الرئيسية | أقلام حرة | الأمازيغ التعريبيون والأمازيغ المفرنِسون والدارجة

الأمازيغ التعريبيون والأمازيغ المفرنِسون والدارجة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الأمازيغ التعريبيون والأمازيغ المفرنِسون والدارجة
 

ملاحظة إلى المعلقين الظرفاء الذين سيتساءلون متمسخرين عن سبب عدم كتابتي هذا المقال باللغة الأمازيغية: اقرأوا مقالاتي السابقة العديدة باللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، واقرأوا ترجمتي للدستور المغربي إلى اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني. وبالمناسبة، فما رأيكم في تلك الترجمة الأمازيغية؟

 

1) تهرب نشطاء ومثقفي الأمازيغية من الكتابة باللغة الأمازيغية:

 

إن هذا المشكل العجيب هو فعلا أعجوبة الأعاجيب بامتياز.

 

نحن الآن في القرن 21 في العام 2019 حيث تتوفر لجميع المثقفين والصحفيين والنشطاء والمدونين الناطقين باللغة الأمازيغية كل وسائل الكتابة الورقية والإلكترونية ومئات القواميس المجانية على الإنترنيت ومع ذلك يرفضون رفضا باتا كتابة أية مقالات أو تدوينات في مواضيع السياسة والاقتصاد والمجتمع بلغتهم الأمازيغية الأم ويفضلون الكتابة بالعربية الفصحى (التي يلعنونها يوميا) وبالفرنسية (التي يمجدونها يوميا).

 

إنها مفارقة غريبة أن يهمل المدافعون عن اللغة الأمازيغية الكتابة باللغة الأمازيغية!

 

لماذا يتهربون من الكتابة بالأمازيغية؟ لهذه الأسباب:

 

- يرفضون كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لأسباب سياسية.

 

- ينتظرون شيوع حرف ثيفيناغ في المجتمع (وهذا سيتطلب عقودا أو قرنا من الزمن).

 

- يظنون أن الكتابة بالأمازيغية لا تجوز ولا تصح إلا بلغة "أمازيغية فصحى" كانونية Canonical منمقة مزخرفة على منوال العربية الفصحى وأن لهجات اللغة الأمازيغية الشعبية لا تستحق الكتابة لأنها غير أكاديمية، ولذلك ينتظرون أن تتنزل عليهم "اللغة الأمازيغية المعيارية الإيركامية الفصحى" (الوهمية) لكي يقولوا: العرب لديهم العربية الفصحى، وها هم الأمازيغ لديهم الأمازيغية المعيارية الإيركامية التيفيناغية الفصحى. إنهم مسكونون بهاجس "اللغة الفصحى" ومشغولون بمحاكاة نموذج "العربية الفصحى".

 

- يقولون أنهم يصومون عن الكتابة بالأمازيغية ويكتبون بالعربية والفرنسية لكي يفهمهم المغاربة. وهذا عذر ضعيف ولكنه كان سيكون مقبولا لو كانوا يكتبون مقالات وتعليقات بالأمازيغية حينا وبلغة أخرى حينا آخر. ولكن الفضيحة هي أنهم صائمون عن الكتابة باللغة الأمازيغية صياما تاما كاملا مطبقا.

 

مثال توضيحي: في سويسرا توجد أربع لغات شعبية ورسمية دستوريا هي: الألمانية (63% من السكان)، الفرنسية (22% من السكان)، الإيطالية (8% من السكان)، الرومانتش (1% من السكان)؛ ولغات أجنبية.

 

المواطن السويسري الناطق بالإيطالية يكتب عادة بالإيطالية فقط ولا يفكر في مواطنيه السويسريين الآخرين الذين لا يفهمون الإيطالية. لماذا؟ لأن هذا الكاتب السويسري بالإيطالية يركز على الكتابة بلغته الأم الإيطالية ويكتفي بشريحة السويسريين الناطقين بالإيطالية ولا يفكر في تبني الألمانية والفرنسية والرومانتش ليفهمه

 

كل السويسريين، ففي سويسرا يوجد ما يكفي ويزيد من الكتاب والصحفيين والمبدعين المتخصصين في الكتابة بالألمانية والفرنسية والرومانتش ويكتبون بها للجمهور السويسري الناطق بتلك اللغات.

 

أما الشيء الشاذ والمنحرف والغبي فهو أن يقوم صاحبنا الكاتب السويسري الناطق بالإيطالية بإهمال الكتابة بلغته الأم الإيطالية والصيام عنها صياما تاما وأن يقوم بتبني الألمانية (لغة أغلبية السويسريين) في كتابته وكلامه بذريعة أنه "يريد أن يفهمه أغلب السويسريين". هذا تفكير عدمي غبي انهزامي يقتل اللغة الأم.

 

وهذا بالضبط ما يفعله المثقفون الأمازيغ ونشطاء الأمازيغية والمعلقون والمدونون: يهملون الكتابة والإنتاج والتعليق بلغتهم الأمازيغية الأم إهمالا تاما ويتعمدون الاقتصار على استعمال العربية والفرنسية بذريعة مفادها: نريد أن يفهمنا كل المغاربة!

 

هذا منطق عدمي انهزامي يقتل الأمازيغية ويفرغ وجودها من أي معنى، ويسهل انقراضها.

 

وزد على ذلك أن نسبة الأمية الحرفية في المغرب هي 30%. وإذا أضفنا إليها الأمية الثقافية والعلمية واللغوية فستصل نسبة الأمية العامة بسهولة إلى 70% أو 80% من مجموع المغاربة (ضمنهم ضعاف التعليم الذين لم يكملوا الابتدائي). فأنت إذا كنت تزعم أنك بعربيتك أو فرنسيتك تكتب لـ"كل المغاربة" فأنت في الحقيقة تكتب لأقلية من المغاربة أي حوالي 30% أو 20% من المغاربة أو أقل من ذلك.

 

لا يوجد مبرر معقول للتهرب من الكتابة والانتاج باللغة الأمازيغية الآن. فلا توجد لغة مكتوبة بالمغرب يفهمها كل المغاربة ولا حتى نصف المغاربة. ما كايناش Wer telli

 

2) تناقضات الحركة الأمازيغية: الشكوى من التعريب والسكوت عن الفرنسة

 

يتجنب نشطاء الحركة الأمازيغية الاعتراف بوجود سياسة الفرنسة التي تطبقها الدولة المغربية منذ 1912 وتطبقها كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية والمدنية المغربية يوميا بالتزام ديني ووفاء طقوسي. وفي نفس الوقت يشتكي نشطاء الحركة الأمازيغية من سياسة التعريب.

 

الحركة الأمازيغية تؤكد وجود "سياسة التعريب" وتنفي أو تسكت عن وجود "سياسة الفرنسة".

 

أما الحقيقة فهي أن الدولة المغربية تطبق "سياسة التعريب والفرنسة" منذ 1912 وإلى هذه اللحظة.

 

الدولة المغربية والشركات التجارية المغربية والمنظمات المدنية المغربية كلها ملتزمة بشكل ديني وبوفاء عجيب بنشر الفرنسية بنفس القدر الذي تنشر به العربية. كل شيء في المغرب لا بد أن يصدر بالنسخة الفرنسية بجانب النسخة العربية وعلى نفقة الشعب. إنه قانون خفي يلتزم به الجميع بشكل ديني طقوسي.

 

النفاق التعريبي الإسلامي معروف ومفروغ منه. فالتعريبيون والإسلاميون في المغرب يشتكون من سياسة الفرنسة ويؤيدون سياسة التعريب. أما الدولة فتطبق "سياسة التعريب والفرنسة" كسياسة واحدة مندمجة.

 

الخطاب المتناقض للحركة الأمازيغية المتمثل في الشكوى من "سياسة التعريب" والسكوت عن "سياسة الفرنسة" بل مساندة "فرنسة التعليم" هو أيضا نفاق يضرب مصداقية الحركة الأمازيغية في الصفر.

 

وتتضاعف فداحة هذه الفضيحة مع قيام الحركة الأمازيغية بمساندة فرنسة التعليم المغربي في 2019 وفي نفس الوقت تجاهلت وتخاذلت الحركة الأمازيغية عن المطلب الحقيقي الذي كان يجدر بها القتال من أجله: تمزيغ التعليم المغربي عبر ترجمة كل المقرر التعليمي المغربي العلمي والأدبي إلى اللغة الأمازيغية فورا.

 

كيف تبرر الحركة الأمازيغية هذه الفضيحة (أي التخلي عن تمزيغ التعليم والانبطاح أمام سياسة الفرنسة)؟

 

مبررات نشطاء الحركة الأمازيغية هي:

 

- الأمازيغية ليست لغة علمية وليست قادرة ولا جاهزة لتدريس العلوم والمواد المدرسية للتلاميذ.

