الرئيسية | أقلام حرة | بين العدل والعدالة

بين العدل والعدالة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين العدل والعدالة
 

تكثر المؤاخذات والتلاسنات والاتهامات بين التيارين الإسلاميين البارزين في الساحة المغربية، واللذْين يقفان على طرفي نقيض من النظام بشكل عام، ومن المشاركة في "العملية السياسية" في ظل الشروط الحالية، بشكل خاص.. والمفروض أن الاختلاف لا يفسد للود قضية كما يقال، ولكن النفس والهوى والتعصب والتجني يخرج الناس عن جادة الصواب، فيفقدهم التوازن والاعتدال والإنصاف، وهذا بالنسبة للملاسنات بين القواعد. أما بالنسبة للمواقف الرسمية، فإن من يوالي السلطة يصبح بالضرورة جزء منها وأداة من أدواتها، يسالم من تسالم، ويعادي من يعادي..

والدخول في جزئيات الموضوع وتفاصيله، وسرد أمثلة لسجالات من هنا وهناك، ومحاولة تأصيل أي موقف قصد إثبات صوابه وسلامته، سواء باعتماد الاستدلال النظري والعقلاني، أو باستعراض الواقع والمنفعة... لن ينفع لعدة اعتبارات، أقواها وأجلاها أنه لم ينفع!!!..

لذلك، إذا تركنا كل هذا الذي لم يحسم جانبا، واعتمدنا ظاهر الحال والأثر والنتيجة، وهو والأكثر وضوحا والأشد وقعا، وبحكم أن فريقا منخرط في "المشاركة السياسية"، مرة بصفة "المعارضة المؤسساتية الشرعية، الرقيبة على عمل الأجهزة التنفيذية"، ومرة بصفة "المسؤول التنفيذي المساءل على حقوق جميع المواطنين". أقول: في هذه الحيثيات يبدو تبادل المؤاخذات بين الفرقتين كتبادل المؤاخذات بين من اقترف اعتداء ماديا، وبين من لم يرُد التحية، ذلك أن جهة يؤاخَذ عليها "الاتهام"، و"التخوين"، و"التشكيك"، و"الخذلان"، و"عدم المساندة"(ولا يدري عاقل كيف يمكن لجهة أن تساند موقفا هي تراه خاطئا؟؟!!!..)، و"التعبئة المضادة"... وغير ذلك من التهم التي لا تخرج عن هذا التأطير المعنوي القيمي.. وهي تهم، في حالة عادية، جديرة بالأخذ بعين الاعتبار، وبمآخذة "الجاني" بسببها.. لكن، عندما نستحضر المخالفات المادية التي يقترفها المستقوي بالسلطة في حق المستضعف الأعزل، والتي يفترض أن يعاقِب عليها القانون قبل الشرع، آنذاك تصبح تلك "التهم" المسطرة أعلاه مجرد ترهات..

فكيف يُتقبل أن تؤاخذ من لم يساندك(مثلا)، وأنتم تختلفون في التنزيل، وفي عهدك(أكتفي بالحديث هنا عن صفة الحكومة فقط بولايتيْها، دون صفة "الرقابة البرلمانية" بولاياتها)، في ولايتك تعتقل قياداته، وتلفق التهم الجنائية لأعضائه، وتشمع بيوته، وتصادَر أمواله، وتخرَّب ممتلكاته، ويرسَّب أساتذته، ويعزل أو يهمش موظفوه، وتعفي أطره من مهام المسؤولية ويمنع الآخرون من توليها، وتقتحم مجالسه، وتنسف أنشطته، وتمنع وقفاته ومسيراته، وتمنع كوادره من وسائل الإعلام، ويحاصر فنانوه، ويمنع معتكفوه، ويحرم من السفر منتسبوه، وتقوض مخيماته، ويمنع أطفاله من التخييم... وتحمل أعضاؤه من الضغوط ما لا يطاق، وهم تعرضون لتضييق خانق على أرزاقهم وحركياتهم وكل مناحي حياتهم... وكل هذا دون أدنى سند قانوني أو مسوغ أخلاقي..

ومارس الحزب(بإيعاز وتوجيه وضغط من المخزن) كل هذا على الجماعة وأعضائها بذريعة أنها راديكالية في معارضتها، حادة في انتقادها.. والحق أنها كذلك.. لكن شتان بين من ينتقد تجربة في تسيير الشأن العام، وهذا مباح لكل مواطن تجاه أية شخصية عمومية، طبيعية كانت أو معنوية، وبين من يمارس على "الأخ" الحصار، والإخضاع، والحيف، والقمع، والمتابعة، والمضايقة، والتضييق، والإقصاء، والتنكيل، وعقد المحاكمات الصورية، والتدخل التعسفي في الجامعات.، وممارسة جميع أنواع الأذى المادي المباشر الذي يعاقب عليه الشرع والقانون..

فهل ما تعرض له القوم والحزب "يرأس" "السلطة التنفيذية"، هو عدل يمارس بمقتضى الشرع قبل القانون؟ أم أنه ظلم وضيم وجور وحيف...؟ وفي الحالة الثانية، هل يرضى الحزب أن يمارَس هذا الظلم تحت إمرته، ويَلصق عار ذلك به إلى أبد الآبدين؟ وإذا كان لا يرضاه، وهو المؤمّل، فما هي مسؤوليته، وفيم قبوله مسؤولية صورية "أراجوزية"، لا يناله منها إلا سيئاتها؟ وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بشيء، فلماذا ورط نفسه وأحرق رصيده وجزء من رصيد من تجمعهم به خلفية؟ وهل تعفيه عدم القدرة على إيقاف العسف من المساءلة عما اقتُرف في عهده من ظلم، اليوم أمام التاريخ وشهود الدنيا، وغدا أمام الله، الحكم العدل الجبار المنتقم؟؟!!!..

إن النقد، وحتى الانتقاد، ولو كان مباشرا جريئا، ورغم ما قد يكون فيه من قوة أو حدة أو مرارة، إلا أنه ليس حتما أن يكون هداما. وإن المعارضين، وعبر التاريخ، هم عمود رئيس وأصيل في البناء.. فلولا المعارضة لبقيت الحضارة البشرية بدائية. وإنما تقدمت بالنقد. وما النقد إلا تمحيص القائم، ومعارضة المعروض، ورفع سقف مطالب التجويد..

إن الجماعة، رغم اللذع المفترض في نقدها، لا تزيد عن تسمية المسميات بأسمائها، وبشكل مباشر دون مواربة. فتقول للظالم المتسلط المستبد... يا ظالم، يا متسلط، يا مستبد... مكِّنا من وسيلة لمراقبتك ومحاسبتك وكفّ أياديك، حتى يمكننا تحصين حقوقنا،، ما دمت إنسانا، وتمارس "السياسة"، وأي إنسان يمارس السياسة يمكن أن يخطأ،، أو أن يعمد ويطغى ويتجبر بالسلطة المطلقة.. وهو نداء ليس معيبا. وقطعا ليس القوم أول من يقول به، ولا وحدهم من يفعل. بل نادت به كل الأمم المحترمة منذ الإغريق، إلى الأيسلنديين. وينادي به فضلاء هذا الكيان،، على قلتهم.. وهذا هو الأصل،، والواجب،،، فلا يستقيم نعت من يفعل الواجب بالصدامي، ولا يجوز وصفه بأنه اختار منطق الصراع

إن المفترض أن الخلفية الفكرية للتنظيمين هي نفسها.. فلندع الجماعة تعمل، وللآخر المنافس أن يفعل مثل ذلك، والبقاء للأقوى والأصلح، ولا يصح إلا الصحيح، بلا وصاية، بلا إقصاء،، ولنتفرغ لمناطحة سبب كوارث هذا البلد، والذي أغرقنا في هذا المستنقع الآسن من التردي والتخلف.. فليس من المروءة ولا من الإنصاف في شيء أن نؤذي الضعيف المستضعف الذي يقدم نفسه قربانا، ويوقد روحه شمعة تحرق ذاته كي بنير للناس المسالك، وذنبه الوحيد أنه يطالب بالعدل والعدالة والإنصاف، وننتصر ونناصر وننحاز للأقوى الذي يملك قوة دون قوتنا، ويتمترس بها وخلفها ويتغطرس..

 

مجموع المشاهدات: 4158 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة