بقلم: إسماعيل الحلوتي
مرة أخرى، يعود عاهل المغرب محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين، ليس فقط للتأكيد على إيمانه الثابت بسياسة اليد الممدودة تجاه أشقائه الحكام في قصر المرادية بالجزائر، بل كذلك لتجديد دعوته إليهم من أجل طي صفحة خلافات الماضي، مشددا على أن ما يجمع بين الشعبين الجزائري والمغربي من علاقات إنسانية وتاريخية عريقة أكبر وأعمق مما يمكن أن يفرق بينهما، مبديا استعداد بلاده للدخول في حوار جاد ومسؤول مع الجزائر، ومؤكدا على التزامه الشديد بالاتحاد المغاربي، الذي لا يمكن أن يستقيم في غياب المغرب والجزائر إلى جانب باقي البلدان الشقيقة الثلاثة تونس وليبيا وموريتانيا.
ففي هذا السياق، يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يدعو فيها ملك المغرب الحكام الجزائريين إلى الحوار، إذ سبق له أن قام بذلك خلال سنة 2018 بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء المظفرة، حيث دعاهم إلى إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ سنة 1994، واقترح إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، كما أكد انفتاح بلاده على المقترحات والمبادرات، التي يمكن أن تتقدم بها الجزائر في هذا الشأن من أجل وضع حد لما بات يطبع العلاقات بين البلدين من جمود مميت، وهي ذات الدعوة التي جددها بعد اتخاذ السلطات الجزائرية قرار قطع علاقاتها الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب في غشت 2021 بدعوى استمراره في القيام بما أسمته "أعمال عدائية".
وبالعودة إلى الخطاب الملكي السامي بتاريخ 29 يوليوز 2025، نجد أنه فضلا عن اعتزاز جلالته بما بات يحظى به مقترح الحكم الذاتي من دعم دولي متزايد منذ سنة 2007، باعتباره الحل الوحيد الواقعي والممكن لإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، وتقديمه جزيل الشكر وموفور التقدير لكل دول العالم التي أعلنت عن دعمها الصريح للمبادرة المغربية، ومن ضمنها المملكة المتحدة وجمهورية البرتغال الصديقتين، اللتان عبرتا بوضوح عن موقفهما البناء، من خلال مساندتهما للمبادرة في إطار سيادة المغرب على كامل تراب صحرائه، ولاسيما أن من بين هذه الدول الداعمة للمبادرة المغربية، هناك ثلاث دول أعضاء في مجلس الأمن تتمتع بحق الفيتو وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وبريطانيا.
فإنه أبى إلا أن يوجه رسائل ذات أهمية بالغة إل الشعب الجزائري الشقيق، مشددا على ما يجمعه بالشعب المغربي من علاقات إنسانية نبيلة وتاريخية أصيلة، وما يربطهما كذلك من أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك. إذ قال بروح المسؤولية وصدقه المعهود: "حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين، وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا وقدراتنا سويا على تجاوز هذا الوضع المؤسف، كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط البلدين الجارين مع باقي الدول الشقيقة"، وبعيدا عن التأويلات المغرضة، أضاف جلالته قائلا: "بقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف".
وهي الدعوة التي اعتبرها العديد من الملاحظين والمهتمين بالشأن المغاربي تعبيرا صريحا عن حسن النية واحترام المصالح العليا والحيوية للشعبين، في اتجاه التوصل إلى توافق كامل وحلول نهائية لمختلف المشاكل المطروحة، وفي ذات الوقت رسالة مفتوحة لصناع القرار في الجارة الشرقية، للتأكيد على أن السيادة الترابية لا تعني إطلاقا الانغلاق، وأن الكرامة لا تتعارض مع مد اليد البيضاء، مادامت القوة الحقيقية هي القدرة على تجاوز الخلافات والانخراط في بناء المستقبل المشترك. وبالإضافة إلى ذلك تشكل هذه الدعوة تلك الرؤية الاستشرافية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، وتمثل أيضا التزاما حقيقيا بخيار المغرب الاستراتيجي لسياسة الانفتاح على محيطه الجهوي القريب قبل كل شيء...
فلا ينبغي لنا أن ننسى أنه علاوة على إيمان المملكة المغربية الراسخ بعدالة القضية الوطنية بخصوص الصحراء المغربية، أن الخطاب الملكي السامي تضمن تأكيدا واضحا على موقف المغرب التابث حول حسن الجوار مع الأشقاء الجزائريين. وهو الموقف القائم دائما على احترام مبدأ السيادة والقناعة العميقة بأهمية بناء اتحاد مغاربي قوي، بعيدا عن منطق التصعيد والحسابات الضيقة والممارسات العدائية، التي لن تخدم أبدا ومهما طال الزمن مصالح الدولتين والشعبين.
بيد أنه وكما هي عادة الكابرانات في محاولة نسف أي مبادرة تأتي من المغرب مهما كانت رفيعة، فإنه لم تمر عدا بضع ساعات قليلة على خطاب العرش، حتى جاء الرد مخيبا لآمال الشعبين الشقيقين، حيث أنه عوض استجابة النظام العسكري الجزائري لدعوة العاهل المغربي والعودة إلى جادة التعقل والحكمة، عاد ثانية لتوظيف صنيعته "جبهة البوليساريو الانفصالية" في إصدار بلاغ تصعيدي نيابة عنه، تردد من خلاله ذات الشعارات التقليدية المعتادة وعلى رأسها مطلب استفتاء تقرير المصير، وهو ما سيقود الجزائر لا محالة إلى مزيد من العزلة.

اودادن
علاش هاد الشي
اذا كان الملك يتحدث عن احمد المنصور الذهبي فقد توسع في مالي . و ما لم نقم بالتوسع في بلاد الكراغلة و نقوم بكنسهم من الوجود فلن ننعم بالسلم. يجب علينا حتما القضاء على ذالك الكيان الوظيفي البيدق و الا فوالله لن ننعم بالامن. ... هؤلاء اذا كلمتهم بالحسنى حسبوا ذلك ضعفا.