الرئيسية | أخبار وطنية | المجلس الحضري لمدينة اليوسفية وضمور المقاربة الاجتماعية

المجلس الحضري لمدينة اليوسفية وضمور المقاربة الاجتماعية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المجلس الحضري لمدينة اليوسفية وضمور المقاربة الاجتماعية
 

 

نورالدين الطويليع ـ يوسف الإدريسي
راهنت ساكنة مدينة اليوسفية على مجلسها الحضري فور تشكله لتحقيق طفرة اقتصادية بالمدينة تلقي بظلالها على المهمشين والمنبوذين اجتماعيا ممن يمتهن أغلبهم مهنا عشوائية غير مهيكلة، وكان الدافع وراء هذا النزوع المتفائل، الانتماء النقابي لرئيس المجلس الذي طالما دغدغ مشاعرهم حينما كان خارج الدائرة التدبيرية بعبارات التنديد بالإقصاء الاجتماعي في حقهم، والتباكى على غياب العدالة الاجتماعية، واشتكى غير ما مرة بأكثر من شكل احتجاجي بجريمة الإجهاز على حق المواطن اليوسفي في الحياة المطمئنة والعيش الكريم، ورميه في مستنقع القهر الاجتماعي.
والأسئلة التي تطرح نفسها ها هنا بحدة، وتبحث عن مشاريع أجوبة قد تأتي وقد لا تأتي، وقد تزول علامات استفهامها القلقة، أو قد تبقى شاخصة، شاهدة على تساؤل مكبوت لا يحتاج إلى إجابة بالمفهوم اللغوي للكلمة، هي: هل حقق المجلس الحالي الذي مر على تشكيله أكثر من خمس سنوات انتظارات المواطنين الاجتماعية؟، وهل استطاع الرئيس كفاعل نقابي ذي نزوع اشتراكي حداثي أن يبلور رؤية تقدمية ترتكز على إقامة صرح البناء الاجتماعي ودعم أسسه، بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويستجيب لخارطة الطريق التي رسمها المكتب السياسي لحزبه "الاتحاد الاشتراكي" في مؤتمره التاسع عشر، الذي أكد كاتبه الأول إدريس لشكر أن أول ما تنبني عليه هو المقاربة الاجتماعية؟، وما موقف شركاء الرئيس في تدبير الشأن المحلي من الحصيلة الاجتماعية لمجلسهم، هل سكوتهم رضا، أم انحناءة تنتظر مرور العاصفة، لتخرج أفواههم عن صمتها، وتلعن الفترة وما خلفته من مآس وانحطاط اجتماعيين؟
بداية وقبل الوقوف على تفاصيل الأطروحة الاجتماعية لرئاسة المجلس الحضري، يجدر بنا كمتتبعين للشأن المحلي أن نضع القارئ في الصورة البئيسة لمجلس تخلى رئيسه، وهو يمتطي قاطرته، عن حقيبته الاجتماعية، ومضى، بعد أن رماها بعيدا، كحصان معصوب العينين لا يعبأ بما يخلفه يوميا من حوادث سير تدبيرية قاتلة، ضحاياها بالآلاف يئنون من فرط لا مبالاته بأحوالهم، دون أن يأبه أحد لأنينهم.
وحتى نخرج من دائرة الكلام المجرد، سنعرض فيما يلي نقطا ومجالات أجهزت عليها رئاسة المجلس، تاركة إياها مدرجة في أوحال سوء تدبيرها الارتجالي، بما يجعلنا ننعي هذا المجلس، وننتظر إصدار شهادة وفاته رسميا مع المنتظرين.
1ـ افتقاد المجلس الحضري إلى رؤية واضحة للتدبير التشاركي: ينص الميثاق الجماعي  الذي يعتبر إطارا مرجعيا أساسيا للجماعات الترابية، على وجوب انفتاح المجالس الجماعية على مختلف الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وذوي الخبرات، من أجل بلورة برامج ومخططات قادرة على النهوض بالشأن المحلي، والدفع به إلى الأمام، ونشير هنا إلى ما ورد في خطاب ملكي وجه إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير في دجنبر 2006: "" كان لزاما على مدننا التوجه نحو نظام يمكن من فتح المجال لمبادرات تقوم على مبادرة تعاقدية وتشاركية بين الدولة والمدن، ومن انخراط مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإشراك المواطنين في مختلف مراحل إنجاز البرامج المحلية"".
هذه الرؤية الملكية لا تعني المجلس الحضري لمدينة اليوسفية من قريب أو بعيد، فالقرارات تتخذ بصفة انفرادية، والطابع التشاركي مغيب حتى في بيته الداخلي، إلى درجة أن كثيرا من المستشارين لا يعلمون عن أمر مجلسهم سوى الحضور للدورات والتصويت على نقط جدول أعماله، أما المشاركة في إعدادها وإبداء الرأي حولها، فلا وجود له، ولا حاجة للرئاسة في وجوده، وهذا ما جعل العلاقة بين مكونات المجلس تصل إلى درجة كبيرة من السوء والتدهور، وتصل أحيانا إلى القطيعة، في ظل اتهام هذا الطرف ذاك بالاستفراد بالرئيس، والاستئثار بحظوته.
في ظل وضعية هذه سماتها لا عجب أن يعرض عن ابن العم، بعدما تم التنكر للأخ، ولا غرابة في أن يغلق الباب في وجه جمعيات المجتمع المدني التي منحها المشرع وظيفة استشارية، وأوصى بضرورة الاستماع إلى رأيها أثناء إعداد البرامج الجماعية، فقد جاء في المادة 14 من الميثاق الجماعي ما نصه: "تحدث لدى المجلس الجماعي لجنة استشارية تدعى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي"، وهذه اللجنة تضطلع بوظيفة إبداء الرأي في "القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي".
والأمر المثير للاستغراب أكثر هو سكوت جمعيات المجتمع المدني عن هذا الإقصاء الذي جعل الرئيس في وضع مريح، مكتفية بوضع المتفرج على الارتجالية وسوء التدبير والعدوان على مبدإ تكافؤ الفرص من خلال محاباة طرف ما، كان من مظاهرها تهريب رئاسة المجلس أشغالا لصالح هذا الاسم أو ذاك من المنعم عليهم برضا الرئيس، مثل ترصيص أزقة بعينها لأن بها منزل، صاحبه رضي مرضي، وتعبيد طرق لسواد عيون هذا أو ذاك، وإهمال أخرى لأن من يسلكونها لا بواكي لهم، ولا توجد لهم قريبات في العرس الريعي، وهذا وضع ضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم، وخلق إحساسا بالحكرة لدى فئات واسعة من المواطنين، وكل هذا حدث دون أن تحرك جمعيات المجتمع المدني بالمدينة ساكنا، ولو ببيان يتيم، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا السكوت المريب الذي جعلها تتخلى عن دورها في التتبع والمراقبة ودق ناقوس الخطر بشأن اختلالات مجلس حادت بوصلته عن مسارها الطبعي، وتاهت في غياهب المجهول.
2ـ خلو سجل المجلس من المخططات والبرامج التي تخص محاربة الهشاشة:  كان معولا على المجلس الحضري الحالي الانكباب على وضع مشاريع تروم النهوض بالفئات المعوزة والمهمشة وتحسين أوضاعها، لكن شيئا من هذا لم يحدث، وبقي هذا الموضوع خارج اهتمام رئاسته، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى طريقة معالجة المجلس لملفين شائكين يرتبطان بقطاع المهن غير المهيكلة، يتعلقان بموضوع البائعين المتجولين (الفراشة)، وأصحاب العربات المجرورة، فتحت الضغط الشعبي صادق المجلس على قرارات تدعو إلى الحد من الفوضى التي يحدثها هؤلاء، دون أن يقدم بديلا وحلا جذريا يستطيع بموجبه اقتلاع الظاهرتين، من خلال مشاريع مدرة للدخل لأصحابها، يجدون من خلالها موردا ماليا قارا يمكنهم من تأمين لقمة العيش، وهكذا فقد ذهبت جهود رئيس الشرطة الإدارية سدى، ولم تؤت تحركاته بهذا الصدد النتائج المرجوة، لأن رئاسة المجلس لم تعالج المشكل في شموليته، ونظرت إليه من زاوية ضيقة جعلت المعنيين بالأمر يستعصمون في رفض الاستجابة لقراراته والانضباط لها.
وليس غريبا أن تنظر رئاسة المجلس نظرة إثنية ضيقة إلى المشكل، فالرئيس دق ناقوس الخطر بخصوصه في إحدى الدورات، ولكن ليس باعتباره مشكلا بنيويا يستلزم معالجة شمولية، بل لأن الأمر لم يعد يقتصر على أبناء المدينة في ظل توافد الغرباء على القطاع، فقد جاء في محضر دورة فبرايرمن السنة الجارية ما يلي: "لفت السيد الرئيس إلى ما أصبح واضحا للعيان من فوضى أضحت تشوب عملية عرض السلع من طرف الباعة المتجولين بفضاءات الحي الحسني، مشيرا إلى أن الأمر لم يعد يقتصر على تجار المدينة، بل إن هناك من أصبح يفد على المدينة من خارجها، ويزاحم أبناء المدينة على لقمة العيش".
هاهنا نجد أنفسنا أمام رئيس ينظر باختزالية كبيرة إلى مشكل بات كابوسا مؤرقا للمسؤولين والمواطنين على حد سواء، فلو اقتصر الأمر، حسب الرئيس، على أبناء المدينة لهان الأمر، لكن مادام "البراني" قد دخل الخط، فالأمر يستلزم التدخل، ليس لسواد عيون الشأن المحلي والفضاءات العمومية، ولكن لأن هؤلاء الغرباء لا يرجى من ورائهم ربح انتخابي، مادام أنهم سيصوتون خارج دائرة الرئيس، وسيتركون له سخط الناس وضجرهم وحنقهم.
3ـ المجلس الحضري ومقاربة النوع الاجتماعي: تنص الأدبيات الرسمية على وجوب إيلاء النساء المستشارات أهمية كبيرة في تدبير الشأن المحلي، وإعطائهن الفرصة في تسيير دواليبه والنهوض به...، هذه الأدبيات اختارت رئاسة المجلس أن تغرد خارج سربها، وأن تتعامل مع المرأة المستشارة باعتبارها رقما بلا مدلول، أو صفرا اجتماعيا لا يدخل في دائرة الاعتبار، ونورد في هذا السياق شهادة معبرة للمستشارة حنان مبروك التي تنتمي إلى حزب الرئيس، أدلت بها في إحدى اللقاءات الجمعوية، اعتبرت من خلالها أنها وزميلاتها مجرد "ديكور" و "زواق" داخل المجلس، لا تعطاهن المبادرة، ولا يستمع أحد إلى آرائهن واقتراحاتهن، مضيفة أنهن مجرد متاع تكون الرغبة ماسة إليه فقط في دورات المجلس، حيث الحاجة ملحة إلى أصواتهن.
وضع الهامش هذا الذي خندقت فيه رئاسة المجلس المرأة المستشارة يمتح جذوره من نظرة إقصائية ونزعة تحكمية تجعل من الرئيس صاحب القرار الأول والأخير، وتترك الأغلبية الساحقة بمذكرها ومؤنثها خارج اللعبة، فتيار الإقصاء الرئاسي أتى على كل شيء، واجتث بمده الجارف نون النسوة، معطيا الكلمة للأسماء الخمسة، أي للرئيس ولبعض من يدور في فلكه.
4ـ افتقاد المجلس إلى برامج تهم استشفاء المعوزين وتمدرس أبنائهم: وفاء منها لسياسة الارتجالية والتخبط، وغض الطرف عن كل ما هو اجتماعي لم تكلف رئاسة المجلس الحضري نفسها عناء وضع مخططات وبرامج تهتم بالفئات المعوزة والمحرومة والمهمشة، تهم قطاعي الصحة والتعليم، واكتفت بالمقابل بإدراج اعتمادات جد هزيلة للموضوع تحت عنوان "الهبات والإعانات" في ميزانية 2013، وهذه الاعتمادات، على هزالتها، برمجت بالكامل في إطار الفائض، دون أن يمس منها ولو درهم واحد، وفيما يلي جرد لعناوين تدخل في هذا المجال، مصحوبة بالاعتمادات المرصودة لها كما وردت في محضر دورة فبراير من السنة الجارية، المتضمن للحساب الإداري لسنة 2013:
ـ هبات ومعونات لصالح المحتاجين : 5000درهم، برمجت ضمن الفائض.
ـ مصاريف استشفاء المعوزين: 5000 درهم، برمجت بدورها ضمن الفائض.
ـ إعانات مقدمة للأعمال الإنسانية: 20000 درهم، لقيت نفس المصير.
ـ شراء لوازم مدرسية: تكرر هذا العنوان مرتين، ورصد له في كل مرة 10000درهم، وأرسل المبلغان إلى الفائض.
ـ مصاريف نقل المرضى للمراكز الاستشفائية: لم يرصد لهذا العنوان ولو درهم واحد، وبقيت خانته فارغة.
مصاريف نقل الأطفال للمخيمات: لم يرصد له كذلك أي شيء.
هذه الحصيلة السوداء في مقاربة الوضع الصحي والتعليمي للفئات المعوزة، تكشف عن إرادة مجلس لا يضع أدنى اعتبار للمقاربة الاجتماعية، فالوضع الصحي المتدهور بالمدينة لم يحفز رئاسته للبحث عن حلول من شأنها التنفيس عن المواطنين الفقراء الذين لا طاقة لهم ولا قبل برحلة عذاب مكلفة صوب المستشفى الجهوي محمد الخامس بآسفي، مثل جلب أطباء أخصائيين وعموميين وإلحاقهم بمستشفى للا حسناء الإقليمي، وإعفاء المحتاجين من فاتورة 200 درهم لصالح سيارة الإسعاف التي تعطى التعليمات الصارمة لسائقها برفض التحرك قبل تسلم مبلغها، مهما كانت حالة المريض الصحية مستعصية، ولا تقبل التأجيل والتأخير، مما يدل على تبلد إحساس رئاسة المجلس وافتقادها للحس الإنساني النبيل، وتعاملها بمنطق جبائي مادي صرف، دون أن تهمها في شيء صحة مواطنين حكم عليهم القدر بالفقر، وعلقتهم هي في حبل مشنقة سوء التدبير وجلافة التسيير.
وما قيل عن الصحة يقال عن التمدرس، ففي الوقت الذي تنخرط فيه المجالس الجماعية في حملات شراء الكتب واللوازم المدرسية لأبناء الفقراء، نأت رئاسة المجلس بنفسها عن هذا الموضوع، واحتفظت بالاعتماد المرصود له، لتضعه في خزانة الفائض، الصندوق الأسود للرئيس.
5 ـ افتقار المجلس إلى مقاربة تهم موضوع السكن الاجتماعي: يعاني فقراء مدينة اليوسفية ومحدودو الدخل الأمرين بسبب الارتفاع الصاروخي لأثمنة العقار الذي يجعل امتلاكهم سكنا خاصا من سابع المستحيلات، وعوض أن يولي رئيس المجلس الحضري الاهتمام اللازم لهذا الموضوع من خلال عقد شراكات مع الأطراف المعنية بالقطاع لتيسير سبل حصول هؤلاء على سكن، انخرط بشكل شخصي في هذا المجال، وجهز أرضا اقتناها لهذا الغرض، وعرض مقابل تفويت بقعها أثمنة باهظة، في الوقت الذي كان يجدر به أن يفكر في القيام بمثل هذه الخطوة من موقع رئاسته للمجلس، ليقدم خدمة للساكنة تخلد اسمه، وأشكال تدخل المجلس هاهنا كثيرة ومتنوعة، لكن عمى رئاسته يحجزها عن رؤيتها.
 
ويدخل في هذا السياق كذلك موضوع معالجة البنايات والمنازل الآيلة للسقوط، فقد جاء في المادة 50 من الميثاق الجماعي ما يلي: "يراقب (الرئيس) البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط، ويتخذ التدابير اللازمة لترميمها أو هدمها طبقا للأنظمة والقوانين الجاري بها العمل"، بيد أن الرئيس اختار أن يدير ظهره  عن هذا الموضوع الذي كان من اللازم اللازب أن ينجز بخصوصه دراسة شمولية، وأن يقوم بعملية إحصائية لجرد البنايات والمنازل الآيلة للسقوط، ويضع تصورا لمعالجتها حفاظا على صحة المواطنين، واستباقا لكوارث قد تخلفها إذا ما استمر إهمالها وتركها على حالها، وننوه هنا إلى أن رئيس الشرطة الإدارية قام بتحركات بهذا الصدد، لكن تحركاته تبقى محدودة، لأن الموضوع أكبر من أن يعالجه فرد، وهو يتطلب انخراطا من جميع الأطراف المعنية، على أن تكون المبادرة من المجلس الحضري، لكن اعتماد صفر درهم المخصص لموضوع الصيانة الاعتيادية لدور السكنى في ميزانية 2013 يعري عن إرادة رئاسة مجلس تبحث دائما عن ظل، وتنأى بنفسها عن كل ما من شأنه أن يجلب عليها صداع الرأس.
مجموع المشاهدات: 2488 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة