الرئيسية | أخبار وطنية | تنصيب حكومة العثماني بين الارقام الدالة والمؤشرات المقلقة

تنصيب حكومة العثماني بين الارقام الدالة والمؤشرات المقلقة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تنصيب حكومة العثماني بين الارقام الدالة والمؤشرات المقلقة
 

 

د.ميلود بلقاضي

 

استكملت حكومة العثماني شروطها الدستورية بعد مصادقة مجلس النواب على برنامجها ب 208 صوتا من 240 برلمانيا منتميا لأحزاب الأغلبية الحكومية ، وبهذه المصادقة ستمارس الحكومة صلاحياتها امام البرلمان بمجلسيه ، ويتوافق هذا التنصيب  مع ما جاء به الفصل 88 من الدستور الذي نص على  ان رئيس الحكومة يقدم بعد التعيين الملكي لأعضاء الحكومة  برنامجا حكوميا يناقش ويصادق عليه من طرف مجلس النواب .

تنصيب حكومي جاء في سياق  صعب يلفه الكثير من الغموض  في ظل مشهد حزبي  يعاني من امراض بنيوية  ومن صراعات سياسوية  صامتة  ومن تدني  في الالتزام السياسي بدت معالمه في سلوك وخطاب النخب البرلمانية اثناء عرض ومناقشة والتصويت على برنامج رئيس الحكومة  السيد العثماني.

السياق  العام للتصويت على برنامج حكومة العثماني: 

يعرف الكل السياق المأزوم الذي قدم فيه رئيس الحكومة المعين برنامجه الحكومي. والوضع غير السليم لأحزاب الأغلبية الحكومية ولأحزاب المعارضة , بالنسبة لأحزاب الأغلبية وفي مقدمتهم  حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة  فهو يمر بتصدع داخلي  عميق ومطمور لكن  ليس بالهين  تم خلاله مطالبة رأس العثماني بعد إعفاء بنكيران الذي وصفه  رئيس فريق العدالة والتنمية  ادريس الازمي بالإعفاء المؤلم والصعب . تصدع  لم ينحصر على الحزب القائد للأغلبية  الحكومية بل انه امتد الى باقي أحزاب الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري نتيجة تدبير زعماء هاته الأحزاب مسالة الاستوزار باستثناء حزب التجمع الوطني للأحرار الذي خرج  تقوى كما وكيفيا في تشكيلة حكومة العثماني  الى جانب حزب التقدم والاشتراكية الذي حقق فوزا نوعيا رقم كونه لم يحصل الا على 12 مقعدا برلمانيا.

 اما بالنسبة لأحزاب المعارضة  فوضعيتها لا تختلف عن وضعية أحزاب الأغلبية  وعلى رأسها حزب الاستقلال الذي يعيش على إيقاع تطاحنات  داخلية  مكلفة سياسيا  شهورا على عقد مؤتمره الوطني الذي ببقي مفتوحا على كل الاحتمالات ، وحزب الأصالة والمعاصرة  الحزب المعارض وفي نفس الوقت الحزب المؤيد للأغلبية  الحكومية  والذي تاه بعد فشله الحصول على المرتبة الاولى اثناء  تنظيم انتخابات 7 اكتوبر.

الارقام الدالة من خلال التصويت على برنامج حكومة العثماني:  

قراءة أولية  في عدد نتيجة التصويت  لصالح البرنامج الحكومي - 208 صوتا- ومعارضة - 91 صوتا- وامتناع -  40 صوتا- تدل على ان هناك خللا ما داخل فرق الأغلبية الحكومية بالبرلمان  او داخل فرق  للمعارضة  البرلمانية,  فلا جميع  نواب أحزاب الأغلبية الحكومة -240 برلمانيا- التزموا بالتصويت على رئيس حكومة احزابهم ، ولا اعضاء مجلس المعارضة بمجلس النواب نسقوا بينهم للتصويت الجماعي ضد برنامج الحكومي.  ومقارنة بسيطة بين هاته الأرقام  وبين أرقام التصويت والرفض والامتناع على برنامج رئيس الحكومة السابق بنكيران الذي قدمه امام  مجلس النواب  سنة 2012  يتبين ان هناك عدة تراجعات  كما وكيفا وعلى كل المستويات  نقدمها على الشكل التالي: 

1- انتقل عدد النواب المتغيبين اثناء التصويت على برنامج حكومة بنكيران من 42 برلمانيا الى 56  برلمانيا اثناء التصويت على برنامج  حكومة العثماني رغم دقة وصعوبة السياق .

2 –تراجع تصويت  كل نواب فرق الأغلبية بمجلس النواب على برنامج حكومة العثماني حيث صوت لصالحه 208 برلمانيا من بين 240  برلمانيا  منتميا لاحزاب الاغلبية الحكومية موزعة على الشكل التالي: 125 برلمانيا لحزب البيجيدي، و 37 للتجمعيين، و27 للحركة الشعبية ، و20 للاتحاد الاشتراكي، و19 للاتحاد الدستوري، و 12 للتقدم والاشتراكية.3-ستة احزاب لها اغلبية برلمانية مكونة من  240  برلماني  لم يصوت منها  الا 208 برلمانيا فقط على برنامج حكومة العثماني مما يعني ان 32 برلمانيا من الأغلبية الحكومية اما انهم تغيبوا او صوتوا ضد او امتنعوا  وهذا مؤشر سلبي على ضعف الالتزام برلماني احزاب حكومة العثماني عكس ما وقع  ما  اثناء التصويت على برنامج حكومة بنكيران سنة 2012  حيث تم التصويت  لصالح  التصريح الحكومي ب 218  صوتا مقابل 135 صوتا معارضا، ونشير في هذا السياق -وفق عملية حسابية بسيطة-  ان الأغلبية الحكومية السابقة  لبنكيران  تكونت من 217 برلمانيا موزعين على الشكل التالي: البيجيدي 107 والاستقلال 60 والحركة الشعبية 32 التقدم والاشتراكية 18 في حين ان عدد المصادقين  على برنامج حكومة بنكيران وصل  الى 218  صوتا  بنسبة 55,1 بالمائة من 395  برلماني  مما يعني ان برلمانيا معارضا صوت مع  الاغلبية البرلمانية بعد التزام جميع  نواب اغلبية حكومة بنكيران  - 217  برلمانيا -  بالحضور وبالتصويت على البرنامج الحكومي عكس نواب أغلبية احزاب حكومة العثماني الذين غاب منهم 32 برلمانيا . 4- تراجع في تصويت المعارضة على البرنامج الحكومي للعثماني  ب 91 صوتا  بكيفية مشتتة مقابل تصويت  135 برلمانيا  من المعارضة على برنامج حكومة   بنكيران 2012  بكيفية جماعية شكلت معارضة منسجمة مكونة من احزاب البام الاتحاد الاشتراكي الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للاحرار ضد برنامج حكومة بنكيران سنة 2012  مقابل  تصويت 91  نائبا ضد برنامج حكومة العثماني سنة 2017 وهو رقم اقل حتى بالنسبة لعدد فريق حزب الاصالة والمعاصرة المعارض المتوفر على 102 برلمانيا بمجلس النواب  دون ذكر نواب حزب الاشتراكي الموحد المعارض,5- الظهور الملفت لظاهرة البرلمانيين الممتنعين  ضد او مع برنامج  حكومة العثماني الذي وصل الى 40 صوتا اثناء التصويت  على برنامج حكومة العثماني مقابل اي صوت ممتنع اثناء التصويت على برنامج حكومة بنكيران 2012  وهو ما يعني ان  حتى حزب الاستقلال لم يلتزم جميع نوابه 47 بالامتناع بل امتنع  منهم 40  نائبا  معبرا بذلك عدم  التزامه بمبدأ المساندة النقدية لحكومة العثماني مما  يجعل مستقبل تعامل الفريق الاستقلالي بمجلس النواب مع حكومة العثماني مفتوحا على كل الاحتمالات.

دلالات تصويت 208 برلمانيا على برنامج حكومة العثماني: 

يعتبر هذا الرقم مؤشرا سلبيا  على ضعف الالتزام السياسي بين الاحزاب المشكلة لحكومة العثماني وهذا ما بدا واضحا - سيمولوجيا - على ملامح  وجه العثماني رئيس الحكومة - بعد اعلان  رئيس مجلس النواب بنتيجة  208 لصالح  البرنامج الحكومي  و91 ضد و40 امتنع – التي عبرت على عدم رضى العثماني على نتيجة التصويت وحسرته لانه لم يفهم  عدم التزام 32 برلمانيا منتمين لاحزاب الاغلبية الحكومية بالتصويت على البرنامج الحكومي   كما تردد على لسان  زعماء الاحرار والحركة والاتحاد الذين تشبثوا بتوسيع دائرة التحافات لتشكيل الحكومة بهدف ضمان التصويت على برنامج الحكومة  بأغلبية مريحة وهو ما لم يحصل اثناء التصويت  على برنامج حكومة العثماني  مما سيصعب من مأموريته  في ضمان أغلبية  مريحة برلمانيا  ومنسجمة حكوميا .

ولم تكن علامات الايحاءات السيميولوجية السلبية  حاضرة عند وجه العثماني فقط بل انها بدت اكثر وضوحا في حركات  الوزير الداودي الذي طلب من النواب الوقوف والتصفيق رافعا علامات النصر وكانه كان متخوفا من نتيجة معاكسة خصوصا من عدم تصويت بعض نواب فريق حزب العدالة والتنمية  على برنامج حكومة العثماني  بعد  الرسائل المشفرة  التي جاءت في رد رئيس الفريق على برنامج حكومة العثماني مفادها ان دعمه سيكون حذرا ومشروطا  وهو بدا بشكل اكثر وضوحا في تدخل نبيل الشيخي بمجلس المسنتشارين الذي كان قاسيا على العثماني اكثر من تدخلات رؤساء الفرق بمجلس المستشارين .

 وهو ما يفسر التحاق رئيس الحكومة العثماني ويتيم ورئيسي فريقي الحزب بمجلسي المستشارين والنواب مباشرة بعد التصويت على التصريح الحكومي بمنزل بنكيران  لوعي  العثماني بقوة  استمرار تحكم  بنكيران في الامانة العامة وهياكل حزب البيجيدي وبرلمانيي الحزب  خصوصا وان المقربين لبنكيران هم المحيطون برئيس الحكومة العثماني ": جامع المعتصم رئيس الديوان  ادريس الازمي رئيس الفريق  النيابي بمجلس النواب ونبيل الشيخي رئيس الفريق اليابي بمجلس المستشارين ومصطفى الخلفي الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة  الذي اصبح ظل العثماني  و مصطفى الرميد

.

رسائل ردود  فرق الأغلبية على البرنامج الحكومي  ودلالات الرقام:

 المتأمل في ردود رؤساء فرق الاغلبية الحكومة بمجلس النواب يقتنع بان  رئيس الحكومة العثماني  سيواجه عدة تحديات: تحديات التماسك الحكومي وصعوبة ممارسة دور الرقابة على جميع  وزراءه خصوصا بالنسبة لوزراء التجمع الوطني للاحرار ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي ووزير والداخلية، وتحديات تتعلق بضمان الانسجام بين فرق البرلمانية المنتمية للاغلبية الحكومية وهذا ما يفسر حصول حكومة العثماني على ثقة برلمانية اضعف- رغم تشكلها من ستة فرق برلمانية- مقارنة  بالثقة البرلمانية  التي حصلت عليها حكومة بنكيران  سنة 2012  حيث نال البرنامج الحكومي للعثماني 208 صوتا  بنسبة 52.6 بالمائة على 240  صوتا من 395 عضوا برلمانيا  بمجلس النواب  لتفقد الاغلبية الحكومة 32 نائبا  مقابل  فوز برنامج حكومة بنكيران بثقة 218 نائبا وبنسبة 55,1 بالمائة  على 217  نائبا مشكلا للاغلبية الحكومية على 395 عضوا بمجلس النواب.

اضافة الى دلالات عدد النواب المتغييبن- بل حتى بعض الوزراء الجدد  - على جلسة دستورية مصيرية  تهم التنصيب البرلماني  للحكومة حيث  انه وصل الى 56 نائبا بنسبة 14,1 بالمائة الامر الذي  يفيد ان  ممارسات وخطابات وسلوكات النخب البرلمانية المنتمية للاغلبية الحكومية  ستزيد من محن رئيس الحكومي الذي كان انيقا لغويا في رده على تدخلات الفرق البرلمانية  مقاربة مع عنف قوة رد بنكيران على تدخلات الفرق البرلمان.

لذلك نتسائل : فإلى اي حد سيصمد العثماني امام مناورات وزارء حكومته  ومخاتلات نواب اغلبيته البرلمانية؟ والى اي حد سيقاوم مشاكسة  صقور حزبه المطاليين براسه.؟ والى اي حد سيعتمد في مواجهة مشاكله الحكومية والبرلمانية والحزبية على بنكيران؟

تلك مجرد اسئلة ستجيبنا عليها الايام المقبلة مع متمنياتنا الصادقة للسيد العثماني بالنجاح في مهامه الصعبة لكن ليست بالمستحيلة على رجل دولة مثله.  

 
مجموع المشاهدات: 4488 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة