الرئيسية | أقلام حرة | يوميات بطالي...

يوميات بطالي...

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
يوميات بطالي...
 

 

لا حيلة مع القدر سوى التجلد و الصبر، و توالى الأيام و الليالي في دورانها المستمر، حسب مقادير رسمها القدير، و يستمر دوران البطالي في مكانه المعتاد ، وتستمر المعاناة ، بين المنية ، والفتاة البهية ، و الميزيرية ، معاناة شاءت الأقدار أن يعيشها البطالي ، بأدق تفاصيلها ، ساعة بساعة يوما بعد يوم ، تحت ضغط الحقيقة الراسخة ، «البطالة شبح يهدد المجتمع المغربي» .

كان الحديث في الماضي عن شهادة الباكالوريا و ما لها من قدسية وشرف للحاصل عليها ، كما هو الشأن لباقي الشهادات و الدرجات العلمية ، أملا في شغل منصب محترم في الوظائف العمومية أو في إحدى الشركات الخاصة، درجات علمية التي صارت اليوم العامل الأساسي والسبب الرئيسي في مكوث البطالي في مقره الرئيسي و المعتاد ، «رأس الدرب»، يقتل الوقت بين تتبع عورات و مؤخرات الشابات هذي طالعة و هذي نازلة ، مسليا نفسه بإطلاق بعض القشفات والضحكات « الزين مخطوب ولا يساين فالمكتوب» ، وبين الغيبة و النميمة ، تجد في جعبته كل الأخبار.

ابتسم البطالي، وزادت خداه وسامة ، لحظة وصول ، بنكيران إلى سدة الحكم ، نظرا لحجم الوعود التي يقدمها الرجل خصوصا في خلق مناصب شغل جديدة، إلا أن الذي لم يكن في حسبان البطالي ، أن يعيره بنكيران بقوله «المعطلين عندهم خلل في الدماغ» ، لم يستطع حينها أن يتمالك أعصابه ، «عيرني ببطالتي ، وقلبي به الدمار ، أجزء أنا من ذا الشعب ، أم سمة العار»، أدرك البطالي ألا شيء ، قادم مع ذا الرجل ، ليعزم على التفكير، ليعود للجولان على أبواب ، المعامل و المصانع و المحلات التجارية ، لم يترك بابا إلا و طرقه ، بحثا عن عمل شريف ، منذ حلول الصباح إلى المساء ليعود بخفي حنين ، ورغم هذا و ذاك فكله أمل أن يرن الهاتف ، و يستبشر بخبر سعيد ، بحصوله على وظيفة  أو شغل، إلا أن شيئا لم يكن ، الكل ينشر فشله على الأزمة الاقتصادية.

يفكر البطالي في جميع المخارج ، للحصول على مورد رزق قار أو مؤقت المهم الخروج من العسر المادي ، «حتى يحن الله»، ليخمن في فرضية مراسلة عامل المدينة، لعل و عسى يفتح له من الملفات ، ما فتح لسابقيه من البطاليين، و بالتالي يسلمه بقعة من أرضية صغيرة يبني عليها كشك ، يقيم فيه بداية تجارة صغيرة، و إن اضطر إلى الاقتراض ، إلا أن المراسلة الأولى و الثانية والثالثة، لم يكن منها أي جواب ، لربما يكون مصيرها نفس مصير «السيفيات CV» ، القمامة ، أو كأوراق التلفيف عند بائعي ، حبات عباد الشمس ، (الزريعة) ، أدرك البطالي حينها القاعدة العامة التي تقول «شحال عندك ، شحال تسوى»، وعلم أنه لا يسوى شيئا في وطن تنقسم الوطنية فيه درجات.

لم يفقد البطالي الأمل بعد ، ولا زال متشبثا، بحلمه «الحصول على عمل» ، لم يكن يحضا بوقت كافي للتفرج على شاشة التلفاز لانشغاله بالجولان على أبواب و مقرات الشركات ، التي يستضيفه فيها غالبا رجال الأمن الخاص ، البعض منهم لا يكلف نفسه عناء إيصال سيرته الذاتية إلى مكتب المسئول عن الموارد البشرية.

ذات يوم لم يغادر البطالي الفراش ، استغرق في نومه في الصبيحة بأكملها ، ولم يقم ليراقب الأجواء بالخارج ، «رأس الدرب» كما هو معتاد ، بل ظل يشاهد التلفاز، إلى أن وقف على برنامج يساعد الشباب في الحصول على وظيفة ، ظل يتابع عن كتب، ما يتداول في البرنامج ، ويحاول الاستفادة من أخطائه ، بل يقيد كل ما أثار انتباهه خصوصا فيما يتعلق بالسيرة الذاتية ، ليعاود ترميم بنيانها و إعادة تصحيح أخطائه ، كان للبطالي ما أراد، السيرة الذاتية ، أضحت جاهزة ، ربما يكون الفرج هذه المرة ، بدأ بالتجوال بها على أبواب الشركات و المعامل و المصانع و المحلات التجارية ، إلا أن شيئا لم يتغير، «منحوس، منحوس ولو على رأسه فانوس » .

عاد البطالي إلى رأس الدرب ، ليمارس نشاطه المعتاد بعد أن مل التجوال بدون أي فائدة تذكر، بين الفينة و الأخرى ، يقصد إحدى النقط ، تلتقط إشارات شبكة ويفي قريبة ، يستغلها في ربط الاتصال بالعالم الآخر، يتصفح حسابه على القارة الزرقاء ، و يتصفح أيضا مواقع الوظائف لعل و عسى أن تأتي بالجديد، تراه يبتسم ثارة ، و يتأفف و يتذمر ثارة أخرى ، يبتسم و يضحك عندما يرى عروض شغل بمعايير منطقية ، و يتذمر عندما يرى عرضا للشغل يستهزئ من الشباب العاطل ، عن طريق وضع إعلانات و عروض مستفزة ، خصوصا عندما يطلب المشغل مواصفات نادرة التوفر في البطالي، بما في ذلك سنوات التجربة المهنية التي تفوق الخمس سنوات، و التي يستثنى منها أشهر التدريب ، (التدريب ماشي خدمة ؟؟ ) ، خصوصا و البطالي لم يسبق له أن اشتغل .

لم يستطع البطالي أن يبقى مكتوف الأيدي دون أي بديل يذكر ، بل حاول أن يبدأ بتجارة صغيرة ، «فراشة» ، قد تفي بالغرض ، تجلب مصروفا يوميا شبه قار، إلا أن الأمر لم يدم طويلا خصوصا بعد أن وصلت قضيته بالوشاية ، إلى السلطات المحلية التي باشرت الدورية ، أجبرته على حمل أغراضه من سلعة قليلة ، و إلا سيرافقها إلى قصر البلدية ، و يؤدي عنها غرامة مالية ، ( استغلال الملك العام بدون ترخيص).

عاود الكرة، هذه المرة قاصدا رئيس المجلس البلدي، خصوصا و اقتراب الانتخابات المحلية، المهم أن هذا الأخير وعده بالتوسط له للحصول على محل تجاري (كشك ) لخلق مشروع تجاري صغير، وعود مرت عليها الشهور ، ليدرك البطالي أنه تعرض فقط لإحدى الخدع السياسية البسيطة «الصابونة».

يعود أدراجه إلى البيت خائبا، و في كل مرة، يصاب بهلع تبرد معه أطرافه ، عندما يسمع صوت رنين الهاتف ، حينها تبدأ أفكار عن هوية المتصل تتسرب إلى ذهنه ، ربما الشركة الفلانية ، ربما عرض الشغل الذي سبق و راسلته ، ربما ANAPEC، ليجدها رسالة من شركات الاتصال تدعوه إلى التعبئة، تأتيه أحيانا رغبة أكيدة في كسر الهاتف و التخلص منه خصوصا عندما تتكلم عن 20 درهم و 25 درهم وهو لا يملك منها شيئا.

دور الفشل في اجتياز مباريات التوظيف، و الفشل في الحصول على عمل كيفما كان نوعه، و الدور الريادي في مقره الرئيسي «رأس الدرب»، جعله ينحاز إلى التفكير في الاستفادة من الوقت الشاسع الذي يملكه ، بتحرير مقالات أدبية و صحفية ، ربما يكون لها الوقع الإيجابي ، في التغيير على مستوى الحي، ومحيطه  في المدينة ، نظرا لتوفره على صبيب انترنت مجاني لمعرفة البطالي بأماكن نقط «ويفي» و «كلماتها السرية». 

البطالي صار ، صاحب صفحة على موقع التواصل الاجتماعي ، يضع فيها جديد مستجدات ساحته ، و ما يدور في مقره و محيطه ، ويدرج فيها عصارة أفكاره ، بل انخرط مع مواقع إعلامية كمراسل صحفي ، يعمل على تغطية ، الأحداث و الوقائع ، و الأنشطة الفنية و الثقافية و الرياضية والسياسية ، وبعد أن كان يقصد العمالة من أجل وضع طلب استعطاف للحصول على محل تجاري ، صار إلى اليوم يقصدها للأخذ بآراء مسئوليها في مواضيع عدة، صارت للبطالي بطاقة صحفية ، وصارت له وظيفة في المجتمع، بعد أن أمسكت السماء عن العطايا و المنن ، ولم تعد تمطر وظائف، وصارت حينها «الصحافة مهنة من لا مهنة له» ، و من خلالها أدرك ، أن الذي عيره بالأمس ، لم تكن خطاباته وخطابات معارضته سوى ، ضرب من السفاهة، ، بقول الشاعر (إذا نطق السفيه فلا تجبه --- فإن خير جوابه السكوت)، ودليلا على تدني المشهد السياسي و من تم قراءة الفاتحة على المصلحة العليا للوطن ، لما صارت الحكومة و المعارضة تطلب التحكيم الملكي .

وفي كل ليلة يردد البطالي ما كتبه ذات يوم من ابتهالات ودعاء و مناجاة لرب السماء أن يمنن بعفوه و جوده وكرمه عليه و على إخوانه، بجميل عطائه و عظيم إحسانه، ينشد قائلا:

يا ألله يا مبدل الأحوال 

و يا عالم ما في البال 

أنت الرحيم و أنت الرحمان 

لا شيء عندك اسمه محال 

اعف عن كل بطالي 

و حقق له كل الآمال 

حتى يصير عبدا صالحا مرتاح البال ...   

 
مجموع المشاهدات: 2076 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة