الرئيسية | أقلام حرة | قراءة نفسية لتألق أسود الأطلس في قطر

قراءة نفسية لتألق أسود الأطلس في قطر

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
قراءة نفسية لتألق أسود الأطلس في قطر
 

أن ينتابك فرح صاخب وترغب في الانفجار، فتذرف عيونك دموع الفرح، ويقشعر بدنك، وتعانق من يجاورك، وترغب في الصراخ معلنا أنك مغربي أو لك صلة بالمغرب لكونك مسلما أو أمازيغيا أو عربيا أو إفريقيا أو لمجرد أنك تحب فريق أسود الأطلس وأنت - ربما - لا تفقه شيئا في كرة القدم ...أمر يحتاج لدراسات وقراءات معمقة وعلمية دقيقة، ولعل القراءة النفسية هي التي ستحلله بدقة لأن الأمر ببساطة يتعلق بحالة نفسية يتداخل فيها شعور الفرح: بالافتخار، بالبكاء، بالصراخ لدى كل مغربي كبير وصغير، حالة نفسية دغدغت واستدعت كل المشاعر النبيلة، فتخطت المجال الجغرافي للمغرب، وذوبت الخلافات السياسية والعرقية، وتسربت إلى قلوب الملايين من الناس الذين نسوا وتناسوا كل الهموم، وتعطلت كل المهام، وأجلت كل الأعمال، لتصفق للأسود وهي سعيدة بإنجازاتها في كأس العالم قطر 2022.

                                           كيف حصلنا على أسود الأطلس؟

• من الناحية الإدارية والتقنية:

 لم يكن إعداد الفريق الوطني وليد لحظة قصيرة، كما لم يكن اختيار أعضائه عشوائيا، بل تم بفضل الرعاية الملكية السامية والرغبة الفعلية للمسؤولين الرياضيين في الرقي بالرياضة بصفة عامة (إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، إنشاء ملاعب القرب، اقتران وزارة التعليم بالرياضة...)، فتكلل ذلك بتحقيق ألقاب على الصعيد المحلي والجهوي والقاري والعالمي لسنة 2022 (الوداد بطل دوري أبطال إفريقيا، نهضة بركان تتوج بلقبي كأس الكونفيدرالية ولقب السوبر الافريقي، لقب كأس العرب في كرة الصلات، كأس أمم افريقيا للاعبين المكفوفين، تأهل منتخب السيدات تحت17 إلى بطولة كاس العالم، وصول المنتخب المغربي للسيدات إلى نهائي البطولة القارية، الجيش الملكي سيدات يتوج بلقب دوري ابطال افريقيا، احتلال المنتخب المغربي لكرة لقدم لمبتوري الأطراف المركز الخامس قي نهائيات كأس العالم بتركيا، ولا ننسى تألق المغرب في ألعاب القوى ممثلا في سفيان البقالي كأحسن عداء افريقي لهذه السنة)

 وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فتنصيب الركراكي الرجل الرياضي، الوطني، الخلوق، الشاب، المحترف، الكوتش، الأب الروحي، الأستاذ...ناخبا وطنيا كان له أثر كبير على عطاء النخبة الوطنية: تكتيكيا فنيا ونفسيا...

 إشراك الشعب في اختيار الناخب الوطني "وليد الركراكي" وتحقيق رغبته في عودة النجوم المغاربة المحترفين إلى صفوف المنتخب (حكيم زياش ونصير مزراوي وعبد الرزاق حمد الله وأمين حارث).

• من الناحية النفسية: العوامل التي كان لها وقع كبير على عطاء اللاعبين:

 عودة اللاعبين المحترفين بعد جبر خاطرهم والطبطبة على أكتافهم بعد استبعادهم من طرف المدرب السابق، وإحساسهم بالتحفيز وأهمية رد الجميل لوطنهم فلم يتوانوا عن تقديم تجربتهم وخبرتهم بل ومستحقات بعضهم المادية والجميع مستعد لتقديم روحه لو لزم الأمر (بدليل اللعب رغم الإصابة).

 حضور المغاربة بغزارة لمساندة المنتخب تاركين وظائفهم وعائلاتهم وجعل مساندة الفريق من الأولويات ومن الواجبات الوطنية (نموذج المشجع المغربي الذي تعرض للتنمر عليه بسبب تحمله مشقة ومصاريف الرحلة في حين ليست لديه أموال لمعالجة أسنانه).

 إبداع المغاربة في أنواع التشجيع نظرا لغنى ثقافتنا الموسيقية والتراثية.

 إحساس اللاعبين المغاربة في قطر كأنهم في وطنهم، ولما لا والأمن الوطني المغربي بقيادة السيد "الحموشي" حاضر ومساهم في تحصين كأس العالم؟، لما لا والفنان المغربي "ردوان" على رأس التنظيم الموسيقي للمونديال؟، لما لا والصانع المغربي" أحمد أيت سيدي" مساهم في صناعة كأس العالم؟، لما لا وأمير البلاد " تميم بن حمد بن خليفة" يلوح لهم رافعا الراية الحمراء؟، لما لا والعرب من كل حدب وصوب يشجعون بكل الطرق: بالأدعية، بالأمداح النبوية، بالأهازيج العربية والمغربية ؟؟...

 إحساسهم بالشحنة النفسية الإيجابية التي تبثها وتبعثها الأم والعائلة وهي حاضرة بين أدراج الملعب، مستعدة لاحتضانه ودعمه مهما كانت النتيجة، ووفقا لدراسات علمية سابقة، فإن هرمون الأوكسيتوسين الذي يفرزه الشخص عندما يُحتضن يمكن أن يقلل من التوتر الاجتماعي، ويزيد من الثقة والمهارات الاجتماعية. ولأن فريقنا يدرك أهمية الأم في حياتنا فهو يطبق قوله تعالى: ((وبالوالدين إحسانا)).

 الدراية التامة بمزايا وخصوصيات الخصم (على جميع المستويات)، بحكم الزمالة التي تربطهم باللاعبين في النوادي العالمية، وأجمل مثال يقدم في هذا المجال: ابتسامة "بونو" التي اختصرت مدى خبرتهم الكروية، حيث كانت أذكى طريقة نفسية للدفاع عن عرينه (أثناء ركلات الترجيح ضد اسبانيا).

كلها عوامل يتداخل فيها الجانب العملي واللوجستيكي بالعامل النفسي تمخض عنه تكوين فريق قوي وصامد وبالتالي الحصول على نتائج فاقت كل التوقعات.

         إذا لم يكن تألق المغاربة رياضيا أمرا محتوما وطبيعيا فلماذا انفجرنا وصرخنا وبكينا فرحا؟؟

  إن بكاءنا فرحا جاء بعد انتظار طال أمده، بكينا كما يبكي كل مسجون أطلق سراحه، نعم سجنتنا كورونا وقيدتنا ضغوطات كثيرة (غلاء الأسعار، الجفاف...) فنسينا كيف نفرح وربما لأننا قبلا لم نجد السبب الحقيقي للفرح.

  بكينا فرحا كمغاربة لأننا نريد للعالم أن يشاطرنا الفرح والبهجة بعد أن شاطرنا الحزن والكرب على مأساة "ريان الذي سقط في البئر"

  انفجرنا فخرا واعتزازا بفريقنا الذي كان أفضل سفير ينشر قيمنا الوطنية والإنسانية والإسلامية.

  بكينا شكرا للمنتخب الذي تكلف بالرد الفني والرمزي والعملي على أفكار تسعى لهدم مستقبل وأخلاق أبنائنا (المثلية).

  انفجرنا راقصين تعبيرا عن قوتنا معلنين أننا شعب لن يرضى بالذل والنظرة التحقيرية الدنيوية التي لازمت الأمازيغي والعربي والمسلم على مر العصور، فكان وقفة للتذكير بتاريخنا المجيد.

  طرنا فرحا لأن الخصم لم يكن مجرد فريق كرة قدم، بل تعداه ليمثل ذلك العدو الذي سبق له أن نهش ثرواتنا ذات يوم واستعمر ممتلكاتنا وسلب أرضنا.

  رقصنا وعيون الكامرا ترصدنا لنقول اننا موجودون وأننا شعب قادر على تحقيق المستحيل عندما تحضر الرغبة والعمل الجاد والنفسية المرتاحة.

  بكينا فبكى العالم العربي معنا فرحا وتعبيرا عن ارتباطنا العربي (عندما يتحدث اللاعب المغربي اللغة العربية ولو بالدارجة المغربية، وعندما رفع الأسود علم فلسطين).

  بكينا فشاركنا العالم الإسلامي افتخارا بعقيدتنا وبإيماننا بالله عز وجل (عندما سجد الفريق في أوج سعادته وفي قمة حزنه) مؤمنين بـ ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم))

  بكينا فرحا لأن الركراكي حقق أحلامنا شبه المستحيلة.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه حاليا: ماذا سيحل بنفسيتنا بعد انتهاء المونديال، بعد أن أصبنا بإدمان الفرح وتعودنا رؤية الجماهير ترقص في الشوارع وتغني؟؟؟ هل سننجح في مواصلة العيش في الفرح ورؤيته في حياتنا البائسة؟؟ أم أننا سنستيقظ من حلمنا الجميل بعد أن نصطدم بروتيننا الممل؟؟؟

 بعد هذا التألق تبقى وستظل " النظرية الركراكية " هي الوصفة السحرية الممكنة لمواصلة الحياة، يكفي أن نعد المقادير كاملة متكاملة مرددين:

"بشعار: "سير... سير... سير ..." سنواصل المسير ونرفع شان الدين والوطن، متسلحين بالنية وبالتوكل على الله، ساعين لرضا الوالدين، ومستمرين في تقديم الخير (بالتضامن والتعاون، بالإيثار والإخاء...)، بالتدريب والتكوين المستمر والابتسامة الدائمة نرفع تحدي: "المستحيل ليس مغربيا،" وما من شك أن همومنا ستختفي بل ستخجل أمام صخب الفرح المقترن بالإيمان والأمل والعمل".

 بعد الإنجاز التاريخي نقوم احتراما وإجلالا لفريقنا الوطني، راجيين له المزيد من التألق، ونقول لهم:

    " تستحقون الاستقبال الشعبي الكبير، والتتويج الملكي الفخري".

                              دامـت لنا الأفـراح بوجـودكم وشكرا على الـدروس والعـبـر.

 

 

 

 

مجموع المشاهدات: 7178 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (3 تعليق)

1 | عيد تا الدائم مصطفي
رائع
تحليل علمي و ادبي منطقي و رائع.
مقبول مرفوض
3
2022/12/25 - 02:52
2 | ايمان
أبدعت
أحسنت أستاذتي حفظك الله ورعاك
مقبول مرفوض
2
2022/12/26 - 01:04
3 | أمينة
نفتخر
تناولت الموضوع بشكل رائع و مدروس أستاذتي. نتمنى أن تكون هذه بداية نهضة عربية.
مقبول مرفوض
1
2022/12/26 - 07:10
المجموع: 3 | عرض: 1 - 3

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة