أخبارنا المغربية- عبد المومن حاج علي
دون مقدمات طويلة ولا ضجيج مؤسساتي، فاجأت قناة رياضية هولندية جمهورها، وهي تخصص استوديو تلفزيونيا مغربي الهوية لتغطية نهائيات كأس أمم إفريقيا المقامة بالمغرب، في خطوة لافتة اختزلت معنى الاحترام الثقافي، وأعادت طرح أسئلة محرجة حول طريقة تعاطي بعض القنوات المغربية مع تظاهرات تقام فوق أرضها.
واختارت القناة المعنية، Ziggo Sport، مقاربة بسيطة في ظاهرها، عميقة في رسائلها، حين طرحت على نفسها سؤالا مباشرا حول كيفية صنع أجواء مغربية حقيقية، إذ لم تحتج إلى لجان تفكير ولا دفاتر تحملات ولا اجتماعات مملة، بل انتقلت مباشرة إلى الفعل، فاستبدلت البلاطوهات الباردة بصالون مغربي تقليدي كامل التفاصيل، من الخشب المنقوش إلى الطاولات الأصيلة، في مشهد لا يبدو فيه المغرب عنصر ديكور عابر، بل روحا حاضرة بكل ثقلها الرمزي.
ولم يتوقف المشهد عند حدود الديكور، إذ ظهرت المذيعة الهولندية مرتدية القفطان المغربي بكل أناقته، بعيدا عن الاستعراض الفولكلوري السطحي، وكأن الزي أصبح جزءا طبيعيا من المشهد لا قناعا مؤقتا لتمرير الصورة، كما القنينات البلاستيكية و الأكواب الزجاجية المعتادة لم تخضر على الطاولة، بل حضر الشاي المغربي بالنعناع، بطقوسه الكاملة، ومعديه بلباسهم التقليدي، وحركاتهم التي تحولت من تفاصيل يومية إلى رسالة ثقافية صامتة لكنها بليغة.
ولم تكتمل الأجواء دون الموسيقى، حيث اختارت القناة إيقاعات مغربية شعبية تملأ الاستوديو، بدل موسيقى محايدة بلا هوية، ليصل المعنى واضحا للمشاهد؛ أنت في المغرب، حتى وإن كنت تتابع من أمستردام، ما جعله استوديوها رياضيا بنكهة مغربية خالصة، دافئ، صادق، واثق في نفسه، ويحتفي بالبلد المستضيف دون تكلف أو عقد.
وعلق الصحفي المغربي محمد واموسي على هذه الخطوة في منشور لافت، معبرا عن إعجابه بما أنجزته قناة هولندية في وقت قياسي، مقابل عجز قنوات أخرى، رغم الإمكانيات والميزانيات والأطر والتجارب، عن خلق أبسط إحساس بالانتماء في تغطياتها، وكأن الهوية تحولت من مصدر قوة إلى عبء يخشى الاقتراب منه.
وتتجاوز الرسالة التي بعثتها التجربة الهولندية كرة القدم، لتلامس جوهر العمل الإعلامي، مؤكدة أن المشكلة ليست في قلة الإمكانيات، بل في غياب الخيال، وفي نقص الجرأة، وفي ضعف الإيمان بأن الهوية ليست عائقا أمام الحداثة، بل رافعة لها، ليتبين أن هولندا فهمت المغرب تلفزيونيا، وقدمته كما هو، بثقافته ودفئه وخصوصيته، بينما ما زال المغرب، يبحث عن نفسه على شاشاته.