 

- حرف تيفيناغ لم ينتشر بعد في المجتمع (بالنسبة لهم تيفيناغ أهم من الأمازيغية بل هو الأمازيغية!).

 

- ننتظر نزول اللغة المعيارية الإيركامية الفصحى (لتكون لغة معادلة للعربية الفصحى).

 

- القانون التنظيمي (الكارثي) يحتاج إلى وقت لتطبيقه وتنزيله وأجرأته وتأويله وبرقرطته....إلخ إلخ إلخ.

 

- اللغات الأجنبية (يقصدون الفرنسية) هي الأقدر على تدريس العلوم بالمغرب.

 

وقد هدمت أنا هذا الزعم الكذاب في مقالات سابقة بينت فيها أن اللغة الأمازيغية قادرة برصيدها اللغوي القديم الأصيل الغني على تدريس كل المواد المدرسية العلمية والأدبية الآن فورا، وكل ما يجب فعله هو البدء في ترجمة الكتب المدرسية العلمية والأدبية إلى الأمازيغية وتزويدها بلائحة مصطلحات أساسية أمازيغية – عربية – إنجليزية، وتكوين المعلمين والأساتذة في المصطلحات العلمية الأمازيغية. وكذلك كنت قد قدمت للقراء ترجمتي للدستور المغربي بأكمله إلى اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وقاموسا مختصرا لبعض المصطلحات الإدارية، وكتابا لتعليم اللغة الأمازيغية بالدارجة المغربية (انظر مقالاتي السابقة).

 

3) سخافة أن "الفرنسة لا تهدد الأمازيغية" وأن "التعريب هو وحده الذي يهدد الأمازيغية":

 

يردد كثير من أنصار الأمازيغية المناصرين لسياسة فرنسة المغرب مغالطة تقول: "الفرنسيون لا يريدون فرنسة الأمازيغ ولا يريدون إبادة الأمازيغية، ووجود الفرنسية بالمغرب لا يهدد الأمازيغية".

 

والرد هو: ومن قال لكم بأن العرب في السعودية يريدون تعريب الأمازيغ وإبادة الأمازيغية؟! العرب في السعودية مشغولون ببلدهم وشؤونهم ولا يهتمون بالبربر ولا ببلاد البربر ولا بلغة البربر. مشكلتنا هي مع:

 

- الأمازيغ التعريبيين والأمازيغ الإسلاميين بالمغرب الذين يريدون محو اللغة الأمازيغية واستبدالها بالعربية الفصحى في سبيل الإسلام وفلسطين والعروبة والذوبان في السعودية والعالم العربي.

 

- الأمازيغ المفرنِسين بالمغرب الذين يريدون محو اللغة الأمازيغية واستبدالها بالفرنسية في سبيل الحداثة والانفتاح والذوبان في فرنسا والعالم الفرنكوفوني.

 

ولكن أين الأمازيغ التمزيغيون المدافعون عن تمزيغ التعليم والإدارة ونشر اللغة؟ والو. لا نجد إلا التيفيناغيين الفولكلوريين المشغولين بالديكور التيفيناغي (والمساندين للفرنسة في نفس الوقت!).

 

ويواصل الأمازيغ المناصرون للفرنسة مغالطاتهم قائلين: "اللغة الفرنسية لا تهدد وجود اللغة الأمازيغية إطلاقا وإنما العربية هي التي تهدد وجود اللغة الأمازيغية بسبب التعريب".

 

الرد على ذلك: من يربط التعريب بالعربية فعليه أن يربط الفرنسة بالفرنسية وإلا فهو يكيل بمكيالين.

 

من يستنكر التعريب فعليه أن يستنكر الفرنسة أيضا وإلا فهو منافق يكيل بمكيالين.

 

إن تحول الشعب المغربي إلى الرطن والبربرة والنغنغة بالفرنسية هو شيء لا يختلف إطلاقا عن تحوله إلى الرطن والبربرة والحنحنة بالعربية. فهذا كله نسميه: "تغير اللغة" أي Language change. عندما تتم تربية شعب ما في المدرسة والمعبد والإدارة والتلفزة والإشهار والسينما على لغة جديدة معينة يتم تلقيمها وإبلاعها إياه باستمرار وإصرار فسيتبنى الشعب تلك اللغة الجديدة ويرمي لغته القديمة في سلة الأزبال.

 

إذن: ترويج الفرنسية في المغرب يؤدي إلى محو الأمازيغية وحلول الفرنسية (أو دارجة فرنسية هجينة) مكانها كلغة وظيفية أو شعبية مثلما حدث في السنغال والغابون والطوغو وكوت ديفوار والكونغو كينشاسا.

 

وأيضا بالضبط: ترويج العربية يؤدي إلى محو الأمازيغية وحلول العربية (أو دارجة عربية هجينة) مكانها مثلما حدث في أجزاء من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وفي بلدان أخرى مثل جزر مالطة.

 

فمثلما أن التعريب والاستعراب بالمغرب قد أدى إلى ظهور لغة كريولية عربية Arabic creole هي الدارجة المغربية فكذلك ستؤدي الفرنسة والتفرنس إلى ظهور لغة كريولية فرنسية French creole بالمغرب أي "الدارجة الفرنسية" التي ستكون خليطا من الفرنسية والأمازيغية والدارجة والعربية الفصحى.

 

فاللغات الكريولية الفرنسية في هايتي والسيشيل و"الفرنسية الأفريقية" في السنغال والغابون والكونغو ما هي إلا "دارجات فرنسية" مشابهة للدارجة المغربية التي هي الكريول العربي بالمغرب. وفي دول مثل نيجيريا وغانا وسيراليون وجامايكا تطورت لغات كريولية إنجليزية English creoles هي خليط من الإنجليزية ولغات محلية أو أخرى. إنها "الدارجات الإنجليزية" (الخليطة) في تلك البلدان.

 

- ملاحظة: مصطلح pidgin يعني: لغة خليطة بدائية. مصطلح creole language يعني: لغة خليطة موسعة ومستقرة. ووجود آلاف الكلمات والعبارات في الدارجة المغربية مثل: تابنّايت، تاسياسيت، تّبوحيط، ما تزگلش، اتاي، تامّارا، دّيها فراسك، اه، ييه، واه، واخّا، واكواك، علاش (ترجمة للأمازيغية maxef أو mayen xef)، لحم خضر، دّيها فراسك، بّا، بابا، يمّا، حنّا، لالّا، إيوا، أوا، آنضرآ، لفكرون... هي دلائل تؤكد أن الدارجة كريول عربي أمازيغي. والفرنسية الآن تغزو الدارجة والأمازيغية بسياسة فرنسة التعليم.

 

وفي تلك البلدان المذكورة تعتبر لغة "الكريول" (الدارجة الخليطة) لغة العوام والرعاع وتعتبر "الفصحى النقية" لغة علية القوم. ويكون الصعود الاجتماعي للمرء مشروطا بتخليه عن دارجته وتبنيه العربية الفصحى النقية أو الفرنسية النقية أو الإنجليزية النقية الخالية من كلمات وعبارات الكريول.

 

وفي المغرب يضغط النظام الاجتماعي والسياسي على المغاربة ليتخلصوا من الدارجة (الكريول العربي الأمازيغي) ومن الأمازيغية (لغة المغرب الأصلية) فيحاول المغاربة جعل أبنائهم يجيدون العربية الفصحى النقية والفرنسية الباريسية النقية للانضمام إلى النخب وعلية القوم وتحسين الوضعية المالية والاجتماعية.

 

فالإنسان المغربي يخضع منذ طفولته لجراحة فرنسية/عربية لـ"تصحيح الاعوجاج البربري المعلوم" في لسانه. من أول يوم في المدرسة يتم إرغامه على تقمص دور الطفل الفرنسي الباريسي في حصة L’oral وحصة La lecture وحصة La conjugaison، ويتم إرغامه على تقمص دور الطفل العربي الحجازي في حصة "القراءة" و"التربية الإسلامية" و"الدرس اللغوي" و"المحفوظات". وتتم برمجته كطفل عربي فرنسي في برامج الأطفال التلفزية كالرسوم المتحركة المدبلجة بالفرنسية والعربية الفصحى.

 

هذا ما تؤدي إليه سياسة الفرنسة التي يتبناها الأمازيغ المفرنِسون، وسياسة التعريب التي يتبناها الأمازيغ التعريبيون/الإسلاميون. والطرفان المتصارعان يلعبان تحت المظلة العليا ألا وهي "سياسة التعريب والفرنسة" التي تطبقها الدولة.

 

خلاصة هذا السيرك اللغوي الرديء هي: "جناح الأمازيغ التعريبيين/الإسلاميين" يريد تعريب المغاربة. و"جناح الأمازيغ المفرنِسين" يريد فرنسة المغاربة. ولا أحد منهما يكترث باللغة الأمازيغية.

 

أما الزعم بأن فرنسة المغرب لا تمحو اللغة الأمازيغية وأن تعريب المغرب هو وحده الذي يمحو اللغة الأمازيغية فهو زعم مغالط مضلل يكذبه الواقع. وهذا الزعم ينم عن تعاطف لامشروط مع الفرنسية وعن استخفاف لامحدود بالأمازيغية. فغزو الكلمات الفرنسية (والإسبانية) الكلام الأمازيغي في المدن هو أول مرحلة من مراحل التفرنس (والتأسبن) وتهجين الأمازيغية تمهيدا لإزالتها. والدارجة (التي هي كريول قام بمحو الأمازيغية من عدة مناطق مغربية) معرضة هي أيضا للطوفان الفرنسي الذي تنتجه سياسة الفرنسة.

 

مصطلحات "الدارجة المغربية" و"العربية المغربية" و"الكريول العربي الأمازيغي" هي كلها أسماء لنفس اللغة. اختر منها الذي يعجبك. والمؤكد هو أن سياسة التعريب تتسبب في انتشار الدارجة كلغة شعبية شفوية وفي انتشار العربية الفصحى كلغة كتابية وفي محو الأمازيغية. وكذلك سياسة الفرنسة تتسبب في محو الأمازيغية شفويا وكتابيا بالتدريج. تصعيد سياسة الفرنسة بالمغرب سيؤثر على لغة الناس. وقد تظهر لغة يسميها الناس: "الفرنسية المغربية" أو "الكريول الفرنسي المغربي" ستمحو الأمازيغية والدارجة معا.

 

الخلاصة هي: سياسة الفرنسة وسياسة التعريب تهددان اللغة الأمازيغية بنفس القدر.

 

وحتى لو كانت سياسة التعريب خشنة جلفاء بدوية المظهر وسياسة الفرنسة ناعمة رقيقة متحضرة المظهر فهذه اختلافات سطحية قشورية لا ينبغي للأمازيغي المغربي أن ينخدع بها.

 

وبالنسبة لمن يضيف البعد الهوياتي القومي إلى الموضوع فليعلم أن اللغة تؤثر على الوعي بالهوية بل غالبا تحدده، لأن اللغة هي أقوى وأهم حامل للهوية. عندما تختفي اللغة الأمازيغية تختفي معها الهوية الأمازيغية.

 

4) انسحاب "الحركة الأمازيغية" من اللغة الأمازيغية وتحولها إلى "حركة تيفيناغية":

 

منذ فرض حرف تيفيناغ على الأمازيغية في 2003 بدأت الحركة الأمازيغية تنسحب من اللغة الأمازيغية، وتَرَاجَعَ الإنتاج باللغة الأمازيغية وانحبس في الشعريات والنثريات والرمزيات. وأصبحت الحركة الأمازيغية حركة تيفيناغية شغلها الشاغل هو الديكور التيفيناغي الذي يزين البلايك والواجهات وعناوين الأشياء ولا يقرأه أحد. فالذي تريده الحركة الأمازيغية الآن هو التفنيغ الديكوري وليس التمزيغ اللغوي. وأصبحنا نقرأ في الإعلام المغربي: "لقد تم إصدار الشيء الفلاني بتيفيناغ". أصبح تيفيناغ هو اللغة!

 

انسحاب الحركة الأمازيغية من اللغة الأمازيغية يفسر انبطاح الحركة الأمازيغية أمام سياسة فرنسة التعليم المغربي في 2019 وعدم اهتمامها بتمزيغ التعليم المغربي تمزيغا لغويا. لم يعد النشطاء يهتمون بالكتابة والتدوين باللغة الأمازيغية. فمن لا يؤمن باللغة الأمازيغية سيهجرها ويكتب بغيرها ويناصر غيرها.

 

 

ويستمر الصراع العبثي بين الأمازيغ التعريبيين والأمازيغ المفرنِسين حول "سياسة التعريب والفرنسة" التي تطبقها الدولة أصلا منذ 1912 بدون توقف، بينما اللغة الأمازيغية منسية، خارج اللعبة، في وضعية تسلل.

مجموع المشاهدات: 728 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة