني أن لا ننتقدهم أو أن لا نُعارض توجهاتهم، فوطنهم هو نفسه وطننا، و مرجعيتنا الدينية مرجعية غالبية المغاربة لا مُزايدة فيها ، وهم ليسوا أوصياء على المغاربة، فبنفس السلاح الذي يُهاجمونا به، نقتلهم. قال رسول الله "ص" : ما اجتمعت أُمتي على ضلالة" فهل كل هذه الاحتجاجات ضد قرارات الحكومة ضلالة؟ أم نُذَكِّرهم بأيام احتجاجاتهم في الماضي التي في اعتقادهم كانت دفاعا عن الحق؟ هل ماهو حلال عليهم ، حرام على غيرهم؟

 

   هذا الوطن للجميع " مُنْتَخِبُون مُمْتَنِعُون ، مُترَّشِّحون فائزون أو خاسرون ، أغلبية أومعارضة ....... و سماؤه تَسَعُ الجميع بكل تلويناتهم و معتقداتهم ، فليس لأحد الحق في أن يَرمي الآخرين بالباطل ليربح معركة يكون الخاسر فيها الوطن. لأن أسهل تبرير للفشل في التدبير الحكومي أصبح في وقتنا الراهن هو تعليقه على شماعة " المؤامرة".

مجموع المشاهدات: 1483 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة