الرئيسية | أقلام حرة | العرب بين الخوفقراطية وهاجس دفع تهمة الإرهاب

العرب بين الخوفقراطية وهاجس دفع تهمة الإرهاب

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
العرب بين الخوفقراطية وهاجس دفع تهمة الإرهاب
 

 

استطاعت الإمبريالية الغربية أن تزرع في نفوسنا، كعرب، الرعب والخوف، وأن تجعل فرائسنا ترتعد بمجرد سماع كلمة "إرهاب"، حتى صرنا نعلن بمناسبة، وبغير مناسبة البراءة منها ومن كل مشتقاتها اللغوية، وربما لو كانت لنا القدرة لحذفنا جذرها اللهوي (ر ـ ه ـ ب) من قواميسنا، ولكن بما أننا لا نستطيع، فقد اجتهدنا ولم نقصر في إخراج التصريحات الرنانة المتبرئة منها ومن أصحابها، عسى أن يكون ذلك مدعاة لدفع شبهتها عنا، حتى نبقى دائما في أعينها ودعاء لطفاء، وهو ما جعلنا ندخل جميعا في دوامة "الخوفقراطية" بتعبير المرحوم المهدي المنجرة، حيث افتقاد الإحساس بالأمان، و الغرق في مستنقع الرعب، بما مكن الكونوليانية الجديدة من بسط نفوذها وفرضها علينا الانصياع لإرادتها انصياعا كاملا، تحت التهديد بأن تنزل على رؤوسنا دون رحمة عصا العصيان، إن نحن تلكأنا في الاستجابة لأوامرها العليا.
إن القاعدة العريضة لدى الغرب الاستعماري هو أن كل عربي مسلم إرهابي حتى تثبت براءته، وهذه البراءة معلق منح صكوكها بتقديم طقوس الطاعة والولاء الأعمى، الشيء الذي يجعلنا نعيش فوبيا دائمة، عرف هو كيف يتخلص منها، ويرمي بها على عقولنا وأبصارنا وسمعنا وقلوبنا، فبعد الحربين العالميتين وعى المشكلة جيدا، واستوعبها ساسته، وهذا فرانكلين روزفلت يحذر الأمريكيين عقب الحرب العالمية الثانية قائلا: "الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه". ويبدو أن أحفاده في أوربا وأمريكا استوعبوا جيدا نصيحته، ووجهوا بوصلتها إلى حيث أصبحت مكسبا استراتيجيا وفر عليهم الجهد والمشقة، ويسر لهم سبل بسط نفوذهم على العالم المتخلف.
إن الحقيقة التي يجب أن يعيها كل عربي مسلم هي أن الإرهاب نبتة خبيثة غريبة كل الغرابة عن ثقافتنا العربية الإسلامية المبنية على الإخاء والتسامح والمحبة في إطار الشعار الخالد الذي نزل من فوق سبع سماوات صادحا بقوله عز وجل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، كما قدس الإسلام الحياة الإنسانية وجعل الاعتداء عليها بالقتل، أو بأي إشارة أو تلميح أو إيماءة تؤدي إليه، مدعاة لنيل سخط الله، يقول رسول المحبة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يسفك دما حراما"، ويقول أيضا: " من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"، وفي حديث آخر يقول: "من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله"، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تعبر عن سمو نفس مربي الإنسانية وحامل لواء أخلاقها، الذي لا تني الأقلام المسمومة في التطاول عليه، لأنها تجهل فضله وقيمته وريادته الأخلاقية التي ما سبقه ، وما جاء بها بعده أحد من العالمين.
لقد بدأ الإرهاب كما يقول الدكتور المهدي المنجرة في كتابه "قيمة القيم" مع الصهاينة، في إطار إرهاب الدولة الذي باركه العالم الغربي المتحضر وصفق له، ووفر لأصحابه كل وسائل الحماية، ، ومنهم من سلمه الحواجز، وتوجه في الملتقيات الدولية كرمز وداعية للسلام، وقد رأينا كيف احتفت وسائل الإعلام الغربية بالإرهابي نتنياهو، وتسابقت للتقاط صوره في مقدمة مسيرة باريس ضد "الإرهاب"، كما لو كان رسول رحمة، في الوقت الذي  مازالت يداه طريتين بدماء أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، ولو قتل غيره من زعماء العالم الثالث مثل ما قتل هو من الكلاب والقطط، للتأمت جمعيات الرفق بالحيوان لطرده، أو لمنعه أصلا من الحضور، وتهديده، إن هو حدث نفسه بوطء أرض الأنوار، بتقديمه للمحاكمة، لكن مادام هذا المجرم قد قتل عربا مسلمين وشردهم وجوعهم وحاصرهم، فلا تثريب عليه، بل تلك في عرفهم حسنة من حسناته، لأنه يخوض حربا مقدسة ضد الإرهاب، تستدعي منهم  الوقوف إلى جانبه ونصرته.
إن الإرهاب الحقيقي المسكوت عنه، والذي لا يستطيع عباس وملك الأردن وقادة السعودية والإمارات الحديث عنه هو إرهاب الدولة الذي يحرم الشعب الفلسطيني من حق تقرير مصيره، ويفرض عليه حصارا بريا وجويا وبحريا شاملا ليحرمه من حقه في الحياة الكريمة، بمباركة غربية تعلن بكل صفاقة ولاءها للوليد غير الشرعي الذي استنبتته في التربة المشرقية، ومدته بكل الوسائل ليعيث في الأرض فسادا.
إن الإرهاب الحقيقي هو الذي ييسر السبل للعصابات التي تتاجر في السلاح من أجل التغلغل في الدول الإفريقية، واستغلال نعراتها القبلية والطائفية لترويج سلعها القاتلة تحت إغراء المال، دون وضع اعتبار يذكر للحس الإنساني، ودون أن تتحرك مشاعر التأثر في المشرع الأبيض والسياسي الأبيض للتحرك الجاد من أجل وضع حد لهذا التسيب الأخلاقي والقيمي، والتخلي عن النزعة الشيطانية في التفريق بين أبناء الشعب الواحد.
إن الإرهاب الحقيقي هو الذي يعمل أصحابه على زرع الفتنة والفوضى الخلاقة في أوصال المجتمع العربي، وفرض خيار الانبطاح الاقتصادي والسياسي على أنظمته من خلال توصيات أجهزة ظاهرها المهنية والعلمية، وباطنها الرغبة المرضية في الاستعباد والاستغلال، وكتم أنفاسها حتى لا تستطيع أن تتفوه بعبارات الرفض، وإرهابها بسلاح تصنيفها في خانة الدول المارقة إن هي فعلت.
إن الإرهاب الحقيقي هو معاكسة إرادة الشعوب العربية في التحرر، وإجهاض الديمقراطيات العربية في مراحلها الجنينية المبكرة، والتواطؤ مع المتواطئين لوأدها حفاظا على مصالح استعمارية راسخة تأبى أن تنحي لعوامل التعرية الوطنية، وتريد المحافظة على جبروتها ورسوخها في الأرض، وفق رؤية تعتمد على ثنائية السيد والعبد المملوك.
إن ما نسمعه عن وجود جماعات  وخلايا إرهابية بدول عربية معينة لا يعدو أن يكون صنائع غربية، شكلها الإرهابي الأبيض وأخرجها وفق الصورة البشعة التي يريد، ليخوف منا العالم، ويقدمنا كوحوش لا تستحق إلا الذبح والقتل الجماعي، وليتخذ من مشهد إرهابي ما ذريعة لاقتحامنا وفرض الحجر علينا، كما لو كنا أطفالا يحتاجون إلى من يحجر عليهم لافتقادهم إلى الملكة العقلية، وممارسة ذات الهمجية الإرهابية مع إعطائها تسميات رنانة لتسويغ همجيته، وتركيعنا وإخضاعنا، ليكون ذلك قداسنا في محرابه الذي لا يقبل غيره من أجل محو خطايا سربلنا إياها هذا التنظيم أو ذاك بإيعاز منه كما قلنا، في الوقت الذي كان يجدر به أن يتعلم من ديننا الحنيف مبدأنا العظيم " لا تزر وازرة وزر أخرى"، وأن يطبق فمه استحياء على ما راكمه من "فائض قيمة تاريخي"، بتعبير أنور عبد الملك، من خلال حقبة استعمارية إرهابية كالحة استنزف فيها خيرات الشعوب العربية البشرية والاقتصادية، ونهب كنوزها الثقافية، واستعمل أثناءها الأسلحة الفتاكة المميتة لإبادة كل من سولت له نفسه التطلع إلى الحرية والانعتاق.
في ظل وضعية هذه سماتها لا نلوم الإرهابي الأبيض على إرهابه السمنتيكي (اللغوي) والنفسي والعملي المتعدد الأشكال والأوجه، لأنه لم يتناقض مع نفسه، ولأن ذلك ينسجم ويتماشى ويتساوق وإيديولوجيته المتغطرسة التي تبحث عن البقاء فوق العرش، والاستمرار في الريادة وقيادة العالم بشتى الوسائل والطرق، لكننا نلقي باللائمة على المهرولين من الكتاب والمثقفين والإعلاميين العرب، المروجين لبضاعة الغرب، الذين تحولوا إلى سماسرة ووسطاء في سوق نخاسته، وامتشقوا ويمتشقون أقلامهم لقصف كل من يتخلف عن اللحاق بها، ووضع نفسه رهن الإشارة، وقد رأينا كيف تناسلت التحليلات والكتابات من سدنة المعبد الغربي، مؤاخذة المغرب على تخلفه عن "العرس العالمي المندد بالإرهاب"، وإهداره في شخص وزير خارجيته فرصة تسجيل الحضور والظهور في نشرات الأخبار العالمية في الصفوف الأولى لمسيرة باريس، والمخاطرة بمستقبل العلاقات الاستراتيجية مع "ماما فرنسا"، ووصم  الموقف المغربي بالعاطفي الذي لا يتماشى ومتطلبات السياسة الخارجية..، في الوقت الذي كان يجدر بهذه "النخبة المثقفة" أن تتزعم المقاومة الثقافية، وأن تزكي مثل هذه الخطوات مهما كانت دوافعها، وأن تدفع الحكومات العربية إلى الإقدام على خطوات مماثلة ضد الإرادة الاستعمارية في شكلها الجديد، لكن يبدو أن حلما كهذا بعيد المنال، مادام أن بين ظهرانينا "رعايا" برتب ثقافية وسياسية مختلفة لا يترددون في التسبيح بحمدها، وإصدار آهات الندبة والعويل كلما لاح في الأفق قرار وطني يعبر نوع من التحدي، وعن الرغبة في النهوض من الانبطاح، وهذا ما يجعلنا نردد مع المفكر مالك بن نبي قوله : "لقد طرح العالم الإسلامي الاستعمار، وأهمل القابلية للاستعمار".
مجموع المشاهدات: 3128 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة