الرئيسية | أقلام حرة | هل كان يدري عصيد من هم أهل الكهف؟ وهل توجد لغة أمازيغية؟

هل كان يدري عصيد من هم أهل الكهف؟ وهل توجد لغة أمازيغية؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل كان يدري عصيد من هم أهل الكهف؟ وهل توجد لغة أمازيغية؟
 

لم يجد الناشط أحمد عصيد المعروف بعدائه للغة العربية في المغرب، وصفا تهكُّميا يصف به خصومه غير وصفهم بأهل الكهف، وذلك في تصريح انتقد فيه مبادرة تجمع نخبا سياسية وأهلية تهدف للتصدي لفرنسة التعليم، وذلك في محاولة منه لشخصنة المبادرة في أشخاص بعينهم، وتحويل قضية التعريب من قضية ذات طابع شعبي إلى مسألة أيديولوجية.

 

ربما لأسباب ذاتية، كحالة الإفلاس التي بات يعانيها قوميو ما يُسمى الحركة الأمازيغية، أو بسبب الوضع النفساني السيّئ الذي وجدوا أنفسهم فيه بعدما عاشوا على وهم ادعاءات ليس لها أي أساس في واقع المغاربة، بعدما أوهموا أنفسهم بأن بحوزتهم صك تمليك لهذه الأرض، وقدموا أنفسهم كوارثين شرعيين لها، وتوهموا أنهم بذلك يحق لهم فرض معتقداتهم الأيدولوجية بكل مغالطاتها على المغاربة والتقرير بدلا عنهم وفرض وصايتهم على شعب بأكمله، وفي هذا الإطار تبنوا عقيدة شوفينية تقوم على أساس أن كل من خالف أو ناقش أطروحاتهم بزيفها، وبسذاجتها أحيانا، وبميتافيزيقيتها أحيانا أُخر، من خلال رؤية مختلفة، ومارس حقه الطبيعي في الاختلاف معهم، كانت التهم جاهزة لتوجه له، على شاكلة القومجي أو الاستئصالي أو البعثي أو الإسلامي أو أتباع الخليج وما إلى ذلك من التعبيرات القاصرة التي تكشف، من جهة القصور الذهني وغياب مشروع فكري أو تصور لما يريدونه بالتحديد، ومن جهة ثانية تكشف عن إحساس اليأس والانهزامية الذي يشعره هؤلاء وهم داخل ساحة النقاش، وذلك عندما يفشلون في مقارعة الفكرة بالفكرة، أو حين تنكسر أوهامهم أمام الحقائق التاريخية وما يزكيها من إثباتات علمية.

 

لا أدري بالتحديد ما إذا كان الدافع وراء تشبيه هذا الناشط المعروف بعدائه لعروبة المغرب الثابتة ثبوت الجبال والمترسخة المتجذرة في الأعماق، المشاركين في هذه المبادرة التي كان وراءها القيادي في حزب الاستقلال السيد محمد الخليفة، بأصحاب الكهف، وما إذا كان يعلم جيدا من هم فتية الرقيم هؤلاء، نسبة لذلك الموقع حيث يوجد الكهف الذي كان شاهدا على معجزة إلهية غيرت مجرى التاريخ في تلك الفترة، وما إن كان قد وصل إلى علمه، أن تلك الواقعة كانت بداية لتحول وضع ديني معقد في روما ومستعمراتها نحو عقيدة التوحيد. وحتى نوضح، وذلك في إطار حق الاختلاف في وجهات النظر الذي نؤمن به، أن هؤلاء الفتية لم يكونوا مسلمين وفق الاسم الحالي للإسلام، بما أن هذا الأخير يعاني مما يسمى فوبيا الإسلام. حادثة الكهف كما تحدت عنها القرآن الكريم وحتى النصوص القديمة، كانت عنوانا لحركة

 

تمرد، كما يسمى حاليا، تبنت أفكارا تنويرية حداثية، بما أننا نتحدث عن مرحلة عُرفت فيها روما ونظامها السياسي والاجتماعي في مستعمرات العالم الشرقي، عُرفت بسيطرة الوثنية والهمجية والظلامية والجهل والغوغائية، كما كانت هذه الحركة تنشد الوحدة ضدا على الفُرقة التي كانت سائدة حينها، من خلال الدعوة إلى التوحيد وعبادة الإله الواحد بدل التماثيل والأصنام المتعددة، والتي كان أهل تلك البلاد يصنعونها بأيديهم ليتخذوها معبودا لهم، فقرر هؤلاء الفتية التخلي عن النفوذ والسلطة التي تمتعوا بها، بانتمائهم للطبقة الإروستقراطية المتمكنة من العلم والسياسة وسلطة القرار، ليعلنوا تمردهم على وضع ديني وسياسي واجتماعي كان مسلما به.

 

لا نريد، بكل تأكيد، في هذه المقالة المتواضعة أن نسقط في أي مقارنة بين حالتين لا وجه تشابه يربط بينهما، ولكن كل ما نريد إبرازه هو أن النص القانوني الذي يوضع، كما جرت العادة، كمقترح ليتحول عبر إجراءات إدارية إلى مشروع قانون يعرض بدوره على النواب بالبرلمان، وتنشر نسخة منه في موقع مجلس النواب، وتكون متاحة للجميع؛ ومشروع القانون هذا، يبقى ملكا لجميع المغاربة، ويحق للجميع الأخذ فيه، وإبداء الملاحظات بشأنه، بل وحتى تشكيل الجبهات لمقاومته، مادام ذلك يتم في نطاق السلوك المدني الحضاري، وما دمنا نؤمن بحق الأشخاص في التعبير عن رفضهم، بجميع الأشكال الاحتجاجية السلمية.

 

وهذا ليس القانون الأول من نوعه الذي يشهد انقساما في وجهات النظر، فالاحتدام في مناقشة القوانين داخل برلمانات بلدان عريقة في الديمقراطية، تتحول في كثير من المرات إلى تراشق بالأحذية أو تبادل للَّكم. وحتى وان كان المشروع قد انتهى إلى المصادقة البرلمانية، فإن ذلك لا يعني نهاية المطاف، أو أن الأمر بات مسلما به، وبالتالي لم يعد يحق للمعارضين له ممارسة أيا من حقوقهم المكفولة كتابيا، فالدستور أتاح إمكانية الطعن في القوانين لدى المحكمة الدستورية باعتبار أن الدفع بعدم دستورية القوانين يبقى حقا وفره الدستور للهيئات الحكومية والأهلية وحتى الأفراد على حد سواء. فقانون بهذه الأهمية سيحكم جيلا وستكون له تداعيات مجهولة وغير محسوبة، لا يمكن لمروره أن يتم بتلك السهولة التي يعتقدها، سواء من وضعوه، أو من ساندوه من جزء محسوب على اليسار فاقد للبوصلة يحتكم للحسابات الأيدولوجية الضيقة، إلى يمين ما يسمى "الحركة الأمازيغية" التي باتت متخصصة في مهاجمة كل خطوة تتعلق بتعزيز اللغة العربية، وأصبح مريدو تنظيماتها يخصصون أوقاتا كثيرة من حياتهم لمحاربة اللغة العربية، أكثر مما يخصصونه للدفاع عن مطالبهم الهلامية التي لا نعرف ماهيتها بالتحديد لحد الآن.

 

أكيد أنه لكل طرف الحق في التشبث بمواقفه، وهذا ما جرى مع مناصري مشروع التعريب، الذين مارسوا حقهم الإنساني والدستوري في الدفاع عن قناعاتهم، خاصة أمام عدمية المبررات التي ساقها مؤيدو القانون قصد تمريره. وأمام عدم قدرة هؤلاء على إقناع طرف الخلاف، لم يترك هؤلاء اتهاما إلا ووجهوه لخصومهم، متناسين ما يرفعونه من شعارات

 

حول حرية التعبير والحق في الاختلاف في الرأي، بل وحق كل إنسان في التشبث بقناعاته إلى أبعد حد، وهم يشخصنون القضية أحيانا، بأن يربطوها بشخص عبد الإله بن كيران أو بالإسلاميين عموما، أو بالقوميين واليساريين العرب، فلم يجدوا من رد سوى تكرار، إلى حد الاجترار، تلك العبارات البالية، من قبيل أن من يدافعون عن التعريب يدرسون أبناءهم في المدارس الأجنبية التي تعتمد لغات أجنبية، متناسين أن هؤلاء لا يشكلون سوى واحد بالمائة من مجموع من يطالبون، سواء بالتحرر من اللغة الفرنسية التي لا تحظى بأي أهمية داخل موطنها الأصلي أوروبا، أو المدافعين عن مشروع التعريب كونه السبيل الوحيد لإتاحة إمكانية حقيقية للانفتاح على اللغات ذات الحضور القوي، كالإنكليزية مثلا، أوالاسبانية، وحتى الصينية التي أصبحت تدرس في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن ينشدون مدرسة وطنية ونهضة علمية تقوم على امتلاك المعرفة وإنتاجها محليا، وذلك لن يتحقق بالاستمرار في الاتِّكال على فرنسا وانتظار ما تترجمه، وإنما يتحقق فقط بتعزيز لغة المواطن في جميع المجالات، وعلى رأسها مجالات البحوث العلمية والتقنية.

 

لو أن الأمر تعلق بتعريب التعليم الجامعي، لرأيت أهل هذه الحركة الغوغائية يزبدون ويردون، ولارتفعت أصواتهم تنادي بـ"التمزيغ" وتطبيق المساواة بين ما يسمونه أمازيغية واللغة العربية في كل أطوار التعليم الجامعي ومواده العلمية والتقنية دون استثناء، ولكن بما أن المشروع يتعلق بفرنسة وليس تعريب، فإن أهل الحركة صاموا عن التذكير بمطالبهم، بل تحولوا بقدرة قادر إلى مدافعين شرسين عن مشروع الفرنسة، بعدما ظلوا لسنوات يدعون إلى التدريس بما يسمونه الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، لينضافوا إلى قائمة من كانوا قبل سنتين يطالبون بتلهيج أو تدريج لغة التلقين في المدرسة، وكان مبررهم آنذاك هو صعوبة اللغة الفصحى، كما يدعون كذبا ورياء، في مقابل سلاسة العامية، لكن هؤلاء بدورهم وبقدرة قادر، تحولت لديهم القناعة من التلهيج إلى الفرنسة، فأصبحت الفرنسية في نظرهم أكثر سهولة من العربية، بل وحتى من العامية التي دافعو عنها قبل أن ينكشف أمرهم، ويتضح جليا أن غايتهم المنشودة كانت هي إزاحة اللغة العربية، المشترك الذي يوحد المغاربة من الشمال إلى الجنوب، وتعويضها بلغة المستعمر لإذكاء روح الاحساس بالتبعية والذل.

 

نصيحتنا لهؤلاء الذين حملوا راية العداء للغة الشعب المغربي، أن يهتموا بمشروعهم الذي أثبتوا فشلهم فيه، وقد خصصت لهم الدولة منذ ٢٠٠٢ ميزانيات سنوية وبناية فخمة في أحد أرقى مناطق العاصمة الرباط، وقدمت زعمائهم كخبراء، انتظر المغاربة منهم، أن يصنعوا لغة جديدة، ستوحد غير العرب في لسان واحد، لكن وليومنا هذا عجز هؤلاء، بل أكدوا فشلهم في تقعيد ما يسمونه لغة، وذلك بإنتاج قواعد تضبطها وتقيدها، كما فشلوا في توحيد المعجم اللغوي، مثلما فشل أنصار هذا المشروع منذ سبعينات القرن الماضي في إنتاج أدب حقيقي لهذه اللغة المزعومة، وذلك من خلال الكتابة بها والترجمة إليها، وهنا نسائلهم عن عدد المقالات والنصوص والكتب التي حرروها بها أو ترجموها إليها، ففيما يدْعُون

 

مؤسسات الدولة إلى الكتابة بها، ويطالبونها بالزام جميع المغاربة بتعلمها والكتابة بها، وهم يلومون أنصار التعريب بأنهم لا يدرسون أبناءهم في المدارس الوطنية، فإننا نسأل، بدورنا، لماذا في الوقت الذي يُطالبنا هؤلاء، نحن الذين لا علاقة تربطنا بهذه اللهجات بتنوعها وتباينها والتي شاءت الأقدار أن تتحول إلى "لغة"، لماذا يطالبوننا بتعلمها والكتابة بها، بينما هم أصحاب المشروع لا يستعملونها في كتاباتهم، وهم لم يكتبوا لنا شيئا، حتى إذا ما تعلمناها وجدنا ما نقرأه بها.

 

 

في الأخير نقول لهؤلاء، اللغة العربية لم تكن يوما ضرة حتى تواجهوها بهذا الكم من الحقد والكره، كما نقولها نصيحة لهم، أن اللغات تنتجها حاجة الشعوب الماسة لها، وليس المختبرات أو المراكز التقنية.

مجموع المشاهدات: 874 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة