الرئيسية | أقلام حرة | وقفة مع تصريحات كارين آرمسترونغ

وقفة مع تصريحات كارين آرمسترونغ

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
وقفة مع تصريحات كارين آرمسترونغ
 

 

أكدت الباحثة البريطانية المتخصّصة في علم اللاهوت ومقارنة الأديان، كارين آرمسترونغ، في مقابلة مع أحد الموقع الإلكترونية، بما لا يدع مجالا للشك، أنّ التهم الجزافية التي تنسب للإسلام من خلال النقاشات في كثير من الفضاءات الغربيّة، هي عبارة عن تقليد موروث وغير مشرف، يهدف في الأساس إلى تشويه الديانة الإسلامية. وهو أمر - كما قالت - شائع في تاريخ الغرب منذ زمن بعيد.

كانت الباحثة آرمسترونغ واضحة في  نقدها للأفكار المسبقة التي تُسوَق ضد الإسلام، فقد أكّدت أنّ المقولة القديمة الجديدة الزاعمة أنّ الإسلام أكثر عنفا ودمويّة من الديانة النصرانيّة، إنّما تروّج كلاما لا أساس له من الصحة، بدليل أنّ جميع الكتب المقدسة تحتوي على آيات وفقرات "عنف"، غير أنّ المشكلة الأساسيّة تظلّ في كيفية الفهم والاقتباس المفضيان ربّما إلى الاستخدام خارج السياقات، فكثرة الاهتمام بالجزئيات إلى جانب سوء الفهم وانحراف المقاصد تؤدّي بالضرورة إلى الإساءة إلى جوهر الدين الذي جاء داعما للحريّات محاربا للظلم داعما للسلم الاجتماعيّة. وتضيف الباحثة: وإذا احتجّ البعض بأنّ المقاطع والآيات الدينية لا تعكس طابع العهد الجديد (الإنجيل ككلّ)، فإنّ نفس المنطق يلزمهم بالاعتراف بأنّ ما يسمى بـ"آيات القتال" لا تعكس أيضًا جوهر الإسلام الذي جاء مؤكّدا على السلميّة وعلى التعارف بين الشعوب كلّها. وإذا كان المسيح عيسى عليه السلام نفسه، قد أمر أتباعه بأن يحبوا أعداءهم، وبأن يُديروا الخد الأيسر إذا ضربوا على الأيمن، فإنّه عليه السلام قد حذَّرهم في ذات الوقت بقوله: "ما جئت لألقي سلاما بل سيفا" إنجيل (متى 10، 14)، وفي القرآن [وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين]...

إنّ علماء اللاهوت، الذين يدَّعون عدم وجود فقرات في العهد الجديد تماثل ما يسمى آيات القتال من سورة البقرة، الآيات 191 – 193؛ قد نسوا ربما سِفر رؤيا يوحنا، وهو النص المفضل لدى المتطرفين المسيحيين في كل مكان من العالم، الذين يتوقعون معركة الدينونة الأخيرة، حيث يُباد أعداء الله "هرمجدون". وهم يفهمون النص الديني حرفيا، ويقتبسون منه أكثر مما يقتبسون من عظة الجبل أو خطبة ياسوع فوق السهل.

ثمّ تزيدكارين آرمسترونغ شرحا وإفحاما قائلة:إنّ الهجوم الذي تطالب به الآيات 191 وما بعدها في سورة البقرة على الأعداء، ينتهي بقول الله في نفس الآيات... "فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ". لكن مع الأسف الشديد، هذا المخرج لأعداء الله  في القرآن الكريم، غير موجود ولا يسمح به في سِفر رُؤيا يوحنا الإنجيلي". 

سبق وكتبت الباحثة كارين أرمسترونغ في صحيفة "الغارديان البريطانية " قولها: إنَّ العنف الهمجي الذي يمارسه تنظيم الدولة المعروف اختصارا بداعش، قد جاء، جزئيًا على الأقل، "نتيجةً لسياسة الازدراء الغربيَّة برمز عقيدة المسلمين، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. إذا كانت هجمات باريس مستوحاة من فكر تنظيم القاعدة، فهذا يعني أنّ دوافعها كانت سياسيّةً ودينيةً في آن واحد. وقد وقع الهجوم في باريس على رمز الحضارة الغربيّة العلمانيّة المقدَّس، أي حريَّة التعبير المتمثّلة عندهم في شارلي هبدو، التي تُعد أحد مُثُل التنوير العليا في فرنسا. وهي من الأمور الجوهريَّة في المجتمع الرأسمالي بالطبع. إنّ حرية التعبير مثالية، وإنّ الناس أحرارٌ في الابتكار دون أن تقمعهم القيود المفروضة، لا من الكنيسة أو الطبقة أو النقابات... لقد قال الإرهابيون في هجوم بارس: أنتم تهاجمون رمز عقيدتنا المقدس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذًا نحن هنا لنهاجم رموزكم التي تعشقونها، وسوف تتذوّقون عندها الشعور بما اقترفت أيديكم". 

وفي جواب عن لزوم العودة لبعض سور وآيات القرآن الكريم لمعرفة ارتباطها بالعنف والإرهاب!!. قالت الباحثةكارين آرمسترونغ بكل ثقة:كلا، لا ينبغي ذلك لسبب بسيط ،هو أنّ هذه الآيات القرآنية لم تثِر الإرهاب ولم تحرّض عليه على مدى التاريخ. مضيفة، إنّ كل إمبراطورية عبر التاريخ القديم والحديث، قامت وتقوم على السلطة، سواء كانت هنديةً أو صينيةً أو فارسيةً أو رومانية أو يونانيةً أو بريطانيَّةً. وهذا ينطبق أيضًا على الإمبراطورية الإسلامية. كان الإسلام حتى بداية الحداثة أكثر تسامحا بكثير من المسيحية الغربية. وعندما احتل الصليبيون القدس سنة 1099، أصيب الشرق الأوسط بصدمة عظيمة جراء المجازر التي ارتكبت بحقّ سكان المدينة المقدسة "أورشليم" المسلمين منهم واليهود. إنّ ممارسة ذلك العنف المنفلت من عقاله من كرف الصليبين، لم يكن معروفًا لدى سكان المدينة المقدسة. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر خمسين عاما إلى أن قام المسلمون برد العدوان بشكل فعلي وحرّروا القدس من قبضة الصليبين، فعاشت المدينة من جديد في سلام. وهنالك عنف في الكتاب المقدَّس العبري التوراة وفي العهد الجديد الإنجيل يفوق ما في القرآن الكريم بكثير. 

وعندما سُئلت الباحثة كارين آرمسترونغ عن علاقة ازدراء الغرب العالم الاسلامي بما يجري من هجمات إرهابية أجابت قائلة:منذ حقبة الحروب الصليبية والنبيّ [محمد] يُصوَّرُ في الغرب على أنَّه مُشَعْوِذٌ، يفرض إرادته بالقوة الغاشمة، وهو شخصٌ مصابٌ بالصَرَع، شهوانيٌ.. وصورة الإسلام المشوَّهة اليوم، نشأت في نفس الوقت الذي نشأ فيه العداء الأوروبي للساميَّة، حيث هُزئ باليهود وصُوِّروا باعتبارهم أعداء أوروبا المتنفذين الخبثاء العنيفين المنحرفين. لذلك جاء الهجوم على المجلة الساخرة شارلي إبدو جزئيًا نتيجةً للازدراء الغربي.

أما الهجوم على المتجر اليهودي المختص بالأطعمة الموافقة لأحكام الدين اليهودي "الكوشر" والذي كان مدعومًا من قبل تنظيم الدولة الإسلاميَّة "داعش"، فقد كان موجَّهًا ضد الدعم الغربي لإسرائيل. وفي هذا يكمن أيضًا أحد عناصر الازدراء، إذ لم يكن هناك سوى قليل من الاحتجاج أو البكاء والعويل على سقوط أعداد هائلة من الضحايا [الفلسطينيين] في حرب تشنّها أعتى دولة في الشرق الأوسط على غزة الصيف الماضي. وهو ما يجعل بعض المسلمين ينتابهم الانطباع العام؛ بأنَّ حياة الفلسطينيين من النساء والأطفال والمسنين، ليس لها عندنا نفس القيمة في حياتنا في الغرب.

 

جزء من المقال، مقتبس من الحوار الطويل الممتع الذي أجرته الصحافيةالألمانية كلاوديا في صحيفة الفنطرة بتصرف.

 
مجموع المشاهدات: 822 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة